هل يمكن للبطاريات أن تحل المعضلة الأزلية للطاقة المتجددة؟

Ali Wadi Hasan

على مدى العقود القليلة الماضية، شهدت الطاقة المتجددة – وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح – مرحلة نمو سريعة جداً. فما كان يُعد أمراً مستبعداً في العقد الأول من الألفية أصبح اليوم واقعاً، إذ تستحوذ قطاعات الطاقة الشمسية والرياح على حصة متزايدة من سوق الطاقة. ففي دولة الإمارات الغنية بالنفط مثلاً، شكّلت الطاقة النظيفة 28% من إجمالي توليد الكهرباء في عام 2023، منها 8.5% من طاقتي الشمس والريح. أما في أوروبا، فالنسب أعلى بكثير، حيث بلغت مساهمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح 34.7% في المملكة المتحدة، و43.1% في ألمانيا، و69.5% في الدنمارك، وفقاً لبيانات Enerdata.

مع ذلك، يواجه نمو الطاقة المتجددة تحدياً مستمراً: فالطاقة الشمسية متاحة فقط خلال ساعات النهار، كما أن أنماط الرياح يصعب التنبؤ بها. ورغم المزايا الكبيرة لهذه المصادر، فإنها تبقى غير مستقرة بما يكفي لتغطية شبكات الكهرباء الممتدة في دول وأقاليم كبيرة. لكن حلاً جديداً بدأ يظهر اليوم: بطاريات ضخمة بحجم حاويات السفن.

خلال موجة الحر القياسية التي شهدتها ولاية كاليفورنيا في صيف 2025، وفّرت أنظمة تخزين البطاريات أكثر من 25% من كهرباء الولاية خلال ساعات الذروة المسائية، وهي المرة الأولى منذ سنوات التي لم تصدر فيها أي تنبيهات للحفاظ على الطاقة على مستوى الولاية. ومع تراجع الاعتماد على الغاز وتوسع الطاقة المتجددة، تحوّلت هذه البطاريات من مجرد أدوات احتياطية إلى العمود الفقري لاستقرار الشبكة الكهربائية.

لتقدير تأثير هذه البطاريات، يمكن العودة إلى أغسطس 2020 حين اجتاحت موجة حر شديدة كاليفورنيا، ما تسبب في انهيار شبكة الكهرباء تحت الضغط غير المسبوق. ومع تشغيل أجهزة التكييف بلا توقف وارتفاع الطلب، اضطر مشغلو الشبكة إلى فرض انقطاعات دورية، للمرة الأولى منذ نحو عشرين عاماً، مما ترك أكثر من 800 ألف منزل بلا كهرباء لساعات. وقد كشفت تلك الحادثة ضعفاً جوهرياً: الاعتماد على مصادر متقطعة دون وجود سعة تخزين كافية لتحقيق التوازن في الإمداد.

شكلت تلك الأزمة إنذاراً قاد إلى تسارع كبير في تطوير البنية التحتية للطاقة. فخلال خمس سنوات فقط، ارتفعت قدرة كاليفورنيا على تخزين الكهرباء بالبطاريات بنسبة تفوق 3000% – من نحو 500 ميجا واط في عام 2020 إلى نحو 15,700 ميجا واط منتصف عام 2025 – مما غيّر طريقة إدارة العرض والطلب في الشبكة. وتعمل شبكات البطاريات القائمة على تقنية الليثيوم-أيون الآن على تخزين فائض الطاقة الشمسية نهاراً وإطلاقها ليلاً عندما يرتفع الاستهلاك والأسعار.

لا تقتصر هذه الظاهرة على كاليفورنيا، إذ تعكس موجة عالمية من نشر أنظمة البطاريات التي تُعيد تشكيل أنظمة الطاقة حول العالم. وتشير توقعاتBloombergNEF إلى أن نمو قدرات تخزين البطاريات الجديدة عالمياً ستصل إلى 100 جيجا واط بحلول عام 2025، وستتضاعف أكثر في عام 2026 مع استمرار انخفاض التكاليف.

تقود الصين هذا التوجه، إذ أفاد «تحالف تخزين الطاقة الصيني» بأن البلاد ستتجاوز 100 جيجا واط من قدرات التخزين الإجمالية للطاقة بحلول عام 2025 – أي أكثر من ضعف إنتاجها في العام السابق. ويمثّل ذلك نقطة تحول مهمة، إذ من المتوقع أن تتفوّق بطاريات الليثيوم-أيون للمرة الأولى على محطات الضخ المائي، لتصبح عنصراً رئيسياً في إدارة فائض الطاقة المتجددة على الشبكات الإقليمية الواسعة.

بحسب مؤسسة S&P Global، من المتوقع أن تنمو قدرة تخزين البطاريات على نطاق الشبكات في الولايات المتحدة بمقدار خمسة أضعاف لتصل إلى 204 جيجا واط بحلول عام 2040، مع توسع المرافق في إضافة مزيد من الطاقة الشمسية والرياح. وفي عام 2025 وحده، ارتفعت القدرة بنسبة 63%. كما تستثمر كل من دول الاتحاد الأوروبي، وأستراليا، والأسواق الناشئة في الشرق الأوسط، وأمريكا الجنوبية، وجنوب شرق آسيا بشكل كبير في مشاريع التخزين واسعة النطاق لبناء أنظمة طاقة مرنة وسريعة الاستجابة.

يركز جزء كبير من هذا السباق العالمي على شركتي تسلا الأمريكية وBYD الصينية، وهما من أبرز اللاعبين في صناعة البطاريات. فبطاريات تسلا الأسطوانية عالية الكثافة من طراز 4680 والمصنّعة بتقنية النيكل-المنغنيز-الكوبالت، تهدف إلى توفير مدى أطول وسرعة شحن أعلى لكنها تحتاج إلى أنظمة تبريد معقدة للتحكم في الحرارة. أما بطارية BYD «Blade» فتستخدم كيمياء فوسفات الحديد والليثيوم (LFP) في تصميم مستطيل طويل يركّز على الكلفة المنخفضة، والسلامة، والاستقرار الحراري أكثر من الكثافة الطاقية القصوى. ويساعد تصميمها على توزيع الحرارة بشكل متساوٍ، ما يقلل خطر الحرائق وتكاليف الصيانة، بينما توفّر تقنية تسلا أداءً أعلى للأنظمة الفاخرة. ويشير المحللون إلى أن سلسلة التوريد المتكاملة لشركة BYD وميزة التكلفة المنخفضة التي تبلغ نحو 10 دولارات لكل كيلو واط/ساعة تمنحها أفضلية في مشاريع الشبكات، في حين تواصل تسلا التفوق في السرعة والكفاءة.

تقدّم البطاريات الحديثة اليوم أكثر من مجرد طاقة احتياطية، فهي تدر أرباحاً من خلال استقرار الشبكات، وتنظيم التردد، والمضاربة في الأسعار. إذ يشتري مشغلو منشآت التخزين الكهرباء المتجددة الفائضة – بأسعار سلبية أحياناً – ويبيعونها مجدداً خلال ذروة الطلب للمحافظة على استقرار الشبكة وتحقيق الجدوى الاقتصادية للطاقة النظيفة. ففي إسبانيا، انخفضت أسعار الجملة إلى ما دون الصفر لأكثر من 500 ساعة خلال عام 2025 بسبب فائض الإنتاج من الطاقة الشمسية. ومع ذلك، لا يزال المطورون يواجهون تحديات مثل اختلاف القوانين بين المناطق وازدواجية الرسوم الجمركية في بعض الأسواق.

رغم هذه العقبات، يشهد العالم تحولاً أوسع: إذ أصبحت أنظمة تخزين الطاقة العنصر المحوري الذي تُبنى حوله شبكات الطاقة المتجددة. ووفقاً لتقرير صادر في يوليو 2025 عن لجنة تحولات الطاقة، يمكن للدول الواقعة ضمن «حزام الشمس» مثل الهند والمكسيك ومعظم بلدان الشرق الأوسط – حيث تكون إنتاجية الطاقة الشمسية قابلة للتوقع نسبياً – أن تلبي تقريباً كل احتياجاتها من توازن الشبكة باستخدام البطاريات وحدها. أما الدول التي تعتمد بشكل كبير على طاقة الرياح مثل ألمانيا والمملكة المتحدة، فستحتاج إلى حلول هجينة تجمع بين البطاريات، والطاقة المائية بالضخ، والهواء المضغوط، والهيدروجين لضمان الاستقرار خلال فترات نقص الطاقة الممتدة.

الملخص - أخبار منتقاة من المنطقة كل أسبوع
تبقيك نشرة مينا تك البريدية الأسبوعية على اطلاع بأهم مستجدات التقنية والأعمال في المنطقة والعالم.
عبر تسجيلك، أنت تؤكد أن عمرك يزيد عن 18 عاماً وتوافق على تلقي النشرات البريدية والمحتوى الترويجي، كما توافق على شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية الخاصة بنا. يمكنك إلغاء اشتراكك في أي وقت.
اقرأ أيضاً
مينا تك – أكبر منصة إعلامية باللغة العربية متخصصة في التكنولوجيا والأعمال
مينا تك – أكبر منصة إعلامية باللغة العربية متخصصة في التكنولوجيا والأعمال
حقوق النشر © 2025 مينا تك. جميع الحقوق محفوظة.