الذكاء الاصطناعي يغري بعض السذج لادعاء حل شيفرة منحوتة أمام مقر CIA، والنحات ضاق ذرعاً بالأمر

⬤ تلقى النحات جيم سانبورن سيلاً من الادعاءات الزائفة بحل اللغز الأخير لمنحوتة Kryptos عبر الذكاء الاصطناعي.
⬤ تعرف المنحوتة الموجودة أمام مقر وكالة الاستخبارات الأمريكية باستمرارها دون حل منذ عقود.
⬤ يؤكد سانبورن أن الحل الحقيقي سيظل مجهولاً في حياته، مندداً بالثقة العمياء بمخرجات الذكاء الاصطناعي المضللة.
بالقرب من مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، في لانغلي بولاية فيرجينيا، تقف منحوتة Kryptos الفريدة من نوعها، والتي أُزيح عنها الستار منذ عام 1990 وتضم أربعة ألغاز مشفرة، مشغولة بأيدي النحات جيم سانبورن، والذي قدم أعمالاً فنية لمؤسسات مرموقة أخرى في الولايات المتحدة.
حتى تاريخه، تمكن الباحثون من حل ثلاثة من ألغاز Kryptos، بينما ظل اللغز الأخير عصياً على الحل طوال 35 عاماً. واليوم يبدو وأن سانبورن أصابه السأم، ليس من تعذر حل القسم الأخير من أحجيته المميزة، إنما بسبب التهافت المريب من الأذكياء حديثي العهد والنعمة، مدعي الحل والعبقرية.
وفقاً لما أورده تقرير نشرته مجلة Wired مؤخراً، يجد سانبورن، نفسه اليوم غارقاً في سيل من الرسائل من أشخاص يزعمون أنهم فكوا شفرة اللوحة الرابعة K4، والتي عمد إلى ترميزها بأساليب أكثر تعقيداً. لكن المشكلة ليست في اهتمام خبراء التشفير أو الباحثين المتخصصين الذين يحاولون حل اللغز منذ عقود، بل في أن هؤلاء المدعين هم مجرد أناس أدخلوا الشفرة في إحدى أدوات المحادثة بالذكاء الاصطناعي، وصدقوا الإجابة التي حصلوا عليها بثقة مفرطة دون تمحيص.
لقد باتت الزيادة الكبيرة في عدد الحلول المرسلة أمراً يقض مضجع ذي التسعة والسبعين عاماً من العمر، والذي استقبل على مدى العقود الثلاثة والنصف الماضية عدداً هائلاً من المحاولات لدرجة أنه اضطر إلى فرض رسوم قدرها 50 دولاراً لمراجعة أي حل، في محاولة لفرز الجادين عن مدعي المعرفة.
يشير سانبورن إلى أن طبيعة الرسائل تغيرت على نحو صارخ إذ إن «أولئك الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي مقتنعون تماماً أنهم تمكنوا من فك شفرة Kryptos أثناء تناولهم وجبة الإفطار،» منتقداً ثقتهم الساذجة بنجاح محاولاتهم. ولا يستبعد الرجل تعليق عملية التحقق من الحلول نظراً للعدد الهائل من المحاولات غير الجدية، وقد اتخذ قراره النهائي، بأن لن يُكشف الحل الحقيقي للجزء الرابع في حياته أبداً.
فيما يلي بعض النماذج من الرسائل التي تلقاها سانبورن مؤخراً:
«أنا مجرد محارب قديم… فككت الشيفرة في أيام باستخدام Grok 3.»
«ما فشلت فيه وكالة الأمن القومي طوال 35 عاماً، استطعت إنجازه خلال 3 ساعات فقط قبل أن أرتشف قهوتي الصباحية.»
«تمت إعادة كتابة التاريخ… بلا أخطاء، تم حل الشفرة بنسبة 100%.»
بالنظر إلى طبيعة هذه الادعاءات، لا يجد المرء صعوبة في التعرف على هذا النمط من الأشخاص، خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما على X، حيث ينتشر أولئك الذين يرددون عبارات مثل «فقط اسأل Grok» أو ينشرون لقطات شاشة لإجابات ChatGPT وكأنها مصدر موثوق للحقيقة المطلقة.
لكن، حتى لو نجح أحدهم، نظرياً، في فك شفرة سانبورن باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهو ما ينفيه النحات بشدة، مؤكداً أن أحداً لم يقترب حتى من الحل الصحيح، يبقى السؤال: ما الذي يجعل شخصاً يشعر بهذه النشوة لمجرد أنه طلب من آلة أن تقوم بالعمل بدلاً عنه؟ الأمر أشبه بتقليب كتاب الرياضيات إلى الصفحة الأخيرة للعثور على الإجابة، باستثناء أن «الكتاب» في هذه الحالة قد يكون مجرد هلوسة ذكاء اصطناعي!
هذه الظاهرة ليست بالجديدة، بل تؤكدها دراسات علمية. فقد نُشرت دراسة العام الماضي في مجلة Computers in Human Behavior كشفت أن الأشخاص الذين يعرفون أن النصيحة التي تلقوها جاءت من الذكاء الاصطناعي يميلون إلى الاعتماد عليها بشكل مفرط، لدرجة أنهم قد يتجاهلون معلومات سياقية متعارضة، بل وقد يصل بهم الأمر لاتخاذ قرارات تتناقض مع مصالحهم الشخصية. والأسوأ من ذلك أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤثر سلباً على التفاعل بين البشر أنفسهم، ولربما يكون السبب ببساطة هو ذلك الشعور المضلل بالإنجاز.