هل السيارات الكهربائية الشمسية هي مستقبل النقل أم مجرد خيال مضلل؟
“قد لأشهر دون شحن. بشكل نظيف ومريح” هو الوعد الذي تقدمه شركة Lightyear على واجهة موقعها.
يبدو هذا الوعد مغرياً للغاية دون شك، وعليه أن يكون كذلك لسيارة كهربائية تكلف 150 ألف يورو لحجزها مسبقاً. لكن ما مدى دقة ادعاء الشركة؟ وهل يمكن أن تقدم السيارة الشمسية القطعة الناقصة لجعل السيارات الكهربائية عملية أكثر من نظيرتها التقليدية بأن تتزود بالوقود في أي مكان؟
ينمو مجال السيارات الكهربائية بسرعة كبيرة اليوم، وتتوقع Bloomberg أن تتفوق السيارات الكهربائية على السيارات التقليدية بالمبيعات، وأن تشكل ثلث السيارات المستخدمة بالوصول إلى عام 2030، وثلثي السيارات المستخدمة بالوصول إلى عام 2040. واليوم تدعي العديد من الشركات الناشئة أن المستقبل ليس السيارات الكهربائية فحسب، بل السيارات الشمسية.
ادعاءات فضائية
بالنظر إلى صفحات الواجهة الخاصة بشركات السيارات الشمسية مثل Sono Motors وLightyear وSquad Mobility، تبدو السيارات الشمسية وكأنها تقنية محسومة ستلغي الحاجة للشحن أصلاً وتتيح مستوىً عالياً من الحرية للسائقين. حيث أن كلمة سيارة كهربائية توحي بأن هذه السيارات ستكون قادرة على تسيير نفسها بالاعتماد على طاقة الشمس التي تتلقاها فقط.
من حيث المبدأ هناك سيارات شمسية تستطيع الاستمرار بالسير دون الحاجة للشحن طالما أنها تتعرض لأشعة الشمس. لكن هذه السيارات ليست مخصصة للطرقات، بل أنها سيارات مخصصة تبنى لأغراض تنافسية مثل “التحدي الشمسي العالمي”. ويعد وجود هذه السيارات من جهة، والتسويق المضلل للسيارات الشمسية الموعود هو سبب اللغط الحاصل حول آلية عمل السيارات الشمسية.
في الواقع لا تدعي أي من الشركات الحالية أن سياراتها المستقبلية ستتمكن من السير بفعل طاقة الشمس فحسب. وبالنظر إلى التفاصيل تصبح الأمور أوضح.
“الشيطان في التفاصيل”
فلنأخذ سيارة Lightyear One كمثال هنا كونها من الأشد تضليلاً في الواقع. حيث تظهر صفحة الويب الخاصة بالسيارة عبارة “قد لأشهر دون شحن. بشكل نظيف ومريح” في البداية. لكن وحتى بالسحب للأسفل يتجنب المحتوى الترويجي التفاصيل حقاً بل يركز على العبارات الرنانة والادعاءات التي تبدو أفضل من أن تكون حقيقية. حيث تقول الشركة عن السيارة:
سيارة Lightyear One هي مركبة كهربائية شمسية طويلة المدى مصممة لتكون مستقلة عن الشبكة الكهربائية ولأن تقاد إلى أي مكان. لقد تم تطوير معمارية وتقنية المركبة الخاصة بها مع أخذ الكفاءة العالية بعين الاعتبار، مما سمح للسيارة بأن تستهلك 83 واط ساعي لكل كيلومتر – طاقة أقل بمرتين أو ثلاثة من أي سيارة كهربائية في السوق اليوم. يسبب هذا مدى 725 كيلومتر (حسب تقييم WLTP) مع أدنى انبعاثات وأدنى معدل شحن و7,000 حتى 20,000 كيلومتر من المدى الشمسي المجاني والسهل والنظيف كل عام.
لكن مع بعض البحث في الموقع يمكن الوصول إلى جدول الحقائق الخاص بالسيارة، وهناك تظهر الصدمة: تضيف السيارة 12 كيلومتر من المدى في الساعة كحد أقصى. وبأفضل الحالات من حيث الصفاء التام للسماء وكون أشعة الشمس متعامدة مع الأرض وغياب الظلال، ستحصل السيارة على 65 كيلومتر من المدى اليومي.
بالطبع تحاول الشركة إخفاء المدى الأقصى الممكن إضافته خلال ساعة أو يوم كامل في الشمس، لأن أرقاماً مثل 12 كيلومتر في الساعة و65 كيلومتراً في اليوم تكشف أن السيارة ليست “مستقلة عن الشبكة الكهربائية” حقاً كما أنها ليست مثيرة للإعجاب مثل 7 حتى 20 ألف كيلومتر سنوي من المدى الشمسي.
الحدود النظرية للطاقة الشمسية
في كل ساعة، تمطر الشمس سطح الأرض بحوالي 430 كونتليون (واحد بجواره 18 صفراً) جول من الطاقة. بالمقارنة فقد استهلكت كامل البشرية 556 كونتليون جول من الطاقة خلال عام 2020 بأكمله، أي أن الشمس تمنحنا خلال ساعتين طاقة أكثر من كامل الكهرباء التي نستهلكها طوال عام.
مع أن الأرقام السابقة قد تبدو مفائلة، فهي ليست مفيدة بالضرورة، بل ما يهمنا هو مقدار الطاقة التي نتلقاها من الشمس لكل متر مربع. ووفق الدراسات تتلقى الأرض 1413 واط لكل متر مربع في الساعة كحد أقصى. وفي حال استغلال هذه الطاقة بالكامل على سطح بمساحة 7 متر مربع (مساحة سطح الجزء العلوي من سيارة متوسطة إلى كبيرة) فهي قادرة على تسيير سيارة Lightyear One بسرعة 120 كيلومتراً بالساعة بشكل متواصل.
بالطبع تبدو هذه الأرقام ممتازة حقاً، لكن من المهم إدراك أن استغلال كامل هذه الطاقة بشكل حقيقي أمر مستحيل. حيث تضيع قرابة نصف الطاقة الواصلة من الشمس في الغلاف الجوي، كما أن كمية الطاقة الواصلة إلى أي مكان تعتمد على ميل هذه الأشعة، وحتى في الظهيرة من الصعب أن تكون الشمس عمودية خارج المناطق الاستوائية والمدارية. وأخيراً تضاف مشكلة أن موضع الشمس وزاويتها تتغير طوال النهار.
بالمحصلة لا يصل إلى جزء صغير جداً من الطاقة الشمسية إلى الألواح، ومن ثم تضيع معظم هذه الطاقة في الواقع. فحتى أعلى الألواح الشمسية المتاحة تجارياً فعالية لا تستغل سوى 23 بالمئة من الطاقة الواصلة إليها. وحتى في حال رفع الكفاءة إلى 100 بالمئة (وهو أمر خارج الممكن تماماً) سيكون الحصول على أكثر من 30 كيلومتراً من المدى في الساعة أمراً مستحيلاً فعلياً.
إلى أي حد يمكن أن تتحسن السيارات الشمسية؟
هناك عاملان أساسيان مؤثران على مدى فعالية السيارات الشمسية: ما هو الحد الأقصى للطاقة المجموعة من الشمس، وما هو الحد الأدنى الممكن لاستهلاك السيارة للطاقة. وبينما هناك حدود قصوى لا يمكن تجاوزها من حيث كمية الطاقة المجموعة، فالأمور مختلفة من حيث استهلاك الطاقة.
من الممكن تخفيض استهلاك السيارات للطاقة بتخفيف وزنها بطبيعة أو بتقليل سطح تماس عجلاتها مع الطريق (ولو أن ذلك قد يزيد خطر الانزلاق) أو بزيادة كفاءة المحركات الكهربائية المستخدمة للحد الأقصى. لكن تؤثر هذه العوامل بشكل مباشر على تجربة قيادة السيارة مما يعني أن الاعتماد عليها ليس فكرة متاحة دائماً. لكن هناك عامل إضافي يؤثر على استهلاك السيارات للطاقة: معامل السحب الإيروديناميكي.
يعبر معامل السحب عن مقدار مقاومة الهواء (أو سواه من الموائع) لحركة الجسم ضمنه. وكلما تم تخفيض معامل السحب كانت مقاومة الهواء وضياع الطاقة الناتج عنها أقل، مما يعني كفاءة أعلى للسيارة واستهلاكاً أقل للطاقة. وعبر السنوات تم تحقيق إنجازات هامة في هذا المجال، حيث كان معامل السحب لسيارة Ford Model T الصادرة عام 1908 هي 0.79، فيما أن معامل السحب لسيارة مثل Lightyear One هو 0.2 فقط.
يصعب تخمين كم يمكن أن نوفر من الطاقة اللازمة للسيارات الكهربائية بشكل واقعي، لكن الأرجح أننا قريبون للغاية من الحدود القصوى، حيث أن سيارة مثل Lightyear One قد ضحت بالكثير بما يتضمن تسارعها المخيب كونها تحتاج حوالي 10 ثوانٍ للتسارع من 0 إلى 60 ميل بالساعة، فيما تحتاج سيارة Tesla Model S لـ 2.4 ثانية فقط.
هل تمتلك السيارات الشمسية مكاناً في مستقبلنا؟
حتى الآن لا تزال السيارات الشمسية مجرد مخططات أولية ونماذج اختبارية فقط دون أي موديلات متاحة في الأسواق. لذا لا يمكن تأكيد قدرات الشحن المنشورة ولو أنها مخيبة أصلاً. لكن وحتى بافتراض أن هذه الأرقام دقيقة يبقى مستقبل السيارات الكهربائية الشمسية محل شك ومعتمداً على موازنة هامة بين التكلفة الإضافية والتوفير الممكن.
بالنظر إلى أنها لا تضيف سوى مسافات قصيرة للغاية من المدى، تعد التكلفة الإضافية للألواح الشمسية مشكلة حقيقية. ولنأخذ سيارة Lightyear One على سبيل المثال، حيث تحصل السيارة على 65 كيلومتر من المدى الشمسي في اليوم في أفضل الحالات. هذا يعني أن السيارة وبأفضل الحالات تشحن 5.4 كيلوواط ساعي كل يوم، فيما يكلف شراء هذه الطاقة من الشبكة سعراً أدنى بكثير في الواقع.
يكلف 5.4 كيلوواط ساعي حوالي 1.15 دولاراً في أوروبا، و55 سنتاً في الولايات المتحدة، ومجرد 27 سنتاً في السعودية. لذا وبافتراض أن الألواح الشمسية لا تضيف سوى ألف دولار إلى سعر السيارة، فستحتاج قرابة 3 أعوام في أوروبا، وأكثر من 5 سنوات في الولايات المتحدة، وأكثر من 10 سنوات في السعودية لتصبح الألواح مجدية اقتصادياً. وبالنظر إلى أن ألواحاً شمسية مدمجة بالهيكل ستكلف أضعاف المبلغ المفروض، سيكون جعلها اقتصادية مهمة شبه مستحيلة في الواقع.
أخيراً هناك الحجة الأساسية للسيارات الشمسية: وعد الاستقلال عن الشبكة الكهربائية. وهنا يعتمد الأمر على كل سائق، حيث أن السائقين الذين لا يقودون سوى لمسافات قصيرة يومياً مثل 10 حتى 20 كيلومتراً سيجدون وعد الاستقلال عن الشبكة محققاً وفي معظم الحالات سيتمكنون من القيادة لأشهر دون الاعتماد على الشبكة الكهربائية. لكن بالنسبة لمن يحتاجون للقيادة لمسافات طويلة ستكون القصة مختلفة ولن تقدم السيارات الشمسية أي فائدة حقيقية.
بالمجمل، تبدو السيارات الشمسية كتقنية واعدة بشدة على الورق وبالأخص مع الوعود الكبرى المرتبطة بها. لكن من الواضح أن هذه التقنية بعيدة جداً عن الجدوى الاقتصادية كما أن الاستقلالية الموعودة عن الشبكة مبالغ بقيمتها. ومع أننا سنشهد سيارات شمسية في الواقع على الأرجح، ففكرة انتشارها على نطاق واسع مستبعدة إلى حد بعيد.