ما بعد السحابة: مراكز البيانات تنطلق نحو الفضاء
بعد بنائها على اليابسة وغمرها تحت الماء، يبدو أن الاتجاه التالي لمراكز البيانات سيكون نحو الفضاء، وفقاً لشركة ناشئة أمريكية طموحة تُدعى Starcloud (كانت تعرف باسم Lumen Orbit سابقاً). حيث تخطط الشركة لإطلاق أول مركز بيانات مداري حول الأرض بحلول عام 2026 إذا سارت الأمور كما هو مخطط.
تقوم الفكرة على إطلاق قمر صناعي صغير يزن 60 كيلوغرام إلى المدار، مزوداً بمعالجات رسوميات ومسرعات ذكاء اصطناعي من نوع Nvidia H100. وتقول الشركة إن هذه الخطوة قد تمثل إنجازاً كبيراً في مجال الحوسبة، وقد تسهم في تلبية الطلب المتزايد على مراكز البيانات الأرضية.
بالطبع، لا يخلو الفضاء اليوم من قدرات الحوسبة، لكن هذه الخطوة سترفع مستوى الأداء بشكل غير مسبوق. وتؤكد Nvidia أن الوحدة، والتي تقارب حجم ثلاجة صغيرة تقريباً، ستوفر أداءً رسومياً يفوق بمئة مرة أي نظام حوسبة فضائي سابق.
قد تبدو الفكرة غريبة، لكنها تحمل العديد من المزايا التي ربما تجعلها متفوقة على مراكز البيانات المبنية على الأرض. أبرز هذه الميزات هو القدرة على الاستفادة المستمرة وغير المحدودة من الطاقة الشمسية المتجددة. ففي الفضاء لا يوجد غلاف جوي، ولا غيوم، ولا غبار تقريباً، مما يسمح بامتصاص أعلى لضوء الشمس دون الحاجة إلى تنظيف الألواح أو صيانتها.
ميزة أخرى هي التبريد. فبينما تستهلك مراكز البيانات على الأرض كميات هائلة من المياه والطاقة للبقاء ضمن مجال درجات الحرارة التشغيلية المناسبة، يمكن في الفضاء تبديد الحرارة الزائدة على شكل إشعاع تحت الأحمر، حيث يعمل الفراغ كوسيط تبريد ضخم وطبيعي.
مع ذلك، لا تخلو الفكرة من التحديات. أبرزها التكلفة الباهظة لإطلاق المعدات إلى الفضاء، خصوصاً المكونات الثقيلة مثل الخوادم. إذ يبلغ متوسط تكلفة إرسال كيلوغرام واحد إلى المدار نحو 1000 دولار، بينما يزن رفّ خوادم واحد بين 15 و25 كيلوغراماً، ما يعني أن التكاليف تتراكم بسرعة عندما نفكر بالأحجام المعتادة لمراكز البيانات.
رغم ذلك، تبقى Starcloud متفائلة. فهي ترى أن مراكز البيانات المدارية ستكون مجدية اقتصادياً على المدى الطويل، نظراً لانخفاض تكاليف التشغيل في الفضاء. كما أن طموح الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، فيليب جونستون، يبدو أكبر حتى، إذ قال في تصريح جريء: «خلال عشر سنوات، ستُبنى جميع مراكز البيانات الجديدة تقريباً في الفضاء الخارجي.»
تشمل خطط الشركة أيضاً جوانب الاستدامة البيئية، إذ يقول جونستون: «ستأتي الكلفة البيئية الوحيدة من الإطلاق الأولي، وبعد ذلك ستنتج هذه المرافق انبعاثات كربونية أقل بعشرات المرات من نظيراتها الأرضية.»
بما أن مراكز البيانات المدارية لا تمتلك فاتورة استهلاك للطاقة، فقد لا تحتاج إلى ترقيات مستمرة للبقاء في المنافسة، إذ يمكنها العمل لفترات أطول باستخدام شرائح قديمة نسبياً. لكن الترقية ليست المشكلة الوحيدة، فالمكونات قد تتعطل مع مرور الوقت، والصيانة في الفضاء شبه مستحيلة.
تعيد هذه الفكرة إلى الأذهان مشروع Project Natick الذي عملت عليه مايكروسوفت وتضمن تشغيل خوادم تحت الماء لسنوات قبل إنهائه. وفيما كان المشروع اختبارياً وغير مصمم للعمل للأبد، فقد أظهر العديد من نقاط الضعف لبناء مراكز البيانات في أماكن بعيدة ومعزولة. حيث إن البعد يعني أن الصيانة صعبة، أو شبه مستحيلة في حالة مراكز البيانات الفضائية، كما أن الاتصال سيكون أسوأ دائماً مما هو متوفر لمراكز البيانات التقليدية.
عموماً، تواجه فكرة الحوسبة في الفضاء أخطار أخرى كذلك، فهي معرضة للضرر من العواصف الشمسية، أو الاصطدام بالحطام الفضائي، أو حتى التهديدات من الدول المعادية. لكن ومع ذلك، يبقى مروجو الفكرة متفائلين بشدة، إذ يدركون أن إثبات الجدوى الاقتصادية لهذه المراكز سيتطلب وقتاً، لكنهم يؤمنون بأن الفوائد المجنية ستفوق التحديات المفروضة.




![آنا باولا أسيس، النائب الأول للرئيس ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وأسواق النمو في شركة IBM [اليمين] وتانوجا رانديري، نائب رئيس شركة أمازون ويب سيرفيسز في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا [اليسار]](https://s3.eu-west-1.amazonaws.com/cdn.menatech.net/wp-content/uploads/2025/10/IBM_AWS-768x614.jpg)

















