معظم الشركات ما تزال غير جاهزة لاستخدام تقنيات للذكاء الاصطناعي

فريق التحرير

لا شك أن الذكاء الاصطناعي أصبح التقنية الأبرز في العقد الحالي. فكل مؤسسة، كبيرة كانت أو صغيرة، خاصة أو حكومية، تسعى اليوم إلى تبنّيه، مما أدى إلى طلب غير مسبوق على القدرات الحاسوبية. والمكافأة المحتملة واضحة وكبيرة: قرارات أسرع، إنتاجية أعلى، وموجة جديدة من الأتمتة التي تعيد تشكيل جميع القطاعات. لكن خلف العناوين المتفائلة، والنقاشات الحماسية في غرف الاجتماعات، والإعلانات الطموحة، تبرز حقيقة أكثر تعقيداً.

معظم الشركات ليست جاهزة فعلاً للذكاء الاصطناعي. والمشكلة الأساسية لا تكمن في الطموح أو المواهب، بل في البنية التحتية.

العائق الموروث

وفقاً لتقرير «بناء مؤسسة جاهزة للذكاء الاصطناعي» الصادر عن شركة AMD، تستمر البنية التحتية القديمة بكونها العقبة الأكبر أمام تبنّي المؤسسات للذكاء الاصطناعي. فالكثير من الشركات لا تزال تعتمد على مراكز بيانات قديمة لم تُصمم أساساً للتعامل مع أعباء العمل الحاسوبية الكثيفة أو المتطلبات العالية للطاقة التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي.

هذه المراكز تعمل اليوم عند حدود قدرتها القصوى أو أنها قريبة من هذه الحدود؛ فالمعالجات المركزية مستنزفة، وطبقات التخزين مكتظة، وعرض النطاق في الشبكة بلغ أقصاه.

تتطلب أعباء العمل الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ولا سيما تلك التي تشمل التدريب واسع النطاق أو الاستدلال في الزمن الحقيقي، كثافة حسابية هائلة ونطاق ذاكرة عريضاً. ومحاولة «إضافة الذكاء الاصطناعي» إلى بيئة مبنية مسبقاً وغير مخصصة لذلك غالباً ما تفشل، لأن الرفوف القديمة وأنظمة الطاقة والتبريد غير قادرة على تلبية هذه المتطلبات.

هذا الفارق بين الطلب والقدرة ليس مجرد قضية تقنية، بل تحدٍ استراتيجي. فبدون التحديث، تخاطر الشركات بخلق «جزر معزولة من الابتكار» لا يمكن توسيعها. حيث يمكن ان تنجح المشاريع التجريبية الصغيرة، لكن عند محاولة التوسّع، تظهر مشكلات الأداء، والتأخير، وضعف الكفاءة الطاقية بسرعة.

هذه المشكلة بالتحديد مسؤولة عن فقدان الزخم في العديد من مشاريع الذكاء الاصطناعي مؤخراً. فبعض المؤسسات مضت قدماً بشعار «الذكاء الاصطناعي بأي ثمن»، وحققت نجاحات في المراحل التجريبية، لكن هذه النجاحات لم تتحول بالضرورة إلى نتائج طويلة الأمد، مما دفعها إلى التراجع بدلاً من معالجة جذور المشكلة.

المساحة، والطاقة، والتبريد

صُممت مراكز البيانات القديمة لعصر مختلف تماماً من الحوسبة. فخوادم الذكاء الاصطناعي الحديثة يمكن أن تحتوي على عشرات أو حتى مئات الأنوية في كل مقبس، وهو معدل كثافة يفوق قدرة المرافق القديمة التي بُنيت لدعم أحمال أخف بكثير. وبالإضافة إلى المساحة، تحتاج الرفوف الجديدة الخاصة بالذكاء الاصطناعي إلى ترقية أنظمة الكهرباء والتبريد.

الأثر المالي كبير؛ فزيادة قدرة التبريد، أو تحسين تدفق الهواء، أو إعادة هندسة الأرضيات المرفوعة قد تتطلب استثمارات رأسمال بملايين الدولارات. ومع ذلك، فإن الاستمرار في تشغيل خوادم غير فعالة ومستهلكة للطاقة يؤدي إلى هدر مستمر، إذ يمكن لنفس كمية الكهرباء التي تستهلكها شريحة قديمة أن تنتج أضعاف الأداء لو استُبدلت بأخرى حديثة.

لقياس الفاقد الناتج عن الاعتماد على الأنظمة القديمة، يمكن النظر إلى «هدف 30×25» الذي حددته AMD عام 2021، والرامي إلى تحسين كفاءة الطاقة لعقد التدريب والحوسبة عالية الأداء بمقدار 30 ضعفاً بحلول عام 2025. والمذهل أن النتيجة الفعلية تجاوزت التوقعات، إذ حققت خفضاً بنسبة 97% في استهلاك الطاقة مع الحفاظ على نفس الأداء مقارنة بأنظمة عمرها خمس سنوات.

تكلفة الفرصة الضائعة بسبب الأنظمة القديمة

لا تتوقف مشكلات الأنظمة الموروثة عند زيادة النفقات؛ بل تمتد لتستنزف القوى العاملة. ففرق تقنية المعلومات تقضي معظم وقتها في معالجة أعطال العتاد القديم، وإدارة دورات التحديث، والحفاظ على توافق التطبيقات القديمة. وكل ذلك يستنزف خبرات يمكن استثمارها في بناء مسارات ذكاء اصطناعي، وتحسين جودة البيانات، وتطوير النماذج.

تتضح هذه المشكلة خصوصاً في المؤسسات غير التقنية، حيث تُستنزف الميزانيات في الصيانة بينما تتأخر مشاريع الحلول الجديدة بسبب نقص التمويل. وفي حالات كثيرة، يضغط قادة الأعمال نحو تبنّي الذكاء الاصطناعي دون معالجة محدودية الموارد، مما يؤدي إلى فرص ضائعة وأفكار غير مكتملة لا تحقق أهدافها الأولى.

إن تجاهل التحديث المطلوب لتبنّي الذكاء الاصطناعي يخلق دائرة مفرغة، إذ تتسع الفجوة بين الطموح والتنفيذ، ويتحوّل التأخير إلى نوع من «الدَّين التقني» الذي يتراكم مع كل سنة مالية جديدة.

التحديث كعملية مستمرة

تتعامل المؤسسات الرائدة مع التحديث باعتباره عملية مستمرة لا مشروعاً مؤقتاً. ويبرز بحث AMD عدداً من الجوانب الأساسية لتحويل الأنظمة القديمة إلى بيئات جاهزة للذكاء الاصطناعي:

  1. توحيد الخوادم:
    المعالجات الحديثة تحتوي اليوم على مئات الأنوية في كل مقبس، مما يسمح لخادم واحد باستبدال ما يصل إلى سبعة خوادم قديمة. هذا التوحيد يحرر المساحة ويخفض استهلاك الطاقة والتكاليف التشغيلية.
  2. الأداء لكل واط:
    توفر الأجيال الجديدة من المعالجات أداءً أعلى بكثير لكل واط مقارنة بالأجيال السابقة، مما يقلل من البصمة الكربونية وتكاليف الكهرباء. ويعد هذا التوفير عاملاً حاسماً في ظل ارتفاع أسعار الطاقة.
  3. بنية حوسبة قابلة للتوسع:
    الجمع بين وحدات المعالجة المركزية، ومعالجات الرسوميات، ومسرّعات الذكاء الاصطناعي يمكّن المؤسسات من تحقيق توازن فعال بين أعباء العمل، حيث تُنفّذ مهام الاستدلال عادةً بكفاءة أكبر على المعالجات المركزية، بينما تحتاج عمليات التدريب إلى مجموعات من وحدات معالجات الرسوميات.
  4. دمج الحوسبة السرية:
    مع ازدياد تعامل تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع بيانات حساسة، تساعد تقنيات مثل Secure Encrypted Virtualization (SEV) على حماية البيانات حتى أثناء المعالجة.
  5. تحديث الشبكات:
    تتطلب أعباء الذكاء الاصطناعي كثيفة البيانات شبكات متقدمة، وتساعد وحدات معالجة البيانات (DPUs) وبطاقات واجهة الشبكة (NICs) التي تتولى مهام التشفير أو معالجة الحزم بدلاً من المعالجات المركزية على تحسين كفاءة النظام الإجمالية.

من خلال معالجة هذه الجوانب، يمكن للمؤسسات تحويل بنيتها التحتية من مركز تكلفة إلى محرّك لنمو قائم على الذكاء الاصطناعي.

مركز بيانات مهيأ للذكاء الاصطناعي

إمكانات التحسين مع المعماريات الحديثة مذهلة. فوفقاً لشركة AMD، يمكن لمعالجات AMD EPYC™ 9005 Series أن تحقق أداءً حسابياً مساوياً للأجهزة القديمة مع تقليل عدد الرفوف بنسبة تصل إلى 86%، كما توفر أداء في تعلم الآلة أعلى بثلاث مرات مقارنة بالشرائح المنافسة.

وهذا يعني أن المؤسسات تستطيع تقليص حجم مراكز بياناتها المادية مع تعزيز قدراتها في الذكاء الاصطناعي – وهو مثال واضح على كيف يمكن للتحديث أن يعزز القابلية للتوسع والاستدامة في الوقت نفسه. فخفض عدد الأجهزة يؤدي إلى استهلاك أقل للطاقة، وتقليل متطلبات التبريد، وخفض الانبعاثات.

مينا تك – أكبر منصة إعلامية باللغة العربية متخصصة في التكنولوجيا والأعمال
مينا تك – أكبر منصة إعلامية باللغة العربية متخصصة في التكنولوجيا والأعمال
حقوق النشر © 2025 مينا تك. جميع الحقوق محفوظة.