عداوة بالمليارات: ما هو سر الخلاف المستمر بين جيف بيزوس وإيلون ماسك؟
إن نظرت إلى قائمة أثرى الأشخاص في العالم، ستلاحظ اسم كل من جيف بيزوس وإيلون ماسك ضمنها، وقرب القمة عادة. حيث جنى كل منهما ثروة عملاقة من بناء الشركات وقيادتها وتوسيعها، كما يحاول كل منهما التوسع نحو مجالات جديدة. لكن وإن كنت تتابع أخبار أي منهما، فالعداوة بين ماسك وبيزوس ليست سراً، بل أنها أمر علني تماماً. ومع أن الأمور تبدو هادئة لفترات ممتدة أحياناً، عادة ما يأتي تصريح جديد من حين لآخر للتذكير بها.
هنا سنتناول أساس العداوة بين الشخصيتين المعروفتين في الوسط التقني: الفضاء واستكشافه. وسنتناول أهم الأحداث التي تضمنها الخلاف. لكن أولاً ربما عليك قراءة مقالنا السابق: برانسون، بيزوس، ماسك: 3 أثرياء، 3 شركات، و3 خطط مختلفة لاستعمار الفضاء حيث تناولنا فيه تأسيس شركتي Blue Origin وSpaceX ومخططاتهما العامة.
أصل العداوة قديم للغاية، ويعود إلى عام 2004
في عام 2004 التقى كل من ماسك وبيزوس على العشاء لمناقشة موضوع مهم لكل منهما وشغف رافقهما منذ زمن: استكشاف الفضاء. حيث كان كل منهما قد أسس شركته الخاصة بالفضاء وكانا يعملان بنفس الاتجاه تقريباً مع كون الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام هي الهدف. لكن وفي ذلك الوقت كانت شركة ماسك متقدمة بوضوح على شركة بيزوس، مع أنها تأسست بعدها بحوالي عام.
تضمن العشاء المشترك لماسك وبيزوس الحديث عن تقنيات السفر إلى الفضاء. وقال ماسك أنه وجه النصائح لبيزوس حول التقنيات المستخدمة في مجال إعادة استخدام الصواريخ. لكن يبدو أن التوتر كان موجوداً منذ البداية، وكان كل من بيزوس وماسك ينظر للأخر بشكل سلبي ويفسر سلوكه على أنه عدواني.
سنوات من الهمود قبل عودة العلاقة للتوتر
في الأعوام التالية، بقي كل من المليارديرين هادئاً وإلى حد بعيد صامتاً تجاه الطرف الآخر، وانشغلت الشركتان بتطوير تقنياتهما. لكن وبالوصول إلى عام 2013 عادت الأمور للاشتعال مجدداً. حيث حصلت شركة SpaceX على حق استخدام منصة إطلاق تابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا. لكن أتت المفاجأة من تقديم شركة Blue Origin لعريضة لمحاولة منع حصرية منصة الإطلاق للشركة فقط.
كان تبرير بيزوس هو أنه من الأفضل أن تكون منصة الإطلاق مفتوحة تجارياً ويمكن للجميع استئجارها مثلاً. لكن رأى ماسك الأمر على أنه محاولة منع لتقدم شركة SpaceX وبالأخص كونها تسبق Blue Origin بوضوح. وانتقد ماسك شركة بيزوس وبالأخص كونها متأخرة بوضوح مع أنها قضت أكثر من 10 أعوام على التطوير. لكن وبالمحصلة انتصرت شركة SpaceX وحصلت على حقوق استخدام منصة الإطلاق.
قضايا محاكم وبراءات اختراع
في عام 2014 حاولت شركة Blue Origin الحصول على براءة اختراع لمركبات مسيرة تسهل هبوط أجهزة الدفع الصاروخية. وبسرعة رأى ماسك أن الأمر سيشكل تهديداً لشركته إن قررت استخدام التقنية مستقبلاً. لذا طعن ماسك في براءة الاختراع وركز على أن الحديث عن التقنية يعود لعقود مضت وليس من صنع شركة بيزوس. وبالمحصلة أرغمت شركة Blue Origin على سحب معظم ادعاءاتها في براءة الاختراع.
لم تكن تلك آخر قضية بين الشركتين. حيث عادتا للخلاف في العديد من المناسبات التالية، وكلما حاولت إحداهما تسجيل تقنية جديدة، تكون الأخرى بالانتظار. حيث تحاول كل من الشركتين تصيد أي شيء تستطيع استخدامه تجاه الأخرى، ويستمر ذلك بوضوح إلى الوقت الحالي.
سخرية علنية من إنجازات الآخر
في عام 2015 شارك بيزوس سعادته الشديدة بإنجاز شركته بإعادة استخدام محرك دفع صاروخي. حيث نشر فيديو يظهر هبوط الصاروخ مع وصفه بأنه من أندر الأشياء الموجودة. لكن سرعان ما أتى الرد من ماسك الذي سخر من تعبير أن الصاروخ أو الإنجاز نادر حقاً. حيث ذكر ماسك صاروخ شركته المسمى Grasshopper والذي كان قد حقق إنجازاً مشابهاً قبل 3 أعوام.
عاد بيزوس بعدها ليرد الجميل عندما نجحت شركة SpaceX بجعل المرحلة الأولى من صاروخ Falcon 9 تهبط بسلام. وذكرهم بدوره بأن شركته كانت سباقة في المجال. وتكرر هذا السلوك عدة مرات لاحقاً. حيث يقوم كل من الثريين بتهنئة الآخر على الإنجاز عند حدوثه، لكن عادة ما يكون هناك بعض السخرية والانتقاد المبطن.
مواضيع قد تهمك:
- تعرف على ريتشارد برانسون: الملياردير خلف أول رحلة سياحية إلى الفضاء
- أول رحلة سياحية إلى الفضاء كل ما تحتاج لمعرفته عن الإنجاز الهائل الجديد
هناك خلافات أعمق ربما من موضوع الفضاء
ربما تكون عداوة ماسك وبيزوس ناتجة عن الفضاء في البداية على الأقل، لكن الأكيد هو أن هناك عداوة حقيقية ومستمرة من النواحي الأخرى. حيث سبق وأن وصف ماسك بيزوس بأنه يقلده ويستنسخ أفكاره. حيث كانت شركة Blue Origin قد كشفت عن مخططات لخدمة إنترنت فضائي. كما كانت أمازون قد اشترت شركة تعمل على تطوير سيارات أجرة مع قيادة ذاتية. وبالطبع فالإنترنت الفضائي والقيادة الذاتية هي مجالات تتفوق فيها شركات ماسك دون شك.
في الواقع هناك خلافات أخرى تظهر كل حين وحين من التصريحات. لكن وبينما تكون انتقادات ماسك موجهة وواضحة مثل مناداته بتفكيك أمازون لأنها محتكرة في واحدة من المناسبات. يتبع بيزوس أسلوباً مختلفاً ويبقي انتقاداته مخفية نوعاً ما. حيث انتقد فكرة السفر والاستيطان على المريخ وشبهها بالخيال إلى حد بعيد. ومع أن هذا ليس هجوماً مباشراً على ماسك، فهو واضح كفاية بسبب ارتباط ماسك والمريخ الواضح منذ زمن.
القمر يعيد الخلافات من جديد
بعد فترة من الهدوء النسبي وحتى قيام بيزوس بتهنئة ماسك على عدة إنجازات دون الإضافات الساخرة المعتادة، عادت الأمور لتسوء. والسبب هو عقد لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا لبناء مركبة تهبط على القمر وتعيد البشر إلى هناك. وبالطبع فقد كانت كل من Blue Origin وSpaceX تعملان منذ وقت وبجد على مشاريعهما للأمر. لكن أتت النتيجة كصدمة لجيف بيزوس، عندما تم قبول مخطط SpaceX وحيداً رغم وجود احتمال قبول مشروعين معاً.
بسرعة طعنت شركة بيزوس بالقرار مركزة على وجود مكانين محتملين للعقد الذي تزيد قيمته عن 3 مليارات دولار. لكن أتى الرد بعدها بأن تقييم المشروعين أظهر أن مشروع SpaceX متفوق من كل النواحي ولا فائدة ترجى من قبول الآخر. لكن حتى مع هذه الهزيمة لم يستسلم بيزوس بل بدأ قضية ضد ناسا نفسها مما جمد العقد ككل حالياً.
في الوقت الحالي يبدو أن مشروع ناسا لتطوير مركبة تعيد البشر إلى القمر متوقف بشكل مؤقت. والأرجح أن تبقى الأمور على حالها ريثما يستسلم بيزوس أو يكون الحكم بالاتجاه الآخر ربما.