كيف تمكنت المدينة الإعلامية قطر من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحويل أصوات أهل قطر إلى رائعة رقمية سجلت رقماً قياسياً عالمياً

بقلم المهندس جاسم محمد الخوري، الرئيس التنفيذي للمدينة الإعلامية قطر، في خضم حديثه عن دعم التكنولوجيا للمشاركة المجتمعية


تخيل عالماً يتيح لكل فرد من مجتمعه في كل مكان التعبير عن انتمائه وولائه لوطنه بأسلوب تفاعلي شامل!

إنها قوة التقنيات الرقمية، التي نعمد في قطر إلى تسخيرها لإطلاق قنوات حديثة للمشاركة المجتمعية، فعلى الرغم من اقتصار النظرة إلى الذكاء الاصطناعي على كونه تقنية يغلب عليها الجمود والتجرد، إلا أننا تمكنّا من إثبات قدراته على العمل كمحرك ثقافي، قادر على حشد المجتمع من أجل خلق عمل استثنائي.

في المدينة الإعلامية قطر، ومن خلال تعاوننا الرائد مع Google Cloud، أطلقنا مؤخراً المبادرة الأولى من نوعها «نبضة قطر الفنية»، حيث أتاحت الفرصة للجميع المساهمة بأصواتهم وأفكارهم في رائعة فنية وطنية، معززة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. في الحقيقة، لم يتعلق الأمر بأتمتة ومعالجة مراحل إنشاء العمل الفني فحسب، بل استهدف ضم تعابير نسيج المجتمع القطري المتماسك، في عمل شامل دون استثناء.

وبالنظر إلى العائد الذي حققه هذا العمل الرائد، فقد نال اعترافاً رسمياً من موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وحصد رقماً عالمياً عن «أكبر عدد من الأشخاص المساهمين في إنشاء صورة بواسطة الذكاء الاصطناعي»، حيث شارك في تشكيله نحو 15,000 مشترك، واستطعنا الوصول الى أكثر من 5.4 مليون شخص، كما حصد العمل أكثر من 68,000 تفاعل من مختلف أنحاء البلاد، ليشير إلى قدرة التقنيات الرقمية على توحيدنا من خلال الإبداع.

من خلال هذا العمل الفني، لم نسعَ إلى الاكتفاء بتحقيق الرقم القياسي، بل هدفنا لإلقاء الضوء على القدرة التحويلية للذكاء الاصطناعي، ونجاحه في حشد المشاركات لإنشاء عمل فني وطني واسع النطاق.

لقد انطلقت مبادرتنا في الأيام بين 9 إلى 17 ديسمبر 2024، ودعونا من خلالها كافة أفراد المجتمع لمشاركة رؤاهم وتطلعاتهم وخواطرهم، وطرح تعليقاتهم على منصتي X وInstagram وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي المتداولة، والتي خضعت لاحقاً إلى معالجة تقنيات Google Cloud المتكاملة للذكاء الاصطناعي، عبر منصة Vertex AI ونماذج Gemini ومستودع بيانات BigQuery، لإنتاج عمل فني فريد. أُزيح عنه الستار في 18 ديسمبر 2024، خلال احتفالات اليوم الوطني لدولة قطر، حيث يجسد روح الانتماء الوطني والهوية الجماعية، كما أنه شاهد على إبداع أبناء الوطن، من أجل الاحتفاء بذكرى هذا اليوم.

مواضيع مشابهة

تكمن روعة هذا العمل الفني في استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإبداع البشري، وليس استبداله، ولقد أضفت كل مساهمة فريدة من طالب شاب، وعامل، ومواطن، ومقيم، طابعاً خاصاً على جوهر هذا العمل، الذي أكد على أن التكنولوجيا مسخرة للجميع، وليست محصورة بفئة بعينها. إنه بمثابة شهادة على نجاح التكنولوجيا في السرد القصصي، وأنها ليست دائماً أداة أتمتة مجردة. 

عندما نتيح تداول الإبداع بين الجميع، فنحن نضع معياراً جديداً للتفاعل مع الوسائط الإعلامية في ظل العصر الرقمي، وفي هذا الإطار تأتي رائعة «نبضة قطر الفنية» لتلقي الضوء على أهمية التكنولوجيا في تحفيز المشاركة العامة، وقدرتها على تعزيز التعاون والوحدة ودعم التعبير الثقافي، فالأمر لا يتعلق باستهلاك الإعلام الرقمي فحسب، بل تسخيره للمشاركة والإبداع الجماعي.

وبالنظر إلى ما هو أبعد من العمل الفني، فقد نجحت قطر في أن تثبت للعالم إمكانات منطقة دول مجلس التعاون الخليجي للابتكار في مجال الإعلام الرقمي، حيث إن أكثر من 50% من مواطنيها تحت سن 25 عاماً، فضلاً عن امتلاك شبابها لخبرات واسعة في المجال التقني، وتمتعهم ببنية تحتية قوية داعمة للنمو الرقمي، مما يجعل من قطر موطناً خصباً لرؤى مستنيرة قادرة على إثراء القطاع الإعلامي، وهو ما يشكل نقطة انطلاق محورية.

تواصل المدينة الإعلامية قطر جهودها من أجل بناء مستقبل إعلام جديد، جاذب للمبتكرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم، وتؤمن منظومة متكاملة داعمة وموطئ قدم قوي للمؤسسات الإعلامية، في منطقة تشهد طفرة هائلة في قطاعي الإعلام والترفيه، كما نطرح حزمة من التراخيص والدعم القانوني، والحوافز المادية، والتمويل، والمنح.

مستقبل الإعلام الرقمي 

نلتزم في المدينة الإعلامية قطر، بتسخير التقنيات التكنولوجية لدعم مجتمعنا، ونتبنى منظومة إعلامية متكاملة تعكس الإبداع البشري المتنوع. نحن نشكل ملتقىً استراتيجياً لشركات الإعلام ورواد الأعمال والمبتكرين، الذين تتضافر جهودهم من أجل النهوض بمستقبل الصناعة. يشتمل نشاطنا واسع النطاق، على قطاعات البث، والأخبار، والألعاب الإلكترونية، والإنتاج وما بعد الإنتاج، والنشر، والرسوم المتحركة، وتقنيات الإعلام، ووسائل الإعلام الإجتماعية والرقمية، وتوطين المحتوى.

باعتبارنا مركزاً حيوياً يضم قطاعات متنوعة، فنحن نوفر دعامة أساسية للمشاريع الرائدة، تنطلق إلى آفاق إعلام لا حدود له. 

لقد جسد نجاح «نبضة قطر الفنية» نهجاً تعاونياً فريداً، لم يكتفِ بالسعي إلى تسجيل رقم قياسي فحسب، بل عمد كذلك إلى عرض نتاج اتحاد التكنولوجيا مع الثقافة، في مشهد فريد خرج للعالم. ومع مضينا قدما نحو المستقبل، فقد أشارت أحدث توقعات شركة برايس ووتر هاوس كوبرز، إلى احتمالية وصول إسهامات الذكاء الاصطناعي في اقتصاد الشرق الأوسط لنحو 320 مليار دولار بحلول عام 2030. 

بينما نقف على أعتاب عصر رقمي جديد، تتلاشى فيه الحدود بين التكنولوجيا والتعبير الثقافي، ستواصل هذه التقنية المذهلة إعادة تعريف هذه المفاهيم داخل منطقتنا العربية وخارجها.

المستقبل رقمي. المستقبل تعاوني. وقطر ترسم ملامحه اليوم.

شارك المحتوى |
close icon