كيف ساعدت المؤثرات البصرية على إحياء الموتى افتراضيًا؟
المؤثرات البصرية: الدواء الشافي لصناعة السينما
في عالم السينما لا شيء نصفه بالمستحيل، فهناك ديناصورات تعيش على كوكب الأرض وصواريخ تذهب إلى المجرات البعيدة في دقائق وحروب بين البشر والكائنات الفضائية، قد تكون هذه المشاهد صعبة في التنفيذ لكن لا شيء يبقى مستحيلًا أمام المؤثرات البصرية.
يتميز عالم السينما بقدرته على إحياء الأموات، فمصمموا المشاهد الخيالية لديهم القدرة على تجسيد أي شخصية بشرية أو عرض حيوان منقرض داخل الأفلام. جميعنا يتذكر قصة الفنان العالمي بول ووكر عندما توفي أثناء تصوير أحداث الجزء السابع من سلسلة أفلام فاست آند فيوريوس واضطر المخرج إلى الاستعانة بشقيقيه بول كاليب وكودي لتنفيذ بعض المشاهد لكن لعبت المؤثرات البصرية والتلاعب بالصور دورًا فعّالًا في نجاح الفيلم.
يظهر في الفيديو التالي بعض النجوم المشهورة مثل فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي وأحمد ذكي وغيرهم وكأنهم يتفاعلون واقعيًا داخل الإعلان لكنهم في الواقع ليسوا أحياء بل أحيت وجودهم الصوري استخدام المؤثرات البصرية.
كيف يتم إنتاج المؤثرات البصرية؟
تختلف عملية إنتاج المؤثرات البصرية من حقبة لأخرى ومن فيلم لآخر، لكن تظل عملية التلاعب بالوهم هي الأساس الذي بُنيت عليه جميع الخدع والمؤثرات السينمائية. في القرن السادس عشر، درس العالم جيامباتيستا ديلا بورتا العالَم الطبيعي ورأي كيف يمكن التلاعب به، فالتلاعب بالعالم وإدراكنا له هو أساس الخدع البصرية، فتجد أن الخدع والتأثيرات البصرية مبنية على أساسيات الوهم مثل الافتراضات (الإدراك الطبيعي للأشياء التي نعرفها) والتخمينات (توقع سلوك الأشياء المعروفة لدينا) والسياق الذي وضعت به الأشياء في واقعنا. إذا تلاعب أحد بهذه الأساسيات لديك فإنه يُنتج خداعًا محكمًا أمام العين.
والت ديزني والرسوم المتحركة
ظهرت الرسوم المتحركة قبل ظهور السينما بنحو نصف قرن تقريبًا، فقد ظهرت أولى الأعمال الفنية المرئية في شكل صور ثابتة يتم تمريرها أمام العين في تتابع سريع وبأسرع مما قد تلاحظه العين البشرية، وهذا ما خدع العين لتظهر في صورة فيديو. أحد أول الأجهزة الناجحة تجاريًا لعرض هذه الصور في شكل فيديو ما أشير إليه باسم “منظار الفيناكيستوكوب” والذي ابتكره البلجيكي جوزيف بلاتو عام 1832 وهو عبارة عن قرص كرتوني دوّار يخلق وهم الحركة عند النظر إليه من خلال مرآة.
بعد عام واحد، ابتكر ويليام جورج هورنر جهاز “زيوتروب” والتي تظهر على شكل اسطوانة يصطف على جدارها مجموعة من الصور التي يمكن تغييرها بسهولة وعند دوران القرص يبدو وكأن الصورة تتحرك. استطاع الفرنسي إميل رينو عام 1876 تكييف المبدأ قليلًا ليتناسب مع عرضه أمام جمهور مسرحي ليصبح أول ريادي الأعمال في مجال الرسوم المتحركة.
توالت الابتكارات حتى قدّم والت ديزني شخصية ميكي ماوس الشهيرة وصولًا إلى المحطة الأخيرة في فيلم سنو وايت والأقزام السبعة عام 1937. اعتُبر ديزني من أوائل المصممين الذين استخدموا التقنيات الحديثة في طريقة العرض وحصل على شهرة واسعة استمرت إلى يومنا هذا حتى استُخدمت شخصياته في أفلام حديثة مثل سلسلة أفلام السنافر.
الطابعة البصرية وصناعة المؤثرات
استُخدمت الطابعة البصرية في صناعة المؤثرات الخاصة في الأفلام قديمًا، فهي عبارة عن جهاز يحتوي على رأسين مضيئين من عارض الصور “البروجيكتور” متصلان بكاميرا الفيلم تقوم بتصوير الفيلم على شريط واحد أو أكثر وبهذا التوالي البسيط للصور يمكن التلاعب ببعض أجزاء الصورة مثل التلاشي أو الحركة البطيئة أو السريعة أو إخفاء تفاصيل صورة أو إضافة جسم جديد للصورة وتُدمج هذه المؤثرات في مشهد واحد عن عرضه بسرعة أعلى من عملية التصوير ولم تكن هذه الطريقة بالجودة المطلوبة التي يتوقعها الجماهير.
توليد الصور باستخدام الحاسب: طفرة في المؤثرات البصرية
كانت الحيل التقنية باستخدام برامج المونتاج نقطة تحوّل كبيرة في كيفية الحصول على الخدع السينمائية. قديمًا، استلزم الأمر أن تُنفذ المشاهد ذاتها مع تغيير طفيف في بعض المؤثرات كالجروح والانفجارات وغيرها وبمساعدة الماكياج كذلك كي تكون الصور أكثر واقعية، لكن مع بداية عام 1993 تغيرت المفاهيم قليلًا حيث ظهر فيلم الإثارة الحديقة الجوراسية والذي قدم مفهومين لتوصيل خدعة وجود الديناصورات أولها استخدام تقنيات توقف الحركة والآخر تصميم الصور عبر برامج الحاسوب، وشهدت هذه المرحلة انتقال التأثيرات السينمائية من مرحلة توقف الحركة والتأثيرات البصرية التقليدية إلى تقنيات رقمية.
تجاوزت قدرات المونتاج وتعديل الصور باستخدام الحاسوب الكثير من الخدع السينمائية الأخرى وأنشأت الكثير من الشخصيات الخيالية والخارقة والتغيير في ملامح الممثلين أنفسهم لتوصيل فكرة ما يدور حولها سيناريو المادة المرئية والتي قد تصل إلى تساقط دموع اصطناعية. تُستخدم هذه الطريقة الآن في أغلب الأفلام التي تحتوي على تأثيرات خاصة لأنها أكثر قابلية للتحكم من العمليات الأخرة التي تعتمد على وجود الجسد في الأساس، كما أنها لا تعتمد على ممثل بعينه لإنتاج المادة المرئية فقد يمكن بناء أعمال سينمائية كاملة بتجسيد لبعض حركات وتعبيرات وجه أحد الممثلين دون قيام الممثل بأي شيء.
النمذجة والمحاكاة باستخدام الحاسب
بعد استخدام الحواسب في توليد الصور، تطور الأمر ليبدأ عهد جديد في عالم المؤثرات البصرية. يستطيع المصممون بناء نماذج ثلاثية الأبعاد باستخدام البرامج بدقة رائعة وتحويلها بعد ذلك إلى أجسام متحركة. كان الأمر قديمًا يلزم وجود جسم مادي لأشكال الديناصورات والحيوانات المنقرضة والغريبة لتصويرها مع بعض المؤثرات البسيطة لكن مع تطور البرمجيات أصبح بالإمكان بناء شخصيات لا وجود لها في الواقع وإسقاط السلوك الخيالي عليها في الحركة والتعامل وأقرب مثال على ذلك شخصية الغوريلا في فيلم كينج كونج عام 2005 حيث اسُتخدمت تعبيرات الوجه والحركة للمثل آندي سيركيس مع شكل الغوريلا وبالنمذجة والمحاكاة بُنيت شخصية جديدة كانت سببًا في نجاح الفيلم.
طرق أخرى لتصميم المؤثرات الخاصة
هناك العديد من الطرق الأخرى التي قد تحدث خداعًا بصرية أمام الكاميرا منها استخدام الكروما-خلفية باللون الأخضر أو الأزرق يتم تصوير المشاهد عليها وحذفها بعد ذلك باستخدام برامج المونتاج- لإخفاء الخلفية أو أجزاء من الشخصيات لاستبدالها بأجزاء خيالية ويستخدمها المخصصون في أحدث الأفلام السينمائية مثل فيلم “Life of Pi” الذي حصل على جائزة أفضل فيلم عام 2013 من حيث المؤثرات البصرية بجانب العديد من الجوائز الأخرى.
التصوير الجسيمي أو ما يعرف بالهولوجرام
استُخدمت تقنية الهولوجرام في العديد من الأفلام والبرامج التلفزيونية والإعلانات بشكل مبهر، إذ تعتمد هذه التقنية على إعادة تكوين صورة للاجسام في شكل ثلاثي الأبعاد معتمدة على أشعة الليزر في بث هذه الصورة فهي عبارة عن موجات ضوئية بتركيز معين لبناء صورة ثلاثية الأبعاد. تنشأ الصورة عند وقوع تصادم بين موجات الضوء والشيء المراد تكوينه وعرضه على الصورة ويقوم الجهاز المخصص لعرض الهولوجرام بعرض الجسم وكأنه هالة ضوئية. استُخدمت التقنية في أفلام مثل حرب النجوم وإعلانات فودافون وغيرها من المعروضات المرئية الخادعة.
بهذه التقنية الأخيرة وتقنيات المؤثرات البصرية يُمكن إعادة تواجد الأشخاص الذين توفوا في بعض الإعلانات مثل إعلان فودافون الذي أوجد الفنان الراحل فؤاد المهندس والفنان أحمد ذكي في إعلاناتهم مؤخرًا، وكذلك بعض التقنيات الأخرى التي ظهرت في فيلم فاست آند فيوريس الذي خلد ذكرى الفنان بول ووكر.