مستقبل الطاقة يكمن في التقليل من استهلاكها ودور التقنية في ذلك محوري

تضطلع شركات الطاقة بدور حيوي لا يمكن إنكاره في تحول أنظمة الطاقة اليوم، ولو أنها ليست الوحيدة.

ويعود سبب ذلك إلى كون مستقبل الطاقة مرتبطاً بعوامل أكبر من مجرد تحسين واقع الشبكة. حيث إن أحد أهم العوامل في تحقيق الحياد المناخي هو تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير، ما يعني تقليل الاستخدام؛ سواء كان ذلك بتخفيض استخدام المياه، أو إنتاج النفايات، أو استهلاك الطاقة.

إن خفض الطلب على الطاقة هو حجر زاوية في استراتيجية التنمية المستدامة لمدينة مصدر. وكما ذكر رئيس مجلس الإدارة، سعادة عبد الله بالعلاء، في كلمته الرئيسية خلال قمة الهيدروجين الأخضر المنعقدة ضمن القمة العالمية لطاقة المستقبل، فإن أكثر أنواع الطاقة استدامة هي الطاقة التي لا تستعملها.

تمتلك التكنولوجيا دوراً رئيسياً في هذا السياق.

جعلت بعض المدن العالمية المستدامة من التكنولوجيا المكون الرئيسي لجهودها في مجال الاستدامة. فيما ركزت مدينة مصدر أولاً على التصميم المعماري الإبداعي والتخطيط المحكم الذي يتطلب طاقة أقل. فعلى سبيل المثال، نحن نقوم بتوجيه النوافذ ونظللها بشكل يساعد في إبعاد أشعة الشمس الحارة والمباشرة عن المباني، ونستخدم عزلاً عالي الأداء، وعزلاً لواجهات المباني يمنع الحرارة الخارجية من الانتقال إلى الداخل.

الظلال في مدينة مصدر المستدامة في أبوظبي

بمجرد أن نتمكّن من دفع تدابير مثل هذه بأقصى استطاعتنا، والمسماة بالتصميم السلبي، فإننا عندئذ نستخدم التكنولوجيا لتقليل الطلب على الطاقة بشكل أكثر فعالية.

إذ إننا نستخدم أحدث الأسلاك وأكثرها كفاءة لضمان استهلاك أنظمة المعلومات والتكنولوجيا لأقل قدر ممكن من الطاقة. كما نستخدم أنواراً عالية الاستجابة تعمل وتتوقف عن العمل بشكل يضمن الحد الأدنى من ضياع الطاقة. وبالإضافة لذلك، نستخدم أنظمة تبريد موضعية، بحيث يمكن لدرجات الحرارة أن تكون متغيرة بشكل يزيد كلاً من الراحة والكفاءة.

كذلك، تتيح التكنولوجيا أحد أهم مكونات تقليل الطلب على الطاقة؛ وهو القياس. إذ تساعد أنظمة المراقبة الذكية على ضمان استخدام المباني في مدينة مصدر وتشغيلها بأعلى المستويات الممكنة من الكفاءة، ويعود ذلك إلى كون أداء المباني مدفوع بالدرجة الأولى بسلوك سكانه، بغض النظر عن تصميمه.

كنتيجة لكل هذه التدابير التصميمية والتكنولوجية، بلغ إجمالي تخفيض استهلاك الطاقة في مدينة مصدر في عام 2022 ما يربو على 38%. في حين سيرتقي تخفيض الطاقة المتوقع لدينا إلى حوالي 48% في عام 2025، مع استكمال تنفيذ أكثر من 12 مبنى يتوافق مع المستوى البلاتيني على معيار نظام الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (LEED)، بالإضافة إلى تدشين مركزنا الذكي، الذي سيقدم إمداداً حياً ببيانات عمليات البناء إلى موقع مركزي للمراقبة.

إننا بحاجة إلى مواصلة الابتكار للارتقاء بهذا الرقم إلى قيم أعلى من ذلك حتى.

مواضيع مشابهة

قبل عقد مضى، كانت الألواح الكهروضوئية مكلفة أكثر من أن يتم استخدامها على نطاق واسع في التطوير العقاري التجاري؛ حيث كانت لتسبب قفزة أعلى بكثير من السوق لأسعار الإيجارات. أما اليوم، وبفضل الابتكار المستمر، تبدلت التكنولوجيا الكهروضوئية وأصبحت أسهل في التبني على نطاق واسع. وحتى أن الطاقة الشمسية قد أصبحت إحدى أرخص أنواع الطاقة في العالم حالياً. وعلى نحو عملي، أتاحت هذه الابتكارات تغطية أسطح المباني ومساحات مواقف السيارات بالألواح الكهروضوئية، والتي بدورها، سمحت لنا بالانتقال من مبان ذات كفاءة استخدام الطاقة أعلى بنسبة 40-50% عن المعدل الأساسي، إلى مبانٍ محايدة من حيث استخدام الطاقة.

الظلال في مدينة مصدر المستدامة في أبوظبي

وهذا مثال واحد فحسب على الأماكن التي يمكن للتكنولوجيا والابتكار أن يأخذانا إليها. ولمواصلة قيادة الابتكار الذي نحتاجه، تعمل مدينة مصدر كميدان اختبار للتقنيات المصممة لمساعدتنا على تخفيض الاستهلاك.

تم تصميم نظام التبريد الديناميكي، Airshade، من قبل شركة ناشئة مقرها في هولندا واسمها Airshade Technologies، وعلى مدار العام الماضي، خضع النظام للاختبار بالقرب من مزرعتنا التي تبلغ قدرتها 10 ميجا واط. وتم استيحاء تصميم النظام من شجرة: فمثلما تتحرك أوراق الشجر مع الشمس لإلقاء الظل، يستخدم Airshade الضغط الناجم عن تغير درجات حرارة الهواء للفتح والإغلاق طوال اليوم. ويعمل النظام دون استخدام أجهزة استشعار، أو محركات، أو كهرباء.

في مدينة مصدر، ينقل نظام النقل الشخصي السريع الناس من طرف المدينة وصولاً إلى مركز الزوار فيها، وذلك ضمن عربات من دون سائق، تعمل بواسطة الكهرباء والمغانط، وبينما لا يعد النظام تقنية جديدة، فقد صمد المبدأ أمام اختبار الزمن: فقد آمنا دائماً بأن مستقبل النقل سيكون مشتركاً، وكهربائياً، وذاتي القيادة. وتساعد كل هذه الصفات في تقليل الطلب على الوقود الأحفوري في النقل. ومن مقره في مدينة مصدر، يقود مجمع صناعة المركبات الذكية وذاتية القيادة في أبوظبي (SAVI) الأجيال القادمة من أنواع التقنية هذه.

حافلات النقل الكهربائية الذكية في مدينة مصدر المستدامة في أبوظبي

تقدم شركة Alesca Life Technologies مثالاً آخر للتقنيات المصممة لمساعدتنا على تقليل الاستهلاك والتي تنطلق من مدينة مصدر. حيث تستخدم الشركة معدات آلية وبرمجيات ذكاء اصطناعي لزراعة الخضروات الطازجة باستخدام مياه أقل بكثير مقارنة بالزراعة الاعتيادية.

كما ابتكرت شركة VOLTS Battery Storage، التي تستثمر في تكنولوجيا المناخ في مدينة مصدر وهي إحدى شركات محفظة The Catalyst، بطارية منزلية كبيرة بما يكفي لتشغيل منزل بأكمله بمعزل عن شبكة التغذية الكهربائية، ما يوازي خفض الطلب على الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري بعدة آلاف كيلو واط ساعي سنوياً.

تخيل أن تخفض كل صناعة في أبو ظبي طلبها على شبكة الكهرباء بشكل شديد، وما قد يعنيه ذلك لمسيرة الإمارات العربية المتحدة نحو الحياد المناخي. سوف يتسارع تحول أنظمة الطاقة بشكل كبير، ولربما أمكننا ترك النفط في باطن الأرض حتى.

إن مفتاح مستقبل الطاقة – سواء هنا، أو في سائر أنحاء العالم – هو تقليل الاستخدام.


هذا المقال هو مقال ضيف بقلم ستيف سيفرانس – مدير النمو في مدينة مصدر

شارك المحتوى |
close icon