لماذا تسعى شركات مثل Apple وهواوي لإطلاق محرك بحث خاص بها؟
خلال الأسابيع الماضية ترددت عدة أخبار عن نية شركات كبرى إطلاق محركات بحث جديدة خاصة بها. حيث كان هناك أخبار عن أن Apple ربما تطلق محرك بحث جديد لأنظمتها المختلفة وتتخلى عن Google، كما أن Huawei التي خسرت هواتفها خدمات Google منذ العام الماضي تعمل على محرك بحث أطلق بالفعل ويتم تطويره بشكل كبير مؤخراً حيث يحمل اسم Petal Search.
السؤال المهم هنا، هو لماذا تفكر هذه الشركات بإطلاق محركات بحث أصلاً؟ فكما هو معروف، هناك صعوبة كبيرة بإنشاء محرك بحث جديد، ومحركات البحث الموجودة اليوم إما تصرف مليارات الدولارات على تطويرها، أو أنها تستعين بمحركات بحث أخرى لإظهار النتائج، وحتى بعد الاستثمار الكبير لا يعد النجاح مضموناً بالضرورة، فمحرك بحث Bing من Microsoft لا يزال أصغر بكثير من منافسة Google رغم أنه متاح منذ عام 2009 وقد صرفت مئات الملايين على تطويره، ومئات الملايين الأخرى على الإعلان عنه ومحاولات تسويقه.
في الواقع وللوهلة الأولى يبدو إنشاء محرك بحث جديد فكرة خاسرة للبعض، فالجميع يعرف أن عرش Google متن كفاية ومن الصعب زعزعته، لكن وعلى الرغم من العقبات الكبرى هناك في الواقع أسباب حقيقية تدفع الشركات لتطوير محركات بحث خاصة بها، وهنا سنتناول أهمها.
العائدات المالية الكبيرة لمجال البحث
بالنسبة للكثيرين، يبدو مصدر ربح محركات البحث مجهولاً في الواقع، حيث أن محركات البحث مجانية تماماً ولا تفرض دفع المال لقاء تقديم خدماتها. لكن الواقع هنا مختلف، حيث أن محركات البحث من أكثر المشاريع ربحية في الواقع إن كانت تمتلك قاعدة مستخدمين كبيرة كفاية، وكما هو الحال للكثير من الأعمال على الإنترنت، تستمد محركات البحث أرباحها وعائداتها من الإعلانات الرقمية.
في معظم البلدان اليوم، يمكن مشاهدة الإعلانات في محرك البحث بسهولة، حيث يكفي أن تبحث عن كلمات مفتاحية منتشرة ومهمة مثل “تأمين السيارات” أو “السياحة في ــــ” أو سواها، وستلاحظ أن النتائج الأولى والأخيرة في الصفحة الأولى من البحث ستكون إعلانية في الواقع، ومع أن النتائج الإعلانية لم تعد سهلة التمييز اليوم، فمن الممكن تمييزها برمز “Ad” صغير عادة.
في الواقع تدر إعلانات محركات البحث أموالاً هائلة على الشركات الكبرى كل عام، حيث تجني شركة Google حوالي 100 مليار دولار من عائدات إعلانات البحث سنوياً، وحتى محرك بحث Bing الصغير من حيث الحصة السوقية يجني حوالي 7.7 مليار دولار أمريكي من العائدات.
بالطبع فالعائدات الضخمة خداعة نوعاً ما، بل الأهم هو الأرباح الصافية. ومع أن الشركات الكبرى قلما تكشف مصادر ربحها، فمن المعروف أن قطاع البحث رابح للغاية لكل من Google وBing وحتى لمحركات البحث الصغيرة جداً مثل DuckDuckGo وEcosia وسواها.
السيطرة الأكبر على السوق بفضل معلومات المستخدمين
بالنظر إلى كل من Huawei وApple، فكل من الشركتين تصنعان الهواتف الذكية وتبيعان عشرات الملايين منها للمستخدمين حول العالم، وكما هو معروف تعد الهواتف الذكية مصدر معلومات هائل عن المستخدمين، حيث يمكن للشركة معرفة الكثير من التفاصيل عن مستخدميها، ومن ثم استخدام هذه المعلومات لتحسين تجربتهم مثلاً أو تسويق المنتجات المناسبة لهم واستخدام تفضيلاتهم كنقاط مرجعية عند تطوير منتجات جديدة.
لكن وعلى الرغم من أهمية المعلومات التي تجمعها الشركات المصنعة للهواتف عن مستخدميها، فهي تبقى محدودة نسبياً بسبب شروط الخدمة وبالأخص لشركة مثل Apple تتغنى بالخصوصية. لذا تشكل محركات البحث وسيلة ممتازة لجمع مقدار أكبر من المعلومات عن المستخدمين وما يبحثون عنه. ومع أن المتاجر الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي خيارات جيدة أيضاً لجمع معلومات المستخدمين، فتسويقها أصعب بكثير من تسويق محرك بحث جديد في الواقع.
اقرأ أيضاً: هل كان محرك بحث Bing مشروعاً فاشلاً حقاً؟
هل من الممكن أن تنجح محركات البحث من شركات مثل Huawei وApple؟
يعتمد جواب هذا السؤال على تعريف النجاح من جهة، ومدى إصرار الشركات على تضمين محرك البحث الجديد كخيار افتراضي أو حتى قسري. فحتى في حال لم تقم الشركات بإرغام المستخدمين على محرك بحثها حصراً، بل أتاحت لهم تحديد محركات بحث بديلة، يبكون هناك نسبة دائمة من المستخدمين الذين يبقون الخيار الافتراضي ويستخدمونه طوال الوقت. والواقع أن نسبة كبيرة من استمرارية Bing حتى اليوم تأتي من كونه محرك البحث الافتراضي لمتصفح Edge الذي هو المتصفح الافتراضي لنظام Windows.
لكن وبالنظر إلى حالة هواوي اليوم من جهة، وتصرفات Apple السابقة من حيث تضمين خدماتها بشكل افتراضي وتصعيب أو منع التغيير إلى خيارات أخرى حتى، يمكن القول أن احتمال نجاح محركات بحث جديدة أمر حقيقي تماماً، وعلى عكس Bing المعتمد ضمن المتصفح بالدرجة الأولى، فمستخدمو الهواتف عادة ما يبحثون من تطبيق البحث مباشرة بدل المتصفح، وبالتالي قد يكون هناك نسبة كبيرة من المستخدمين الذين يستسلمون ويتخلون عن Google.
هناك مثال جيد على الأمر في الواقع: خدمات Apple Maps التي قدمتها الشركة عام 2012. حيث أن خدمات خرائط Apple كانت ولا تزال خياراً أسوأ بوضوح وأقل شمولية من Google Maps، لكن ومع ذلك فكونها الخيار الافتراضي جعلها تحقق نجاحاً كبيراً وتصبح الخيار الأكثر استخداماً حتى في العديد من الأسواق العالمية. وباستخدام أساليب مشابهة، من غير المستبعد أن تتمكن Apple أو حتى Huawei من إنجاح محرك بحثها الخاص، مع وجود مئات ملايين الهواتف قيد الاستخدام من هاتين الشركتين.