لماذا يتقاضى رؤساء بعض الشركات راتب 1 دولار سنويًا؟
على مدار السنوات الماضية تصاعد اتجاه جديد بين رؤساء الشركات – خاصة التقنية منها – وهو تقاضي راتب 1 دولار فقط، ونتحدث هنا عن رؤساء كُبرى الشركات، مثل مارك زوكربيرج من فيسبوك، وإيفان سبيجل من سناب شات، وجاد دورسي من تويتر، وحتى لاري بيج قبل أن يرحل عن ألفابت.
لكن قبل أن تبدأ في الفخر والاعتزاز بهؤلاء الأشخاص يجب أن تعلم أولًا إجمالي ما يحصلون عليه من شركاتهم سنويًا غير الراتب النقدي، فالحقيقة أن حصول الرئيس التنفيذي للشركة على راتب 1 دولار لا يعني أنّه يؤثر الآخرين ويريد التضحية براتبه من أجل الموظفين.
وكي نفهم لماذا وصل الراتب لهذا الحد المتدني، يجدر بنا العودة إلى الوقت الذي كان رؤساء الشركات يعتمدون فيه على الراتب كمصدر أساسي للدخل.
كيف بدأ راتب 1 دولار؟
في أوائل الأربعينات من القرن العشرين، كانت أميركا في خضم التخطيط للحفاظ على الاقتصاد خلال الحرب العالمية الثانية، وكان يُتوقع من الجميع المشاركة في دعم الاقتصاد بما في ذلك كبار رؤساء الشركات.
لذلك عرض عدد من كبار رؤساء الشركات خدماتهم على الحكومة مجانًا، ومنهم رئيس جنرال إلكتريك “فيليب ريد” ورئيس جنرال موتورز “ويليام إس كنودسن”، لكن القانون الأميركي كان يمنع توظيف متطوعين بلا أجر، ومن هنا أصبح الراتب دولارًا واحدًا، وأصبحوا معروفين باسم “رجال الدولار في السنة”.
وبعد عقود من هذه القصة، تبنى المفهوم عدد من الرؤساء التنفيذيين في القطاع الخاص في لفتة طيبة للمساهمين، وكان الرائد في هذا الاتجاه الجديد هو Lee Lacocca رئيس شركة كرايسلر المتعثرة.
ففي عام 1979 كانت كرايسلر في وضع صعب للغاية، عقب أزمة النفط، وكانت تعاني للعثور على رأس المال، ومعالجة أذواق المستهلكين المتغيرة، والطلب الزائد على السيارات الصغيرة التي لا تستهلك الكثير من الوقود، والمنافسة المتزايدة في الخارج.
لذا قرر Lee Lacocca طلب المساعدة من الحكومة، ولإظهار جديته قرر تخفيض راتبه كرئيس تنفيذي للشركة إلى دولار واحد فقط. وعندها حصلت كرايسلر على قرض فيدرالي بقيمة 1.5 مليار دولار وعادت للاستقرار في السوق، وحينها تم الاحتفاء برئيسها التنفيذي كرمز للتضحية.
ومنذ هذا الحين أصبح تخفيض الراتب إلى دولار واحد سنويًا خطوة يقوم بها العديد من الرؤساء التنفيذيين لإظهار تضحياتهم في الأوقات الصعبة، وتكرر الأمر مع أزمة دوت كوم في بداية الألفية الجديدة.
وكان أشهر من قام بذلك هو عرّاب أبل “ستيف جوبز” الذي خفض راتبه إلى دولار واحد فقط بعد فترة وجيزة من انضمامه إلى أبل وطوال فترة وجوده على رأس الشركة، وتبعه في ذلك كلًا من جيمس باركسديل من Netscape، وجون تشامبرز من سيسكو، وتوم سيبل من Siebel Systems، ولاري إليسون من أوراكل.
وبحلول عام 2006، أصبح الاتجاه العام للرؤساء التنفيذيين في القطاع التقني هو الحصول على راتب 1 دولار سنويًا، لدرجة أن صحيفة لوس أنجلوس تايمز اعتبرت الخطوة “رمزًا جديدًا للمكانة”. واستمر الأمر مع كثير من رؤساء الشركات في يومنا هذا.
لكن التضحيات التي يقدمها هؤلاء الرؤساء بعيدة كل البعد عن تلك التي قدمها رجال الدولار الواحد سنويًا في الأربعينات.
فبينما يحققون أمولاً قليلة من الراتب الذي لا يشكل سوى جزء ضئيل من إجمالي التعويضات، تأتي معظم ثرواتهم في شكل مكافآت غير نقدية، مثل الأسهم والخيارات الأخرى.
أغنى رجل في العالم “جيف بيزوس” على سبيل المثال، دفع لنفسه راتبًا قدره 81,840 دولار في 2018، لكن ممتلكاته في أسهم أمازون زادت بمقدار 24 مليار دولار.
حيلة راتب الدولار الواحد سنويًا
كما ذكرنا سابقًا، تؤكد العديد من الأبحاث على أنّ رؤساء الشركات الذين يتقاضون راتب 1 دولار سنويًا يتم مكافأتهم بحزم من الأسهم والخيارات التي يمكن أن تُطابق الراتب النقدي الذي يُضحّون أو حتى تتفوق عليه.
حيث تشير إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2011 على خمسين مسؤول تنفيذي، إلى أنّ راتب الدولار الواحد سنويًا يجعل الرئيس التنفيذي يتخلى عن 610 ألف دولار في المتوسط تقريبًا، لكنّه في الوقت نفسه يكسب 2 مليون دولار على هيئة تعويضات الأسهم.
وفي دراسة أخرى، وجد الباحثون أن الرؤساء التنفيذيون الذين يتقاضون دولار واحد سنويًا، قد يخسرون 1.6 مليون دولار من المدفوعات النقدية، لكنهم في المقابل يحصلون على حوالي 3.5 مليون دولار في أشكال بديلة من التعويضات.
وإحدى الفوائد المتكررة مع راتب 1 دولار هي أنّه يوائم أهداف الرئيس التنفيذي مع أهداف شركته، مما يحفز على قيادة أفضل وينتج عنه أداء قوي للشركة، لكن هذا ليس الحال دومًا.
في الواقع، تشهد الشركات التي يديرها رؤساء يحصلون على راتب دولار واحد عوائد أقل بنسبة 1 في المائة شهريًا، مقارنةً بالشركات التي يديرها رؤساء يحصلون على كامل رواتبهم. ورغم أن الدوافع للحصول على هذا الراتب المنخفض قد تختلف من رئيس تنفيذي لآخر، إلّا أن المكسب الشخصي يلعب دور في بعض الحالات.
فالتضحية بالمكسب قصير الأجل على هيئة الراتب السنوي تأتي بهدف الحصول على مكاسب أكبر على المدى الطويل، ويظهر هذا جليًا مع رئيس أمازون الذي تزيد حصته في الشركة وقيمتها بالتوازي.
ومع إصدار قانون 1993 الذي أقره الكونجرس الأميركي، أصبح بإمكان الشركات خصم الأجر القائم على الأداء من الدخل الخاضع للضريبة، ويعني هذا ببساطة أن رؤساء الشركات يتقاضون هذا الراتب المنخفض بهدف التهرّب من الضرائب، ويحصلون على دخلهم الحقيقي على هيئة خيارات الأسهم التي يتم إعفائها من الضرائب حتى لو تجاوزت قيمتها المليون دولار، وفق ما يشير هذا المقال من الواشنطن بوست.