كيف أصبحت هواوي شركة الهواتف الأكبر مبيعات في العالم على الرغم من العقوبات الأمريكية
قبل أكثر من عام ومع بداية الصيف الماضي أعلنت الحكومة الأمريكية إدراج شركة هواوي الصينية على “القائمة السوداء“، إذ بدأ الأمر من منع الجهات الحكومية من التعامل معها وتوسع ليشمل أية شركات أمريكية وحتى التخلص من معدات الاتصالات الخاصة بالشركة.
كانت الحجة الأمريكية حينها هي أن هواوي تشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي كونها شركة صينية مقربة للغاية من الحكومة الصينية، كما أن أية شركة صينية ملزمة بمشاركة أي معلومات تجمعها مع الحكومة. على أي حال وبغض النظر عن صحة حجج الحظر من عدمها، فقد تم تطبيق العقوبات وكان من الواضح أن الغرض منها هو إنهاء وجود الشركة الصينية أو إضعافه على الأقل.
لكن بعد مرور حوالي عام من الزمن، كشفت البيانات أن الأمور ربما تسير بالاتجاه المعاكس، حيث أظهرت بيانات شركة Canalys للتحليلات أن الشركة الصينية قد حققت حلمها المستمر منذ سنوات، وفي الربع الثاني من عام 2020 كانت أكبر شركة هواتف ذكية في العالم مع مبيعات تجاوزت 55.8 مليون هاتف، مقابل حوالي 53.7 مليون هاتف لمنافستها المتصدرة عادة: Samsung.
بالنظر إلى الأرقام فقط، قد تبدو الأمور وكأنها مثالية للشركة الصينية، فالصعود إلى المرتبة الأولى من حيث مبيعات الهواتف ليس بالأمر السهل. لكن الأمور قد لا تكون مشرقة كما يتم تصويرها حقاً، والواقع هو أن العقوبات الأمريكية قد تركت أثرها وبشدة على الشركة التي تعاني الآن من تشديد عقوبات سيزيد من صعوبة الأمور أكثر.
التوسع في الصين والتقلص في كل مكان آخر
بينما أن الصين لطالما كانت أكبر أسواق هواوي، فهي لم تكن محور تركيزها الحقيقي في السنوات الأخيرة، بل أن الشركة كانت تسعى دائماً لتعزيز وجودها القوي جداً في أوروبا وحتى الدخول إلى السوق الأمريكية مع العديد من الصفقات المعلقة التي ألغيت بشكل مفاجئ مع إعلان الحكومة الأمريكية نواياها العام الماضي.
الجزء الأول من العقوبات ضد هواوي ترك أثراً بالغاً على الشركة وهو أن هواتفها التالية لن تحصل على خدمات Google Play مثبتة عليها مسبقاً، وهذا الأمر هام للغاية للمستخدمين حول العالم ممن يستخدمون بريد Gmail الإلكتروني ومساعد Google Assistant الشخصي وخرائط Google Maps ويشاهدون الفيديو عبر YouTube وبالطبع يحملون التطبيقات عبر Google Play Store. لكن هناك سوق أساسي لا يهتم لوجود هذه الخدمات أصلاً: الصين.
منذ زمن طويل وخدمات Google محجوبة بشكل كامل في الصين، لذا ومع انتشار الهواتف الذكية الواسع مطلع العقد الماضي باتت هذه هواتف Android تأتي بإصدارين مختلفين: إصدار عالمي مع حزمة خدمات Google وآخر مخصص للسوق الصينية دون خدمات Google. وبالنتيجة لم يكن للمرحلة الأولى من العقوبات على هواوي أي تأثير سلبي على سوقها الصيني.
في الواقع من الممكن القول أن العقوبات قد ساعدت هواوي في الصين، إذ استفادت الشركة من الدعم الشعبي الكبير لها كونها تتعرض لعقوبات من الند الأول للصين، كما أن تركيزها على السوق الصينية غير من توزيع مبيعات الشركة، وللمرة الأولى منذ سنوات عديدة كانت معظم مبيعات الشركة (أكثر من 70%) داخل الصين وليس في الأسواق الخارجية.
تأثير وباء كوفيد-19
في الربع الثاني من العام الجاري كان وباء كوفيد-19 قد أصبح وباءً عالمياً دون شك، إذ انتشر إلى مختلف البلدان وتسبب بحالات حجر صحي وإغلاق شبه كامل للاقتصاد والصناعة في العديد من البلدان مع معدلات بطالة هائلة، وبالطبع فقد ترك هذا الوباء تأثيراً عملاقاً على سوق الهواتف الذكية مع كون المستخدمين غير ميالين للشراء في فترة قلقة مالياً.
لحسن حظ هواوي فما كان يحصل في مختلف أنحاء العالم لم يشمل الصين حقاً، إذ مرت الصين بأسوأ فترات الوباء خلال الربع الأول من العام، وبالوصول إلى شهر أبريل كان الصناعة والاقتصاد الصينيان قد عادا للعمل إلى حد بعيد في الواقع، وبالنتيجة بقيت مبيعات الهواتف مرتفعة في السوق الصينية، فيما تراجعت الأسواق العالمية بشكل كبير جداً.
تراجع Samsung الكبير ساعد هواوي على الوصول للقمة
خلال عام 2019 كانت الأمور تبدو مبشرة لشركة Samsung الكورية الجنوبية مع عودة مبيعاتها للارتفاع مجدداً مدعومة بأداء استثنائي لمبيعات هواتف S10، لكن الأمور بدأت بالتغير مع نهاية العام، وبالوصول إلى الربع الأول من العام الجاري كان هناك الكثير من الأضرار على مبيعات الشركة الكورية بسبب الأداء المخيب جداً لهواتف S20 وقبلها هواتف Note 10.
ليزداد الطين بلة، فقد أتى وباء كوفيد-19 ليؤدي لخسائر كبرى لمبيعات Samsung، فعلى عكس هواوي التي احتمت بالسوق الصيني خلال الربع الثاني، تعرضت شركة Samsung لخسارة كبرى مع تراجع مبيعاتها بأكثر من 30% كون أسواقها الأساسية تتركز في الولايات المتحدة وأوروبا التان واجهتا أسوأ فترات الوباء في ذلك الوقت.
بنظرة سريعة إلى الرسم البياني أعلاه، من الواضح أن صعود هواوي إلى المرتبة الأولى لم يكن ناتجاً عن وصولها لقيم قياسية حقاً، بل أن الأمر ناتج عن تحطم مبيعات Samsung بشكل هائل إلى قيم هي الأسوأ منذ سنوات عديدة.
هل يمكن إكمال تفوق هواوي أم أن الأمر مجرد حالة خاصة؟
الجواب الأقرب للصحة هنا هو أن ما حصل في الربع الثاني كان حالة خاصة جداً في الواقع، إذ أن وصول هواوي للمرتبة الأولى لم يكن ليحدث لولا مجموعة من الأحداث معاً، وأهمها ربما هو انهيار مبيعات Samsung نتيجة وباء كوفيد-19، حيث كانت هواوي في المكان الصحيح في الوقت الصحيح لتستفيد من الأمر للحد الأقصى وتثبت للمرة التي ربما تكون الأخيرة أنها شركة قوية في المجال.
مع عودة الأسواق العالمية للانتعاش عندما تنخفض تأثيرات وباء كوفيد-19 وبالأخص بعد انتشار لقاحاته، ستتغير الأمور بسرعة والأرجح أن Samsung وكذلك Apple ستتفوقان على مبيعات هواوي، كما أن تشديد العقوبات الأمريكية الأخير يضع مصير الشركة بأكمله في مهب الريح.
حالياً تعاني هواوي من مشكلة خدمات Google Play، لكن المشاكل الآتية الآن أكبر بكثير إذ أن إنهاء عقدها مع شركة TSMC التايوانية تعني أن شرائح Kirin التي تصنعها الشركة لا تمتلك أي مستقبل حقيقي، كما أن الشركة لا تزال دون أي مزود حقيقي للشرائح حالياً، ولو أن MediaTek وSamsung هي المرشحة الأساسية الآن لتزويد العملاقة الصينية بالشرائح.
الآن يبدو المستقبل ضبابياً للغاية لشركة هواوي، ومع أن الأمور قد تأخذ منحنىً للأفضل وبطريقة ما تتمكن هواوي من النمو مجدداً، فالاحتمال الأرجح هو انحسار سريع للشركة على الصعيد العالمي على الأقل.