سر مساهمة والدا جيف بيزوس في نجاح أمازون في بداياته
بالنظر إلى شركة Amazon اليوم، من الصعب تخيل ماضٍ كانت فيه هذه الشركة مجرد مشروع ناشئ جديد، إذ أن قيمة الشركة اليوم تتجاوز 1.6 ترليون دولار أمريكي مع مبيعات سنوية بمئات المليارات حول العالم. لكن قبل أن تصبح الشركة على حالها اليوم وقبل أن يصبح مؤسسها جيف بيزوس (Jeff Bezos) أثرى رجل في العالم كانت الأمور مختلفة للغاية والآمال بالمستقبل لم تكن مضمونة حقاً.
من منظورنا اليوم من السهل أن ننظر إلى Amazon ومفهوم التجارة الإلكترونية ككل كأمر مفروغ منه، فنحن نعرف الآن أن المجال قد نجح وبات منافساً قوياً يتوقع أن يتفوق على التجارة التقليدية حتى في المستقبل. لكن في منتصف التسعينيات كان الويب لا يزال طفلاً، واتصال الإنترنت متوفر لقلة فقط من الأشخاص ومن هؤلاء كان احتمال العثور على زبائن مستعدين للمغامرة بالشراء من الإنترنت أمراً صعباً.
بداية Amazon والاستثمار الأولي
عند الحديث عن بداية شركة Amazon عادة ما يذكر أن بيزوس وزوجته السابقة كانا يعملان من كراج منزلهما، وبدأ الأمر بتنظيم الطلبات وتجهيزها للشحن وإرسالها بنفسيهما. حيث تركز القصة عادة على مقدار المعاناة والجهد والجد الذي قدمه بيزوس ليتمكن من بناء شركته التي انتقلت إلى النجاح الهائل بعدها. حيث تفترض القصة كما العديد من القصص المشابهة أن العمل الدؤوب وحده كافٍ لتفتيت الصعاب وتحقيق النجاح.
لكن هناك جزء من القصة عادة ما يغيب بشكل كامل عند روايتها، ربما لأن هذا الجزء يسلط الضوء على عامل آخر هام للنجاح مما قد يقلل من أهمية العمل الجاد، أو لأن هذا الجزء تأخر كثيراً في الواقع ولم يكشف عنه حتى عام 2018.
الجزء المفقود هو أن عمل بيزوس لم يكن مبنياً على جهده واجتهاده فقط، بل أن شركته تلقت في السنة الأولى من تأسيسها استثماراً كبيراً بقيمة 245 ألف دولار أمريكي من والدي بيزوس لمساعدته على توسيع عمله والانطلاق به. وبالنظر إلى تاريخ الشركة فقد كان تأثير هذا الاستثمار الأولي هائلاً، حيث لم تبدأ نجاحات الشركة وتوسعها الحقيقي إلا بعد هذا التمويل.
بالطبع لا يمكننا أن ننظر إلى الماضي اليوم ونقول أن الاستثمار كان العامل الوحيد في نجاح الشركة، لكن دون هذا الاستثمار الأولي فالأرجح ان الشركة لم تكن لتنجح أصلاً، أو أن نجاحها الأولي كان سيتعرض للاستغلال من شركة أكبر تحاكي مبدأ عملها وتتفوق عليها.
اقرأ أيضاً: إنفوجرافيك: ما هي الشركات التي يملكها جيف بيزوس؟
مصير استثمار والدي جيف بيزوس
وفق التقديرات اليوم، فالأرجح أن والدي الملياردير الشهير يمتلكان حوالي 16 مليون سهم في الشركة العملاقة، ووفق السعر الحالي للأسهم سيساوي ذلك قرابة 50 مليار دولار أمريكي، أي أن الاستثمار الأولي قد نما بنسبة أكبر من 200,000% عبر 25 عاماً مما جعل والدي بيزوس من أثرى الأشخاص في العالم اليوم.
بالطبع سيظهر استثمار والدي بيزوس اليوم كواحد من أنجح القرارات الاستثمارية في التاريخ، فنسبة نمو هائلة كهذه تبدو شبه مستحيلة. لكن السنوات الأولى من العمل لم تكن كذلك، ومع أن والدي بيزوس وثقا كفاية بمشروعه لاستثمار مالهما ضمنه، فالمشروع لم يكن مضموناً بل أنه واحد من أكبر المخاطرات الممكنة.
باختصار لم يكن هناك مكان حقيقي ومثبت للتجارة الإلكترونية في التسعينيات، والدليل على ذلك ربما هو أن العديد من الشركات التي ظهرت في المجال خلال التسعينيات لم تصمد أمام انفجار فقاعة دوت كوم عام 2001، وحتى شركة Amazon التي نجت من الفقاعة خسرت الكثير حينها، إذ تحطم سعر سهم الشركة من أكثر من 100 دولار للسهم نهاية عام 1999 إلى حوالي 6 دولارات فقط مع نهاية عام 2001.
كان الاستثمار في Amazon خلال التسعينيات وحتى مطلع الألفية حالة مثالية للاستثمار المخاطر الذي يقوم به العديد من المستثمرين في الشركات التي تراهن على المستقبل، وبينما فشلت العديد من المشاريع الأخرى كانت قصة Amazon حتى اليوم قصة نجاح مبهر قل مثيله.
اقرأ أيضاً: من إيلون ماسك حتى جيف بيزوس، من أين جمع أثرياء التقنية أموالهم؟
المشاريع الناشئة والاستثمار في المنطقة العربية
عند النظر إلى المنطقة العربية ومقارنتها بالقارة الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون هناك فرق هائل وملحوظ في قصص نجاحات الشركات الناشئة، فمقابل كل شركة عربية نشأت بفكرة أساسية فقط ونجحت بعدها هناك عشرات إن لم يكن مئات مقابلها في أوروبا أو الولايات المتحدة، ومع أن البعض قد يظن أن الأمر هو مجرد اختلاف ثقافات مثلاً فالواقع هو أن المنطقة العربية غنية بالأفكار التي من الممكن أن تصنع مشاريع ناجحة جداً، والفرق الحقيقي الوحيد ربما هو الاستثمار.
حتى فترة قريبة كانت الشركات والمشاريع العربية تأتي من رجال أعمال كبار ورثوا رأس مال كبير وقاموا بتكبيره عبر المشاريع المختلفة، وقلما تجد قصصاً عن أشخاص عاديين حققوا ثراءً هائلاً وامتلكوا مشاريع كبرى دون أن يكون لهم إرث ضخم أو ملكيات كبيرة سابقاً.
لحسن الحظ فالأمور في تغير مؤخراً، فقد باتت ثقافة الاستثمار أكثر انتشاراً مؤخراً مع العديد من الشركات الاستثمارية في المنطقة العربية وبالأخص في الإمارات والسعودية التان تتصدران قوائم أهم الأسواق الاستثمارية في المنطقة. وهذا الاتجاه الجديد يبدو مبشراً للغاية وبالأخص ضمن مخططات البلدان الخليجية للانتقال إلى اقتصادات أكثر تنوعاً بدل الاعتماد السابق على صادرات النفط والغاز الطبيعي كمحرك أساسي للاستثمار.
في الماضي لطالما كان غياب الاستثمارات وبالأخص المحلية مشكلة كبرى للمشاريع الناشئة في المنطقة العربية، لكن مع تزايد معدلات هذه الاستثمارات وتوافر رأس المال والقدرة الشرائية (في منطقة الخليج العربي على الأقل) فمن الممكن أن تتحول المنطقة إلى مكان مصدّر للمشاريع الناشئة والأفكار الخلاقة، فمجال الإبداع غير محدود، ومعظم المشاريع شديدة النجاح التي نراها اليوم بدأت بأفكار لا يتوقع أحد نموها في الماضي، لكن مع العمل الجاد ومقدار صحي من الاستثمارات تمكنت من الانطلاق للأمام وكسب المليارات.