قيادة التحول التكنولوجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
مقالة ضيف بقلم عمار طبا، نائب رئيس شركة Huawei للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
في عصر التقدم التكنولوجي المتسارع الذي نعيشه اليوم، تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولاً محورياً في مسيرة الرقمنة المدفوعة بميزات التقنيات الحديثة وفي مقدمتها تقنية الجيل الخامس التي أصبحت أحد أدوات التمكين الجوهرية لنمو وتطوير مختلف القطاعات الأخرى. ويبشر ذلك بمشهد جديد لتقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة، ولا يقتصر هذا المشهد على ميزات الرقمنة فحسب، بل يتعداها لمراحل جديدة من الرقمنة الذكية.
مع سعي دول المنطقة لاستمرار زخم الاستثمار بالتكنولوجيا الحديثة نظراً لتأثيرها الإيجابي المثبت على مشهد نمو وتطور الأعمال والخدمات، تحرص دول المنطقة التي امتلكت زمام قيادة الموجة الأولى من نشر شبكات الجيل الخامس على تعزيز نجاحاتها في هذا المجال بالانتقال للمرحلة التالية من شبكات الجيل الخامس وهي الجيل الخامس المتقدم 5G-A. وتسعى لترسيخ الأثر الإيجابي لشبكات الجيل الخامس وتطبيقاتها التجارية وحصد مزيد من الفوائد الأكثر عمقاً والأوسع نطاقاً في مجال تعزيز البنية التحتية بضخ موجة جديدة من المحفزات التي يمتلكها الجيل الجديد من شبكات الجيل الخامس المتقدم، وأهمها السرعات التي تصل لعشرة أضعاف الجيل الخامس.
إطلاق العنان لإمكانات شبكات الجيل الخامس والمرحلة التالية منه
مع بزوغ فجر شبكات الجيل الخامس عام 2019، شهد قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة تحولاً جذرياً بإطلاق مايقارب 28 شبكة، لا تقتصر أهميتها على تعزيز سرعات النطاق الترددي العريض المتنقل فحسب، بل لكونها حجر الزاوية في دعم التطبيقات الناشئة كإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز. كما تمهد هذه التقنيات الطريق أمام مجموعة واسعة من التطورات، بدءاً من الارتقاء بالبنى التحتية للمدن الذكية وحتى الأتمتة الصناعية، عدا عن دورها المحوري في المساهمة ببناء الاقتصادات الرقمية. ويتجاوز دور مزايا شبكات الجيل الخامس المتقدم المزايا التقليدية لتحسين قدرات الاتصال، لتُسهم بإحداث تغيير جذري في تجارب المستهلكين عبر دعم تطبيقات النطاق الترددي العريض عالي السرعة بما في ذلك تقنية بث الفيديو ثلاثي الأبعاد، والتجارب الممتعة لألعاب الواقعين المعزز والافتراضي.
على صعيد الأعمال التجارية، تساهم هذه التقنيات في تحسين الإدراة التشغيلية وجودة الخدمات من خلال أدوات مميزة كمكالمات الفيديو المحسنة، والترجمة الفورية، وواجهات المستخدم التفاعلية، مما يثري التجارب الرقمية وينتقل بها لمرحلة جديدة من الذكاء، تفتح آفاقاً جديدة لتحقيق نماذج جديدة للعائدات في قطاع الخدمات الرقمية.
تطوير مجالات نشر التطبيقات التجارية والاستفادة من قدرات شبكات الجيل الخامس المتقدمة الاستثنائية في منطقة الشرق الأوسط يتطلب تبني نهج شامل لجهود تعاونية متكاملة تشمل الطيف الكامل للمعنيين بهذا المجال من صناع سياسات، وتنظيمات، وموفري منتجات، وحلول، وخدمات. ويجب أن يتم ذلك وسط جو تعاوني منفتح على تبني المعايير والمقاييس الدولية المجمع عليها والمثبت فاعليتها. وفوق ذلك كله، يجب على موفري التكنولوجيا بادىء ذي بدء، ضخ استثمارات ضخمة في مجال البحث والتطوير للوصول للابتكارات اللازمة بحسب طبيعة ومتطلبات وأولويات مختلف الأسواق.
توقع التحولات التكنولوجية المستقبلية
في المستقبل، من المتوقع أن تؤثر العديد من التوجهات الناشئة على المشهد التكنولوجي في المنطقة؛ حيث سيساهم الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة والحوسبة السحابية في رسم ملامح التغيير، مما يوفر فرصاً جديدة للابتكار في مجالات حيوية كالتخطيط الحضري. وهنا يأتي دور الشركات المنتجة للتكنولوجيا في العمل على مواءمة عروضها بشكل استراتيجي دعماً لهذه التحولات، والسعى للارتقاء بقدراتها وفق أولويات دول المنطقة كتطوير حلول المدن الذكية والحكومة الإلكترونية التي تشكّل عناصر أساسية للتنمية الحضرية المستدامة.
وبينما يمضي العالم بخطى متسارعة نحو مزيد من الترابط الرقمي، باتت الحاجة ماسةً اليوم لتبني إجراءات أقوى للأمن السيبراني، ما يسلط الضوء على أهمية رفد مسيرة نشر التقنيات الحديثة بإطار عمل متكامل للأمن السيبراني وحماية الخصوصية يتماشى مع أعلى المعايير العالمية من منظور المتطلبات والتنظيمات المحلية، ويضمن الحفاظ على سلامة وأمان البيانات عبر جميع نقاط الاتصال التشغيلية بدءاً من إدارة سلاسل الإمداد وصولاً إلى حماية بيانات المستخدمين النهائيين.
علاوة على ذلك، تبني مفهوم الاستدامة البيئية يجب أن يكون في صميم فلسفة أعمال شركات التكنولوجيا. ومن هذا المنطلق، تحرص هواوي على توظيف ابتكاراتها التكنولوجية للحد من الآثار البيئية وتعزيز الممارسات المستدامة في مختلف القطاعات؛ ومن هذه الابتكارات حل الطاقة الكهروضوئية الذكي الذي لا يساهم في تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة فحسب، وإنما يساعد كذلك في تقليل البصمة الكربونية بشكل كبير تماشياً مع المساعي العالمية لمواجهة التغير المناخي.
الحديث عن مستقبل الرقمنة وتطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات وتعميم فوائده على بقية القطاعات والصناعات لايمكن أن يتجاهل مطلقاً أهمية العمل على بناء الكفاءات البشرية التقنية المحلية في دول المنطقة، فعلى الرغم من تسارع تطورات التكنولوجيا وأثرها المعمق في حياتنا، يبقى العقل البشري والمواهب والكفاءات البشرية العامل الأهم في منظومة التطور الرقمي المستدام. ويجب الحرص على مد جسور الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات التعليمية والأكاديمية والمنظمات وكافة الأطراف المعنية لتحقيق هدف إعداد الكوادر البشرية التقنية لقيادة المستقبل الرقمي في دول المنطقة.
التمكين الرقمي في المنطقة رحلة معقدة لكن واعدة، تتطلب رؤية استراتيجية واسعة الأفقوالتزاماً من كافة اللاعبين بعملية التحول نحو تسخير التقنيات لتكون عاملاُ محورياً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وإثراء حياة الناس ببناء مشهد رقمي آمن ومستدام للجميع. وبينما نمضي قدماً في هذا التوجه، يجب أن نرتكز بشكل أساسي على الجمع بين التقنيات المتقدمة، والتخطيط المدروس، والمشاركة المجتمعية لتحقيق التطلعات الرقمية الطموحة لهذه المنطقة.