بعد كنز الكتب والمواقع الإلكترونية، موسوعة «بريتانيكا» تخطو بثقة في عالم الذكاء الاصطناعي

⬤ تدخل موسوعة بريتانيكا مجال الذكاء الاصطناعي بخطى واستثمارات راسخة لتكريس انتقالها نحو الجيل التالي من وسائط المعرفة.

⬤ حققت الشركة نتائج مالية جيدة بفضل طيف منتجاتها وخدماتها الرقمية الفريدة، وسط حديث عن طرح عام أولي للأسهم بقيمة مليار دولار.

⬤ تأسست الموسوعة عام 1768 في اسكتلندا، وتوقفت إصداراتها المطبوعة في 2012، وتجذب مواقعها أكثر من سبعة مليارات زيارة سنوياً.

على مدار ما يقرب من 250 عاماً، جسدت موسوعة بريتانيكا مجموعة فريدة من المجلدات الفاخرة المزخرفة، التي لم يكن امتلاكها مجرد مصدر للمعرفة، بل دليلاً على تقدير أصحابها للثقافة والعلوم.

مع تقدم عصر الإنترنت، كان متوقعاً أن تندثر مثل هذه الوسائط التقليدية. وجاء الإعلان عن إيقاف النسخة المطبوعة من الموسوعة عام 2012 ليعزز هذه التوقعات. وبرزت التساؤلات عما إذا كانت بريتانيكا قادرة على البقاء أمام هيمنة Wikipedia وأشباهها.

لكن الشركة أثبتت قدرتها على التكيف مع متغيرات العصر الرقمي. وبمسماها الجديد، Britannica Group، فبجعبتها اليوم مواقع إلكترونية منها Britannica.com، والقاموس الشهير Merriam-Webster. مع أداوت تعليمية للمدارس والمكتبات، بالإضافة إلى برمجيات ذكاء اصطناعي مستخدمة في تطوير تطبيقات مثل روبوتات المحادثة لخدمة العملاء وأنظمة استقاء البيانات.

بعيداً عن مجرد البقاء، حققت الشركة نجاحاً مالياً لافتاً بتسجيلها هوامش ربح تشغيلية تصل إلى نحو 45%، وفقاً لما أفاد به خورخي كاوز، الرئيس التنفيذي للشركة، لصحيفة The New York Times.

فضلاً عن ذلك، تدرس الشركة حالياً خيار الطرح العام الأولي للأسهم، والذي من شأنه أن يمنحها تقييماً يصل إلى مليار دولار أمريكي، وفقاً لمصدر ذي اطلاع على هذه المداولات. وفي ذلك فرصة كبيرة لمالك الشركة، الممول السويسري سوري الأصل، يعقوب إيلي صفرا، الذي استحوذ على الشركة في عام 1995، وكان قد أشار في إحدى الدعاوى القضائية عام 2022 إلى أن بنكاً استثمارياً قدّر قيمة الشركة حينها بنحو 500 مليون دولار.

اليوم، تُظهر الإحصاءات الأخيرة أن مواقع الشركة تجذب أكثر من سبعة مليارات زيارة سنوياً من مستخدمين في أكثر من 150 دولة حول العالم.

مواضيع مشابهة

لقد تطورت موسوعة بريتانيكا كثيراً منذ تأسيسها في القرن الثامن عشر على يد ثلاثة عمال في الطباعة من اسكتلندا. وكانت رمزاً للمعرفة على مدار عقود. وقد جرى بيع إصدار عام 2010، آخر إصدار مطبوع، بسعر يقارب 1,400 دولار، واشتمل على 32 مجلداً، بوزن نحو 59 كيلو جرام.

لكن ظهور Wikipedia، بمحتواها المجاني ومحرريها المتطوعين، فرض تحدياً كبيراً على نموذج الأعمال التقليدي لدى بريتانيكا. وقد تفاقمت هذه التحديات بعد دراسة نُشرت في عام 2005 أشارت إلى أن دقة المعلومات في الموسوعتين كانت متقاربة، وهو ما رفضته بريتانيكا بشدة.

بدفع من ذلك، اتخذت الشركة قراراً حاسماً بإنهاء المنتج الذي شكل هويتها لأكثر من قرنين، وتحويل مواردها إلى المنتجات الرقمية التي تتماشى مع متطلبات العصر. وبحلول الوقت الذي توقفت فيه عن الطباعة، كانت الشركة قد خطت خطوات كبيرة بالفعل في تطوير مواقعها وبرامجها التعليمية.

اليوم، ترى Britannica Group فرصة هائلة في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي التي بدأت في استكشافها منذ عقود، وفقاً لخورخي كاوز. ففي عام 2000، استحوذت على شركة Melingo المتخصصة في برمجيات وكلاء الذكاء الاصطناعي، وذات الخبرة في مجالي معالجة اللغات الطبيعية والتعلم الآلي. وتعمل الشركة اليوم من خلال فريقين تقنيين، أحدهما في أمريكا الشمالية والآخر في الشرق الأوسط.

لقد أسهم النجاح الكبير الذي حققته أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT في تحفيز بريتانيكا على زيادة استثماراتها في هذا المجال الواعد. وتستخدم الشركة الذكاء الاصطناعي الآن في عمليات إنشاء المحتوى، والتحقق من صحة المعلومات، وترجمة المواد لمختلف منتجاتها، بما في ذلك موسوعتها الإلكترونية.

بالحديث عن أحدث ابتكاراتها، طورت الشركة روبوت محادثة خاصاً بالاعتماد على قاعدة بيانات موسوعتها الإلكترونية، ما يجنبه الوقوع في فخ «الهلوسة التقنية» كما هو الحال مع ChatGPT وGemini وغيرها من الأدوات القائمة على نماذج مدربة على ما هب ودب من محتوى الإنترنت ككل، الصالح منه والطالح.

في رصيد الشركة العديد من المشاريع المستقبلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، ومنها تطوير برنامج لتعليم اللغة الإنجليزية باستخدام شخصيات افتراضية مع تخصيص الدروس حسب احتياجات كل طالب، إضافة إلى أداة لمساعدة المعلمين في إعداد الخطط الدرسية، فضلاً عن قاموس جديد لموقع Merriam-Webster قادر على تحليل العبارات وليس الكلمات فقط.

استفادت بريتانيكا من زيادة الاعتماد على البرمجيات التعليمية، خاصة بعد تجربة التعلم الافتراضي واسعة النطاق التي فرضتها جائحة كورونا. وتشير البيانات إلى أن الشركة في طريقها لمضاعفة إيراداتها مقارنة بما حققته قبل عامين، حيث بلغت حينها حوالي 100 مليون دولار.

مع دأبها على توسيع انتشارها وحضورها عالمياً، فإن السؤال الأهم يتعلق بتوقيت تحويل إنجازات الشركة إلى حدث كبير في السوق المالي بطرح عام أولي للأسهم. والذي يبدو وأنه دخل طور الإعداد والدراسة في الوقت الراهن، لكن توقيت العملية غير محسوم بعد، في ظل أنباء تتحدث عن ترتيبات داخلية قائمة تمهيداً لذلك.

شارك المحتوى |
close icon