من السيطرة على السوق إلى الإفلاس : قصة فشل شركة كوداك
من السيطرة على السوق إلى الإفلاس : قصة فشل شركة كوداك , متى كانت آخر مرة سمعت اسم شركة كوداك (Kodak) فيها؟ ربما عثرت على كاميرا قديمة تحمل الاسم، أو أنك وجدته مطبوعاً على الجهة الخلفية لصور فوتوغرافية قديمة. وإن كنت شاباً كفاية فربما لم تسمع باسم كوداك أصلاً. لكن ما يبدو اليوم كعلامة تجارية طي النسيان ومجهولة تماماً كان خامس أهم علامة تجارية في العالم، حيث كانت كوداك أكبر شركة مختصة بالتصوير وبفارق هائل، حتى أنها سيطرت على حوالي 90% من سوق الأفلام الفوتوغرافية لسنوات طويلة.
في عام 2012 أعلنت شركة كوداك إفلاسها راسمة نهاية لوجودها الممتد لأكثر من قرن من الزمن، لكن على عكس الشركات الأخرى لم تفشل كوداك لأنها لم تكن تحرص على الاختراع والاكتشاف حقاً، بل أن فشلها بالكامل مرتبط باختراع الكاميرا الرقمية، والأغرب ربما هو أن الشركة نفسها هي من اخترع الكاميرا الرقمية لكنها فشلت في النظر إلى المستقبل وتمسكت بالماضي بشكل أدى إلى انهيارها.
هنا سنتناول قصة شركة كوداك الأمريكية، وكيف من الممكن لشركة عملاقة لطالما كانت الرائدة في مجالها أن تفشل بسبب اختراع هي من قام بتقديمه أصلاً.
الاختراعات السابقة والكاميرا الرقمية
تأسست شركة كوداك أصلاً منذ القرن التاسع عشر، وفي سنواتها الأولى بنت الشركة نجاحها على الاختراعات التي واظبت على تقديمها بشكل دوري. حيث كانت كوداك أول من اخترع الفيلم القابل للف داخل الكاميرا، بالإضافة للكاميرات القديمة القابلة للإغلاق والحمل بسهولة وحتى استديوهات وعدد تحضير الأفلام البسيطة التي سمحت للمبتدئين القيام بتحضير صورهم الفوتوغرافية بأنفسهم.
على مر السنوات تصدرت تقنيات كوداك مجال الكاميرات، وحتى أنها كانت من أوائل مطوري الأفلام الملونة، كما كانت صاحبة فكرة تسويقية من الأكثر فعالية ربما: تضمين سعر تحضير الفيلم عند شراءه، مما أعطى للشركة احتكاراً شبه كامل لسوق الأفلام الفوتوغرافية وتحضيرها. وبالوصول إلى السبعينيات كانت الشركة تمتلك 90% من مجال بيع الأفلام وهو إنجاز لا يضاهى بالطبع.
في عام 1975 بدأ موظف كوداك الشاب Steven Sasson مهمة كبرى في الشركة: تطوير أول كاميرا تستخدم حساسات إلكترونية لالتقاط الصور وتخزينها رقمياً بدلاً من الحفظ على فيلم. وبعد جهود امتدت عامين كانت النتيجة هي أول كاميرا رقمية في التاريخ، ومع أن الكاميرا كانت تزن حوالي 4 كيلوجرامات وتلتقط صوراً بدقة 100×100 فقط فقد كانت قفزة هائلة بالنسبة لكونها أول كاميرا رقمية على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: أفضل كاميرات المبتدئين في : سوف نساعدك على اختيار الأنسب لك
لماذا تجاهلت كوداك الكاميرا الرقمية؟
عندما تم تقديم الكاميرا الرقمية لإدارة كوداك للمرة الأولى، لم تكن ردة الفعل حماسية حقاً كما توقع Sasson، بل أن الإدارة أخبرته أن “الاختراع لطيف، لكن أبقه مخفياً” لأن الشركة لا تفكر بالاستثمار في الكاميرات الرقمية. في الواقع لم تصدر كوداك كاميرتها الرقمية الأولى حتى عام 1991 بعد 14 عاماً من الاختراع.
مع أن الأمر يبدو غريباً للغاية عند التفكير به اليوم، فقد كان لدى مدراء كوداك مبرر مقنع ربما في تلك الفترة. فالشركة التي بنيت بشكل كامل على مبيعات الأفلام وأوراق طباعة الصور لا تريد أي اختراع من الممكن أن يهدد مجال عملها الأساسي، وفكرة إصدار كاميرا رقمية حينها كانت مجرد طرح منافس لمنتجاتها الموجودة مسبقاً، وبالطبع لا توجد شركة تريد لأحد منتجاتها أن يقضي على منتج آخر، وبالأخص إن كان المنتج الجديد لا يجلب نفس كمية العائدات السابقة.
المشكلة في الكاميرا الرقمية من وجهة نظر كوداك هي أنها لا تتطلب أي فيلم أو تحضير أبداً، بل أن كل ما يحتاجه الأمر هو الكاميرا وحاسوب توصل به. وبالنسبة لشركة تحقق عائدات بالمليارات من مبيع الأفلام وأوراق الطباعة كان الأمر يبدو أقرب للخسارة في الواقع.
من منظور مسؤولي كوداك كانت فكرة التصوير الرقمي نفسها غير مشجعة، إذ أن العملاء يريدون صوراً يستطيعون الإمساك بها وتخبيئها دون الاعتماد على وسيط رقمي وحتى إرسالها بالبريد، لكن يبدو أن الشركة لم تكن مدركة حقاً لما سيحمله المستقبل، وبالنتيجة دفعت الثمن غالياً.
اقرأ أيضاً: أفضل كاميرات بوينت اند شوت ديجيتال في 2019
محاولة لحاق السوق المتأخرة وبداية النهاية
بينما كانت كوداك تتجاهل فكرة الكاميرات الرقمية أصلاً، فقد بدأت العديد من الشركات الأخرى بالتجربة في المجال، والعديد منها حصل على تراخيص استخدام تصميمات كوداك حتى. لكن كوداك استمرت بالتجاهل المستمر للأمر حتى عام 1991 عندما رضخت أخيراً وأطلقت كاميرا شبه رقمية. حيث كانت الكاميرا هجينة في الواقع حيث أن مهمة الحساس الرقمي فيها هو استعراض الصورة التي يتم التقاطها على فيلم فقط.
بعد فشل هذه الفكرة بدأت كوداك بإنتاج كاميرات رقمية حقيقية، لكن التركيز بقي على الطباعة وكون الطريقة الوحيدة للاستمتاع بالصور هو حفظها ورقياً بدلاً من رقمياً. وحتى أن الشركة قدمت موديلات كاميرات وطابعات قابلة للوصل مباشرة دون الحاجة لوجود حاسوب أصلاً.
المشكلة الأساسية في دخول كوداك إلى المجال هو أنها أتت متأخرة للغاية لمنافسة العديد من الشركات الأخرى، كما أنها كانت واستمرت بالتعامل مع الفيلم كمنتجها الأساسي وبالأخص أن مبيعاتها من الكاميرات التقليدية والأفلام استمرت بالنمو خلال التسعينيات في الواقع.
مع مطلع الألفية بدأت الأمور بالتغير بسرعة، إذ انخفضت مبيعات الكاميرات التقليدية بسرعة كبيرة، ومع أن مبيعات الفيلم استمرت بالنجاح بحيث حققت كوداك أفضل عائدات في تاريخها عام 2008، فالأمر كان محتوماً، وبحلول عام 2012 كانت الشركة قد أشهرت إفلاسها على أمل إعادة تنظيم ديونها وهيكلة نفسها بشكل أفضل للتعايش مع الحقبة التالية.
ماذا حل بشركة كوداك بعدها؟
مع أن الشركة أعلنت إفلاسها عام 2012 وتوقفت عن تصنيع الكاميرات تماماً (عادت بعدها لتصدر عدة كاميرات رخيصة فشلت بشدة)، فالإفلاس لم يكن النهاية حقاً. بل تم إعادة هيكلة الشركة لتتمكن من النجاة والاستمرار ولو بشكل أصغر بكثير من السابق. إذ تحولت الشركة الأكبر في مجال التصوير الفوتوغرافي إلى تقديم الخدمات للشركات الكبرى اليوم.
لفترة من الزمن حاولت كوداك الدخول في بعض المجالات الجديدة، إذ جربت الكاميرات الرقمية الرخيصة دون فائدة، كما أصدرت هاتفاً ذكياً فشل تماماً، ومن ثم حاولت الدخول في عالم العملات الرقمية وطرق تعدينها دون جدوى.
تعمل كوداك اليوم في مجالات الطباعة التقليدية وثلاثية الأبعاد والتغليف بالإضافة إلى الحلول البرمجية مع قطاع صغير للأفلام الفوتوغرافية. ومع أن عائدات الشركة اليوم لا تزال كبيرة نسبياً (حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي) فهي أصغر بكثير من أيام مجد الشركة عندما كانت المسيطرة في صناعتها قبل أن تترك الطريق لشركات مثل Canon وNikon للسيطرة على المجال.
بالمحصلة أهم ما يمكن ملاحظته من قصة كوداك هو أهمية التنبؤ بالمستقبل وتمييز الاختراعات الهامة منذ البداية، حيث أن الشركة ازدهرت في الفترة التي تبنت فيها تقنياتها الهامة لكنها فقدت معظم أهميتها وقيمتها عندما فشلت في إدراك أهمية اختراعها للكاميرات الرقمية.