ما هو سبب الصعود الصاروخي لأسعار العملات الرقمية عام 2017؟
في عالم اليوم باتت العملات الرقمية معروفة للنسبة الأكبر من الأشخاص في الواقع، فمع أن الغالبية العظمى لا تستخدم هذه العملات سواء للتعامل التجاري أو حتى الاستثمار، فالواقع هو أن أسماء بيتكوين وإيثيريوم وريبل وسواها قد باتت مألوفة كفاية للكثيرين بشكل غير معهود في الماضي. فقبل عام 2017 كان من الصعب أن تجد أحداً قد سمع بالعملات الرقمية المشفرة أصلاً، وبالطبع فمهمة إيجاد شخص يفهم ما هي أو أنه يمتلك عملات رقمية كانت تميل للاستحالة في معظم الأوساط.
اليوم باتت العملات الرقمية أمراً معروفاً في عالم الاستثمار وبين العامة ممن يمتلكون اهتماماً ولو طفيفاً بالمجال التقني، والسبب في ذلك هو الصعود الصاروخي الذي شهدته العملات الرقمية عام 2017 والذي نقلها من أمر مجهول للغاية إلى واحدة من أشهر الأمور وحديث الساعة حتى لذلك الوقت على الأقل. لكن السؤال الذي لا يزال يخطر للكثيرين هو ما مصدر هذا الصعود أصلاً؟ ولماذا ارتفعت قيمة العملات الرقمية بشكل هائل بحيث أن بعض العملات ارتفع سعرها مئات المرات حتى.
لتعرف ما حصل عام 2017 باختصار هو أن العملات الرقمية عموماً ارتفعت بشكل جنوني حتى نهاية العام، قبل أن تنهار بشكل دراماتيكي بعدها. إذ ارتفعت بيتكوين من بضعة مئات دولارات مطلع 2017 لتصل إلى قرابة 20,000 دولار أمريكي نهاية العام، ومن ثم فقدت حوالي 80% من القيمة الجديدة بسرعة (ولو أنها عادت لترتفع وتنخفض العديد من المرات بعد ذلك).
في هذا الموضوع سنحاول الإجابة على سبب الصعود الذي شهدناه عام 2017، وما هي الأسباب المتعارف عليها له، بالإضافة لأسباب مقترحة بأبحاث علمية ترسم شكلاً مختلفاً تماماُ وأكثر ظلمة لعالم العملات الرقمية ككل.
من أين تأتي قيمة العملات الرقمية أصلاً؟
يمكنك الاطلاع على موضوعنا السابق عن مصدر قيمة العملات الرقمية لشرح أكثر تفصيلاً، لكن وباختصار تأتي قيمة العملات الرقمية من عدة أمور مفترضة مثل الإيمان بأهمية العملة ومستقبلها كوسيط التعامل المالي الأهم عبر الإنترنت، أو حتى النظر إليها كمقتنىٍ نادر سترتفع قيمته مع الزمن. وبالطبع فالمصدر الأهم لقيمة هذه العملات هو إيمان مالكيها ومن يشترونها بأن هناك من يستطيعون بيع العملة له بسعر مماثل لسعر الشراء أو أعلى منه حتى مستقبلاً.
الأمر هنا مجرد تخمين غير قابل للإثبات، لكن يبدو أن قيمة العملات الرقمية اليوم تبدو اعتباطية نتيجة افتقادها لأية قيمة محسوسة بشكل مباشر أو غير مباشر. لذا فهذه العملات متقلبة بشكل هائل كما يعرف الجميع، وباستثناء العملات المستقرة (التي لا تهمنا في هذا الحديث) فسعر العملات الرقمية تابع تماماً للعرض والطلب.
الارتفاعات السابقة والانهيارات للعملات الرقمية
في حال أردنا الحديث عن الماضي فربما من الأفضل أن نلتزم بعملة بيتكوين كونها أقدم عملة رقمية على الإطلاق بصدورها منذ عام 2009، وبالنظر إلى تاريخ العملة من الملحوظ أن هناك هالة دائمة من التقلب لكن أهم ما يحصل كل مدة من الزمن هو ارتفاع سريع الوتيرة لسعر العملة بحيث يتضاعف سعرها عدة مرات، ومن ثم تحطم سريع للسعر يعيد العملة إلى أسعارها السابقة للارتفاع السريع أو أرخص منها حتى.
تكررت ارتفاعات وانهيارات بيتكوين عدة مرات عبر تاريخها، إذ كانت تحدث مرة كل عام أو عام وبضعة أشهر عادة وتتراوح شدتها. لكن أياً منها لم يترك الأثر الهائل الذي تركه ارتفاع عام 2017.
عند الحديث عن الارتفاعات المفاجئة السابقة في بيتكوين وسواها هناك دائماً مشتبه به أساسي: التلاعب بالسوق عبر شراء كمية كبيرة من العملة بسرعة، مما يعطي انطباعاً بارتفاع حاد بالطلب مما يرفع السعر بشكل كبير. وعندما يصل السعر إلى الذروة، تعكس العملية وتباع العملات التي تم شراؤها مع ربح هائل، لكن هنا يظهر الطلب منهاراً والعرض كبيراً مما يتسبب بانخفاض سريع للعملة.
ما الذي حصل حقاً عام 2017؟
الإجابة على الأمر بشكل قطعي غير ممكنة بالطبع، بل أننا قد لا نعرف السبب الحقيقي على الإطلاق. لكن حالياً هناك 3 وجهات نظر متنافسة على السبب وهنا سنتناول كلاً منها:
نظرية الارتفاع الطبيعي
بالنسبة للكثير من محبي مجال العملات الرقمية والمستثمرين في المجال هناك ما يبدو أشبه بإجماع على أن ما حصل لم يكن سوى ارتفاع منطقي نظراً لازدياد الطلب على العملات الرقمية بسبب تبني المزيد من الأشخاص لها، وحتى تلقي الدعم من مؤسسات مالية كبرى دخلت في المجال.
المشكلة في هذا التفسير هي أنه متفائل جداً وغير واقعي أبداً، فالعملات الرقمية وعلى الرغم من نمو سعرها الهائل لم تحقق أية مكاسب كبرى خلال فترة الارتفاع أو بعدها، فالدفع باستخدام العملات الإلكترونية لا يزال محدوداً كما كان، كما أن الشركات التي دخلت على الخط عندما ارتفعت الأسعار سرعان ما انسحبت بسرعة وتراجعت عن مخططاتها للمجال.
النظر إلى الارتفاع على أنه مدفوع بفعل ازدياد أهمية العملات الرقمية هو أمر بعيد عن الواقع ببساطة. والدليل عليه هو أننا وبعد سنوات لا نزال في نفس المكان في الواقع من حيث استخدام العملات الرقمية كوسيلة دفع.
النظرية الأوسع قبولاً: دورة التغذية المتواصلة نتيجة الإعلام
وفق هذه النظرية التي تعد الأكثر اتفاقاً عليها ربما فقد بدأ الأمر بارتفاع ملحوظ في أسعار العملات الرقمية لأسباب طبيعية، لكن الارتفاع صنع بعض الأثرياء من المستثمرين القدامى في بيتكوين مثلاً. بالنتيجة رأي العديد من مشاهدي ما قاله الإعلان أن شراء بيتكوين ربما يكون فكرة جيدة على أمل ارتفاع السعر لاحقاً.
نتيجة الإقبال الأكبر على شراء بيتكوين ارتفع سعرها أكثر، وبات هناك المزيد والمزيد من الأثرياء الناتجين عنها، وبالتالي قان الإعلام بتغطية حالات الثراء الكبرى الناتجة مجدداً متسبباً بدوره بإكمال الحلقة التي تستمر بتغذية نفسها. فسعر العملات الرقمية يستمر بالارتفاع مع التغطية والتغطية تزداد بارتفاع السعر.
بالطبع هناك حد لما قد يتمكن من الإعلام من فعله لرفع سعر العملة، ومع الوقت ستصل أسعار العملة إلى الحد الأقصى بعدما يتم استنفاذ كامل المشترين المحتملين وبالتالي ينخفض الطلب، وهنا يعود السعر للانخفاض بسرعة عندما يحاول العديد من الأشخاص الحصول على أرباحهم ببيع بيتكوين التي يمتلكونها.
نظرية التلاعب بالسوق
في كل مرة سابقة شهدت العملات الرقمية فيها ارتفاعاً هائلاً دائماً ما كان التلاعب بالسوق حاضراً وبقوة كسبب محتمل. فمع أن هذا التصرف غير قانوني أبداً في مجالات الأسهم والعملات العادية مثلاً، فالعملات الرقمية عرضة له دون شك ووفق وجهة نظر تزداد شعبية مؤخراً ربما يكون هذا هو السبب حقاً.
وفق بحث نشره بروفيسوران في علم الاقتصاد عام 2018 فالارتفاع الذي حصل عام 2017 هو نتيجة تلاعب بالسوق دون شك، وذلك من قبل جهة أو مجموعة من الجهات المختلفة التي كانت تشتري عملة بيتكوين بمجرد هبوط سعرها عن حد معين وبالتالي تستمر العملة بالارتفاع نتيجة استمرار الطلب الوهمي عليها.
في الواقع عاد الباحثان الذان أجريا الدراسة عام 2018 إلى تأكيدها مع نهاية عام 2019 وإضافة معلومات جديدة: الطرف المسؤول عن رفع سعر بيتكوين ومعها سوق العملات الرقمية بكامله هو منصة تداول كبرى باسم Bitfinex، وهي المنصة التي تمتلك عملة Tether المستقرة والتي يفترض أن يكون سعرها ثابتاً مقابل الدولار.
لكن وفق الورقة البحثية فقد كانت إدارة Tether تصدر العديد من العملات الجديدة دون أي غطاء نقدي عند الحاجة وتستخدم هذه العملات لشراء بيتكوين ورفع سعرها عند الحاجة. ووفق الباحثين فهذا التفسير هو الوحيد المتوافق مع البيانات التي تظهر تدفقاً هائلاً لعملة Tether في كل مرة كان ينخفض فيها سعر بيتكوين وبعد التدفق في السوق تعود بيتكوين للارتفاع.
مع أن مسؤولي Bitfinex قد أنكروا التهم الموجهة إليهم بشدة، فالشركة تحت التحقيقات الأمريكية منذ عام 2017 في الواقع، ومع أن التهم لم توجه حتى اللحظة فالتحقيقات لا تزال مستمرة في قضايا احتيال وتغطية خسائر وفقدان أصول وبالطبع التأثير على سعر بيتكوين خلال الارتفاع الصاروخي عام 2017.
مع الوقت من الممكن ألا نعرف السبب الحقيقي خلف ما حدث أصلاً، لكن من يدري فربما أن تحقيقات حالية أو مستقبلية ستكشف ما حصل حقاً.
هل يمكن أن يعاد سيناريو 2017 مجدداً؟
أخيراً وبالنسبة لاحتمال تكرر ما حصل عام 2017، فالأمر يبدو مستبعداً للغاية في الواقع. ففي حال كان صعود 2017 طبيعياً تماماً فهو لن يتكرر، وإن كان نتيجة الإقبال الجماهيري فهذا أيضاً يعني أنه لن يتكرر.
لكن نظرياً على الأقل من الممكن لطرف يمتلك قدرة مالية كبيرة كفاية أن يتلاعب بسوق بيتكوين مجدداً، ومع أن الأمر سيكون أصعب من السابق بسبب السعر المرتفع حالياً، فالاحتمال يبقى قائماً ولو أن التلاعب سيكون تحت رقابة كبيرة جداً هذه المرة على عكس الأمور في 2017.