لماذا هناك نقص حاد في الشرائح الإلكترونية حول العالم؟
في حال كنت تتابع أخبار العالم التقني عن قرب في الفترة الأخيرة، فالأرجح أنك قد رأيت أخبار النقص الحاد في الشرائح الإلكترونية حول العالم، أو أنك قد شاهدت الأخبار المرتبطة به على الأقل: مصانع سيارات تتوقف عن العمل، أعداد غير كافية من أجهزة الألعاب لتلبية الطلب، ونقص غير مسبوق ببطاقات الرسوميات جعل سعرها يتضاعف عدة مرات في أسواق إعادة البيع.
هذه ليست المرة الأولى التي يعاني فيها المجال التقني من نقص في الشرائح الإلكترونية في الواقع، لكنها واحدة من الأشد دون شك. حيث يمكن ملاحظة شدة الأزمة عندما تتأثر صناعات ثانوية نسبياً للمجال التقني بالأمر كما هو حال صناعة السيارات، حيث قامت عدة شركات كبرى بتخفيض إنتاجها أو حتى إيقاف بعض مصانعها لأنها لا تحصل على عدد كافٍ من الشرائح لوضعها في السيارات.
في هذا الموضوع سنسلط الضوء على أسباب الأزمة الحالية في عالم الشرائح الإلكترونية، حيث أن هناك عدة عوامل مؤثرة معاً للأمر دون شك وهي التالية:
زيادة حادة في الطلب على الشرائح الإلكترونية
لا شك بأن الفترة الأخيرة لم تكن طبيعية بأي معيار في الواقع، حيث تسبب وباء كوفيد-19 بتغييرات كبرى في العالم، وواحدة من أهمها هي التأثير على العمل. حيث انتقل عشرات الملايين للعمل من المنازل حول العالم، بالإضافة لعشرات ملايين الطلبة الذين يحضرون دروسهم عبر الإنترنت بدلاً من الطريقة التقليدية.
بالنتيجة لم يعد وجود الحواسيب المحمولة والأجهزة الذكية اختيارياً حقاً، بل بات الكثيرون مرغمين على شراء حواسيب وأجهزة لوحية وإلكترونيات أخرى للتعامل مع الوضع الجديد المفروض. فبدلاً من حاسوب واحد للمنزل مثلاً، بات من اللازم وجود عدة حواسيب تعمل تعمل معاً ليتمكن الوالدان من العمل عن بعد مثلاً، فيما يتلقى الأطفال دروسهم عبر حواسيب أو أجهزة لوحية.
بالإضافة إلى النتائج الحتمية لعمل وتعلم عشرات الملايين من المنازل، كانت الفترة الأخيرة مزدحمة بالمنتجات الجديدة المطلوبة أيضاَ. حيث شهد العام الماضي إطلاق الجيل التاسع من أجهزة الألعاب التي تتضمن الكثير من الشرائح الإلكترونية ضمنها، كما أن الجيل الجديد من بطاقات الرسوميات يشكل قفزة كبرى في الأداء مقارنة بالسابق مما جعله مطلوباً أكثر من السابق.
بالطبع فزيادة الطلب مع ثبات العرض تعني نتيجة واحدة لا مفر منها: نقص حاد في المنتجات المطلوبة بشكل كبير، وهذا تماماً ما حصل، وليزداد الطين بلة لم يكن العرض ثابتاً في الواقع، بل أنه انخفض بشكل معاكس للطلب.
نقص كبير في الإنتاج نتيجة وباء كوفيد-19
لعل التأثير الأول لوباء كوفيد-19 هو أنه أدى إلى إغلاق المصانع في معظم مناطق العالم لبضعة أشهر على الأقل، وعندما عادت هذه المصانع للعمل لم يكن من الممكن إبقاؤها في حال العمل الكامل بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي والحد من عدد الموظفين الذين يمكن أن يعملوا معاً في نفس الوقت.
في الفترة الأولى لم يظهر تأثير الوباء على المجال التقني حقاً لأن الشركات عادة ما تمتلك مخزوناً كبيراً من الشرائح الإلكترونية التي تستخدمها، لذا وبينما انخفض تصنيع الشرائح الإلكترونية بدأت العديد من الشركات باستهلاك مخزونها السابق دون أن يتم تعويضه حقاً، وبعد أشهر من الأمر بدأ التأثير الحقيقي بالظهور عندما وصل مخزون الشركات من الشرائح إلى مستويات منخفضة وعجز مصنعي الشرائح عن تقديم كم كافٍ منها لإبقاء مستويات التصنيع متناسبة مع الطلب.
الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين
على الرغم من أن أكبر مصنعي الشرائح في العالم ليسوا جميعهم شركات أمريكية (شركة TSMC تايوانية وسامسونج كورية) فالولايات المتحدة هي مكان ولادة الشرائح الإلكترونية ولا تزال المركز الأساسي لتقنياتها اليوم، لذا كان للحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين تأثير واضح على المجال، وبالأخص مع قيام الولايات المتحدة بحظر شركة SMIC (أكبر مصنعي الشرائح في الصين) من الحصول على تقنيات أو آلات تسمح بتصنيع المعالجات بمعمارية أدنى من 10nm، مما شل قدرة الشركة على المنافسة في مجال الشرائح الحديثة عالية الأداء.
نتيجة حظر شركة SMIC من أحدث تقنيات المجال، لم تعد الشركة قادرة على تطوير نفسها للمنافسة في تصنيع الشرائح، وتم خلق العديد من العقبات في طريق سلسلة التصنيع مما منع أو أخر على الأقل توسع صناعة الشرائح بشكل يضاهي الطلب الكبير عليها.
مواضيع قد تهمك:
ثلث أرباح شركات السيارات الأمريكية قد تتبخر نتيجة نقص الشرائح الإلكترونية
شركة TSMC تنمو لتسيطر على أكثر من نصف سوق الشرائح الإلكترونية
378 مليار دولار صرفتها الصين على البحث والتطوير خلال عام 2020
لماذا لم يقم أحد بحل المشكلة حتى الآن؟
الجواب الحقيقي هو أن الحل غير ممكن، أو أنه كذلك في المدى القريب على الأقل. حيث أن صناعة الشرائح الإلكترونية مجال شديد التعقيد والدقة ويحتاج ميزانيات عملاقة بعشرات المليارات للتطوير والبحث، كما أنه يحتاج خبرات هائلة متراكمة طوال عقود والوصول إلى آلات عالية الدقة ومحدودة الإنتاج أصلاً.
في حال قررت شركة جديدة الدخول إلى سوق صنع المعالجات مثلاً، فالتفكير بمنافسة الشركات الحالية المهيمنة خارج المعقول تماماً. فكل من الشركات المهيمنة مثل TSMC وSamsung تعمل على تطوير المعالجات منذ عقود وقد استثمرت عشرات المليارات لبناء مصانعها المخصصة والوصول إلى تقنيات أحدث وأعلى دقة للتصنيع، وحتى مع تمويل لا محدود لن يكون اللحاق بمستوى هذه الشركات ممكناً قبل سنوات عديدة إن لم يكن عقوداً حتى.
حالياً تعمل الشركات الكبرى وبالأخص TSMC التايوانية على توسيع عملها للتعامل مع النقص الحالي والمستقبلي للشرائح الإلكترونية، لكن الأمر بطيئ ويحتاج إلى الوقت، والأرجح أن الأزمة لن تحل بفعل ازدياد الإنتاج حقاً، بل علينا انتظار عودة الطلب للانخفاض إلى مستويات مقبولة من الممكن تلبيتها.