مقال ضيف بقلم مارتن تريكو (Martin Tricaud)، رئيس الاستثمار المصرفي في بنك أبو ظبي الأول (FAB).
أكدت قمة الأمم المتحدة للمناخ (COP27) هذا العام على الحاجة الملحة للتعامل مع الأزمات البيئية التي تواجه كوكبنا، إضافة إلى ضرورة تطبيق حلول عملية لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري العالمي بحلول عام 2050. وخلال أيام القمة الأولى، واصلت الحكومات والهيئات والشركات المختلفة تقديم تعهدات وخطط ملموسة لحماية المستقبل. لكن تتطلب مهمة بهذا الحجم الكثير من الموارد والالتزامات والابتكار من مجموعات كبيرة من المساهمين في عالم الشركات والأعمال. فهذه المهمة تتطلب التعاون والاتحاد بدلاً من المنافسة.
من الواضح أن تغير المناخ ليس تحدياً علمياً فحسب، بل هو أيضاً تحدٍ اقتصادي. وإذا كنا جادين بالالتزام باتفاق باريس للمناخ والحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، سنحتاج إلى تحول اقتصادي هائل.
ستحتاج جميع الأنظمة المسؤولة عن الانبعاثات العالمية، مثل قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والبناء والزراعة وإنشاء الغابات والنفايات، إلى التحول جذرياً للوصول إلى صافي انبعاثات صفري. وفي سبيل ذلك، سيلعب أكبر اللاعبين الماليين في العالم دوراً تمكينياً عميقاً للمساعدة على تمويل التحول نحو النمو المستدام وقليل الانبعاثات.
في بنك أبو ظبي الأول (FAB)، نحن نؤدي دورنا ونلتزم بإقراض واستثمار وتسهيل 75 مليار دولار نحو التمويل المستدام بحلول عام 2030. وقبل حوالي عام، أصبح بنك أبو ظبي الأول هو أول بنك في الإمارات والخليج العربي ينضم إلى تحالف المؤسسات المصرفية نحو صافي الانبعاثات الصفري (NZBA)، وبذلك التزمنا بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050.
يعد التمويل المستدام وسيلة لتمويل الاستثمارات مع مراعاة عوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) لنشاط أو مشروع اقتصادي ما. وقد سهل بنك أبو ظبي الأول هذا العام أكثر من 5.5 مليار دولار من التمويل المستدام المُصمم خصيصاً لتحقيق غد أفضل.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك قطاع النقل، حيث قدم بنك أبو ظبي الأول الدعم لشبكة الاتحاد للقطارات بتمويل قدره 1.99 مليار درهم إماراتي لتطوير مشروع قطارات في الإمارات. وعند انتهاء المشروع، ستكون شبكة الاتحاد للقطارات أكبر نظام للنقل البري في الإمارات العربية المتحدة، ومن المتوقع أن تقلل من انبعاثات الطرق بنسبة تصل إلى 70-80%، بالإضافة إلى توفير أكثر من 9 آلاف وظيفة في الدولة.
في مجالات أخرى، قمنا بتنظيم التمويل الأخضر لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة مثل مشاريع توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبناء المباني الموفرة للطاقة، وتطوير البنية التحتية لإدارة المياه المستدامة. وتشمل بعض المشاريع البارزة السند الأخضر الذي طرحته شركة سويحان للطاقة الكهروضوئية، حيث ساعد بنك أبو ظبي الأول المشروع كمنسق دولي مشارك ومنسق لطلبات المستثمرين. كما عمل بنك أبو ظبي الأول بشكل وثيق مع شركة مصدر وشركة الاتحاد لائتمان الصادرات وغيرها من مؤسسات التمويل الإنمائي لتمويل مشروع طاقة الرياح في أوزبكستان بنجاح.
بالإضافة إلى تمويل هذه المشاريع وفقاً لمبدأ “استخدام العائدات”، عمل بنك أبو ظبي الأول بشكل أساسي على هيكلة وتقديم المشورة حول القروض المرتبطة بالاستدامة لبعض العملاء، وهذا بربطها مع مؤشرات الأداء الرئيسية، مع أهداف أداء دورية للاستدامة وشروط تجارية مناسبة، مما يحفز العميل على تحقيق أهدافهم للاستدامة على مدى فترة التمويل.
ومع استمرار الحكومات والشركات في الانتقال نحو تحقيق صافي الانبعاثات الصفري، ستكون هناك حاجة متساوية إلى الاستثمار الوفير في البنية التحتية والتكنولوجيا المبتكرة. ويعد استغلال الهيدروجين مثالاً ممتازاً على ذلك؛ حيث يمكن للاستثمارات الذكية أن تستغل الهيدروجين لإكمال التقنيات الأخرى مثل الطاقة المتجددة، أو الوقود الحيوي، أو تحسينات كفاءة الطاقة خاصة عبر القطاعات كثيفة الكربون مثل الصناعات الثقيلة والملاحية والجوية. ومع التركيز على استخدام الهيدروجين الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعتزم بنك أبو ظبي الأول أن يؤدي دوراً رائداً في تسهيل تمويل مثل هذه المشاريع للمساعدة في دعم تحول الطاقة في المنطقة.
على المدى القريب، أعتقد أن البنوك ستلعب دوراً رئيسياً في تمويل وقود المستقبل والحلول المماثلة باستثمارات تهدف إلى حل التحديات المتعلقة بالإنتاج والتوزيع والعوائق الفنية، ومساعدة هذه الأنواع من الوقود على أن تصبح قابلة للتطوير وقليلة التكاليف.
لكن وبالمقابل، يجب أن نعترف أيضاً بأن المواد الهيدروكربونية ستبقى مطلوبة في المستقبل القريب. وكما أكد معالي الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، هذا العام في معرض أبو ظبي الدولي للبترول (أديبك): “العالم بحاجة إلى مزيد من الطاقة، بأقل انبعاثات ممكنة.” ولتحقيق ذلك، تتخذ الإمارات العربية المتحدة نهجاً عملياً للتعامل مع موضوع الطاقة، وبالمثل، فإننا في بنك أبو ظبي الأول نؤدي دورنا في تسهيل وتسريع الانتقال نحو الطاقة المستدامة.
تعد السندات الخضراء من الأدوات الرئيسية التي يستخدمها بنك أبو ظبي الأول لجمع التمويل، حيث تستخدم الأموال التي يتم جمعها من المستثمرين لتمويل المشاريع ذات الأثر البيئي الإيجابي بشكل حصري. فنحن أول بنك في دول الخليج العربي يصدر سنداً أخضر في عام 2017، ولا نزال رائدين في هذا المجال منذ ذلك الحين، وقد أصدرنا العديد من الطروحات الخاصة منذ ذلك الإصدار الأول.
يعتبر طرح السندات الخضراء والطروحات الخاصة الخضراء جانباً مهماً من استراتيجية الاستدامة التي نتبعها والمشاريع التي نشارك فيها. وإضافة إلى ذلك، ندرك أن جزءاً كبيراً من الاستثمار المستدام يعتمد على مشاركة العملاء. لهذا أطلقنا مؤخراً حسابات جارية وحسابات توفير مستدامة لعملائنا من الشركات والأعمال لتمكينهم من المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة.
حتى الآن، لاقت جهودنا في قطاعنا تقديراً بارزاً، وأحد الدلائل على ذلك هو حصولنا على جائزة أفضل بنك للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في الإمارات من قبل مجلة “يوروموني”. وبينما نتطلع إلى المستقبل، سنواصل قيادة الجهود في سبيل تنمية قطاعنا، ودفع التطورات المؤثرة في العمل المناخي في الأسواق التي نعمل فيها. وفي الوقت نفسه، سنواصل تطوير حلولنا واستراتيجياتنا الاستثمارية لضمان تلبيتها لتوقعات عملائنا وواقع العالم الذي يعيشون فيه.