الاختلاف الجوهري بين أبل وجوجل

على الرغم من وجه التشابه الظاهري لكل من أبل وجوجل الا ان الشركتين تختلفان بشكل جذري داخليا. ولقد بدا لي هذا الموضوع جليا بعد قراءتي لكل من الكتابين الاول هو سيرة حياة ستيف جوبز احد مؤسسي شركة أبل بقلم والتر ايزاكسون والثاني بعنوان داخل بليكس او In the Plex والمستوحى من اسم مقر شركة جوجل Googleplex في الولايات المتحدة بقلم ستيفين ليفي.

 

 

يعد كل من ابل وجوجل عملاقين في عالم التكنولوجيا فكلاهما عارض التيار وطرح منتجات غيرت مجرى اللعب ومجموع قيمتهم الشرائية تساوي اكثر من 550 بليون دولار أمريكي. ولدى كلا الشركتين قسم خاص بتطوير الهاتف الخليوي وقسم لتطوير متصفح الانترنت وكلاهما يعتبر شركة مايكروسوفت عدوه اللدود.

 

 

وبالرغم من ذلك فإن الشركتين مبنيتان على أسس مختلفة جذريا . فكل من سيرجي برين ولاري بيج يؤمن بمبدأ ان القوة تكمن في المعلومة والرقم ويعد حجر الأساس لأي قرار مصيري يتم اعتماده في الشركة.

في المقابل كان ستيف جوبز يؤمن بمبدأ ان القوة تكمن في تصميم المنتج وغالبا ماكان يرمي بالبيانات عرض الحائط. ” من الصعب جدا ان تصمم منتجا اعتمادا على مجموعات التركيز الخاصة بالتسويق” كما قال في احد المقابلات الشهيرة التي اجريت معه في عام 1998 مع مجلة بيزنس ويك Business Week. ” في كثير من الاحيان لا يعرف الناس ماذا يريدون بالضبط حتى تريهم بنفسك ماذا يريدون”.

 

 

لايوجد شيء اكثر تباينا وحدة من الحرب المستعرة القائمة بين المعلوات والتصميم. حقيقة ان التناقض الواضح فيما بينهم احيانا والعلاقة المكملة لبعض في احيان اخرى اشعلت شرارة واحدة من امتن الصداقات في تاريخ عالم التكنولوجيا التي سرعان ما تحولت الى منافسة شديدة بين هذين العملاقين.

 

 

جوجل: المعلومة هي الأساس

 

اذا اردت اثباتا ان المعلومة هي أهم شيء لدى جوجل فما عليك الا تقرأ كتاب In the Plex. حيث ان كلمة بيانات او data ورد ذكرها في الكتاب حوالي 319 مرة بينما وردت كلمة تصميم او Design اقل من 60 مرة.

 

 

يتجلى التأكيد على اهمية البيانات مباشرة من مؤسسي الشركة بيج وبرين. كما يصفهما المؤلف:

انهما يشعران بالارتياح ضمن البيئة المبنية على المعرفة حيث يسود العقل على اي شيء آخر. ويؤمنان تماما ان العالم سيكون مترابطا بشكل كامل مع بعضه كما كانا يتخيلانه عندما كانا يدرسان في الجامعة. وأن المعلومة هي التي ستحكم المجتمع.

 

 

والمحصلة كانت بنائهما لشركة ذات كيان متناغم ومترابط بشكل كامل حيث يعامل المهندسون فيها على انهم ملوك والاهم من ذلك هو “احترام كامل للمعرفة”. ” تشتهر شركة جوجل بانها لاتقوم باي تعديل بسيط حتى ولو كان هذا التعديل عبارة عن تغيير صغير لمكان بيكسل على الشاشة الا بالاعتماد على نتائج البحث التي اجرتها على هذا التغيير”.

 

 

” يبدو ان تورط العامل البشري في اتخاذ القرار واضح بشكل كبير في هذا المنتج” كما قالت ماريسا ماير لفريق التصميم  وهي ترفض احد المنتجات. ” ان منتجات جوجل مصممة عن طريق الآلات ومبنية بالالات وهذا مايجعلنا في موضع القوة. وهو ما يجعل منتجاتنا رائعة”.

 

 

مواضيع مشابهة

أبل: تصميم المنتج في صميم الحمض النووي DNA للشركة

 

 

اما شركة ابل فنجدها في الجهة الاخرى من الملعب. فكلمة تصميم Design او ماشابهها ظهرت حوالي 432 مرة في سيرة حياة ستيف جوبز. اما كلمة معلومة Data ظهرت 26 مرة فقط في الكتاب.

 

 

“اكثر ما احبه هو ان اقدم منتج ذو تصميم رائع وسهولة استعمال بسعر زهيد جدا”. كما قال جوبز في سيرة حياته. ” كان هذا التصور الاول لشركة ابل. هذا ما اردنا اعتماده مع اول جهاز ماك انتجناه. وهذا ما اعتمدناه مع جهاز الايبود الموسيقي iPod.

 

 

هذا التأكيد على اهمية التصميم مستمد من طفولة ستيف جوبز. فكما علمه والده في بداية حياته انه من المهم جدا تصميم وتركيب الجهة الخلفية من الخزانة الخشبية حتى ولو يكن بامكان احد رؤيتها. ولاحقا عندما كان ستيف يجوب ارجاء آسيا احس بارتباط عميق مع بساطة مذهب زن Zen (احدى طوائف البوذية). واصبحت هذه الدروس والتجارب جزء من رحلته في البحث عن الكمال والتي تعتبر صميم فلسفته التي نراها مطبقة على كل منتج تطرحه شركة أبل.

 

 

الخلاصة

 

تستمد جوجل عقيدتها من المعرفة بينما تؤمن أبل بأن التصميم يأتي اولا. هذا الانقسام والتباين بين الشركتين جعلهما متممين لبعض. فكان الاتفاق ان تقدم ابل هاتف الايفون iPhone او جهاز الكومبيوتر بينما تقدم جوجل الخرائط الرقمية، محرك البحث، يوتيوب والوسائل  المخدمة للانترنت لجعل هذه الاجهزة اكثر نفعا. ولكن عندما قررت جوجل طرح نظام تشغيل الهواتف الذكية الخاص بها، تحولت الصداقة بين الشركتين الى عداوة. ومع تملك جوجل لشركة تصنيع هواتف واجهزة اتصال، فان هذه المنافسة ستشتد اكثر.

 

 

مالذي يمكن ان نتعلمه من هذه المعركة بين المعلومة والتصميم؟ مالذي يمكن ان نتعلمه من العلاقة بين ابل وجوجل؟

 

 

مامن مدرسة تفكير واحدة صحيحة بشكل كامل: فكل من جوجل و ابل شركتان ناجحتان غيرتا العالم الذي نعيشه. إن بناء شركة ناجحة (أو العيش عيشة هنيئة وسعيدة) لا يعني اعتناق او تقبل فلسفة شخص اخر في الحياة، النجاح يكمن في البقاء على معتقدك ونظرتك لهذا العالم والتعلم من اخطائك خلال رحلتك.

 

 

وثانيا، فالشركة ذات الاتجاه المبني اهمية التصميم تواجه مشكلة مختلفة عن المشاكل التي تواجها الشركة ذات التوجه المبني على المعلومة. حيث ان شركة أبل تركز على طرح منتجات ثورية لم يتم تصورها من قبل لان المعرفة ليست مفيدة في التنبؤ بمستقبل السوق. اما شركة جوجل المبنية على المعلومة فلديعا فرصة افضل في تطوير السوق الموجود فعلا لان منتجاتها ببساطة افضل واكثر كفاءة. فمحركات البحث على سبيل المثال، كانت موجودة قبل جوجل، ولكن الشركة استفادت من المعلومات المتوافرة لديها لخلق افضل محرك بحث في العالم. في المقابل ينسب لشركة أبل تبنيها لموضوع تطوير منتجات ثورية بدءا بالكومبيوتر الشخصي الذي طرحته في عام 1976.

 

 

واخيرا، على الرغم من ان التصميم والمعرفة غالبا ما يعتبرا قوى متعاكسة في الاتجاه ولكنهما احيانا يكملان بعضهما البعض. وبالرغم من ان جوبز قد ركز كامل جهده على التصميم ولكنه لم يتجاهل البيانات المعطاة له تماما. عندما كان يواجه مشكلة فشل اجراء المكالمات في بداية ازمة الهوائي الخاص بالايفون 4 Antenagate ما كان منه الا ان راجع البيانات الصادرة من تقارير شركة AT&T التي اعطته المجال والحل ليصمم الرد المناسب للمشكلة. إذا، حتى التصاميم الخلابة وخاصة الثورية منها، هي مبنية على اساس معرفي متين.

 

 

شارك المحتوى |
close icon