صعوبات تكنولوجية في الشرق الأوسط: 92% من القادة يثقون بالتكنولوجيا و43% فقط يعتقدون أن أنظمتهم جاهزة لمواجهة تحديات المستقبل

مقال ضيف بقلم بيتر بيل، نائب الرئيس الأول والمدير التنفيذي لدى كيندريل الشرق الأوسط وأفريقيا
في ظل عالمنا الرقمي الذي يتسم بالتطور السريع، لا تقتصر المرونة على كونها مطلباً، بل إنها أصبحت ضرورة ملحّة لمواجهة التهديدات المتزايدة. وبينما ينصب التركيز غالباً على المجرمين الإلكترونيين وقدرتهم على إرباك سير الأعمال، يوجد هناك تهديد مهم آخر غالباً ما يغفل عنه الكثيرون، ألا وهو البنية التحتية القديمة لتكنولوجيا المعلومات.
رغم أن 92% من قادة الأعمال في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يعربون عن ثقتهم في أنظمة تكنولوجيا المعلومات الحالية لديهم، إلا أن 43% فقط منهم يعتقدون أن هذه الأنظمة جاهزة للتعامل مع التحديات المستقبلية، وفقاً لتقرير الجاهزية الأخير من كيندريل. وتسلط هذه الفجوة الضوء على ضرورة تحديث البنى التحتية القديمة، بالتوازي مع استمرار نمو الطلب على المرونة السيبرانية.
قد يكون الاعتماد على أجهزة وبرامج قديمة لتوفير الخدمات الأساسية للأشخاص في جميع أنحاء العالم غير فعال، كما أن صيانتها تكون مكلفة جداً، فضلاً عن أن هذا النهج يترك المؤسسات عرضة للهجمات الإلكترونية، ما قد يؤدي إلى اضطرابات تصيب أنشطة الشركات، وما يحمله ذلك من عواقب وخيمة.
حتى نفهم ذلك ببساطة، تخيل محاولة حماية قلعة جدرانها متصدعة، ومهما كانت البوابات قوية، تبقى نقاط الضعف موجودة. وعن طريق تحديث الأنظمة القديمة، يمكن للمؤسسات تحقيق مكاسب مالية مستدامة، كما تعمل على تعزيز الابتكار وترسيخ حالة من المرونة الإلكترونية الحقيقية التي تمكنها من حماية نفسها والتعافي من المواقف الصعبة.
مع تقدم المؤسسات في جهود التحديث، سيكون من المؤكد ظهور تهديدات. وهنا يجب على قادة التكنولوجيا تعزيز الدفاعات، تماماً مثل تأمين النوافذ وإغلاق الأبواب لمنع المتسللين من الدخول. لكن يجب عليهم عدم تجاهل «الشقوق الكامنة في الأساس»، لاسيما وأن جميع التدابير الأمنية تكون عديمة الجدوى إذا كان الهيكل الأساسي غير مستقر.
كلما طالت مدة بقاء التقنيات القديمة، يزداد حجم المخاطر الأمنية التي تهدد الشركة.
مخاطر يمكن تفاديها
تتوقع شركة «فروست آند سوليفان» أن تصل قيمة سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الشرق الأوسط إلى 95.05 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2025، ويعود الفضل في ذلك إلى الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وإنترنت الأشياء. وأدت الاستثمارات في هذه التقنيات خلال السنوات الأخيرة، إلى تغيير طرق العمل وأماكنه، ومع تسارع الشركات نحو العمل الافتراضي، تم اتخاذ بعض القرارات بشكل متسرع. وانتقلت العديد من الشركات إلى السحابة بدون اتباعها عملية تخطيط منظمة، معتمدةً في ذلك على أدوات متعددة وحلول سريعة أدت إلى وضع المزيد من الأعباء على بيئات تكنولوجيا المعلومات، وتراكم الديون التقنية، بينما بقيت الأنظمة القديمة على حالها دون تحديث.
إن الاعتماد على بنية تحتية قديمة أو البناء عليها من شانه أن يعرّض الشركات لمخاطر غير ضرورية. فمع ظهور تقنيات جديدة، تُصبح التقنيات القديمة غير مدعومة، وتنتهي فترة تحديثاتها الأمنية. ومع ذلك، لا تزال العديد من الشركات تعتمد على هذه الأصول التي انتهت صلاحيتها، حالها في ذلك حال الأشخاص الذين يعتمدون على سيارات قديمة بعد التوقف عن تصنيع قطع الغيار اللازمة لها.
يشير تحليل أجرته شركة «ماكينزي» إلى أن بناء التطبيقات على بنية تحتية قديمة، يمكن أن يحدّ من قدرة الشركات على دخول المنافسة مع نظيراتها. وأظهر التحليل ذاته أيضاً أن تحديث الأنظمة يؤدي إلى فوائد مالية واضحة، إذ تنخفض تكاليف تشغيل منصات التكنولوجيا المالية الحديثة بنسبة 10% مقارنة مع تكاليف البنوك التي تعتمد على الحلول التقليدية.
وإذا لم تكن الفوائد التنافسية والتكاليف المنخفضة أسباباً كافية لتحديث البنية التحتية، توجد هناك تحديات إضافية قد يواجهها قادة الأعمال عند تأخير اتخاذ الإجراءات. ومن بين هذه التحديات أن التقنيات القديمة تفتقر إلى معايير تشفير قوية، في حين تلوح في الأفق التقنيات القادرة على كسر التشفير مثل الحوسبة الكمومية. يضاف إلى ذلك أن هذه التقنيات تعتمد على لغات برمجة قديمة قد تعيق التحديث، وتؤدي إلى إبطاء عجلة الابتكار، مع اتساع فجوة المهارات في الحوسبة المركزية.
التعامل مع التقنيات القديمة
إن المؤسسات التي تأخرت في معالجة تقنياتها القديمة قد تجد نفسها بحاجة إلى الإسراع لمواكبة جهود التحديث الحكومية. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، قدمت هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية «لائحة ضمان المعلومات»، بهدف إنشاء معايير أمنية قوية للمعلومات والأنظمة الداعمة في جميع المؤسسات، وصولاً إلى بناء بيئة رقمية آمنة على مستوى الدولة.
أما في المملكة العربية السعودية، يفرض إطار الأمن السيبراني لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) تدابير أمنية شاملة للبنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية. وتحدد مبادئ معلومات التهديدات السيبرانية لأفضل الممارسات لمعالجة ومشاركة التهديدات، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز قدرة القطاع المالي على تحديد التهديدات السيبرانية والتعامل معها بفعالية.
يمكن للمؤسسات الشروع باتخاذ خطوات للتعامل مع التكنولوجيا القديمة عبر تحديد الأصول القديمة أولاً، وفهم دورها في العمليات الحيوية، وتحديد أقصى مدة انقطاع يمكن تحملها. ومن المرجح أن يؤدي القليل من الاضطراب المؤقت في الوقت الراهن إلى فوائد طويلة الأجل، إذ يجب أن تحظى المكاسب المستقبلية بالأولوية قبل التكاليف التي تظهر في المدى القريب.
ينبغي للمؤسسات الالتزام أيضاً بدورات تحديث الأجهزة، لأن أعطال الأجهزة تظل أحد أخطر أسباب توقف الأعمال وأكثرها شيوعاً. ولا تزال الأنظمة القديمة تشكل تحدياً للمؤسسات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث أشار أكثر من ثلث هذه المؤسسات إلى أن الطبيعة المجزأة لبيئة تكنولوجيا المعلومات تمثل عقبة رئيسية في رحلتها الرقمية. ويتحتم على الشركات تطبيق سياسات صارمة لتحديث البرمجيات وإجراء فحوص منتظمة للتأكد من صحة الحواسيب المركزية.
تؤدي جهود تحديث الحواسيب المركزية على نطاق أوسع إلى منح المؤسسات مزيداً من المرونة، نظراً لاعتماد العديد من الشركات على تقنية الحوسبة المركزية في العمليات الحيوية. وتتبنى معظم المؤسسات اليوم نهجاً هجيناً للتحديث، لكن أي مسار من هذا القبيل يمكن أن يؤدي إلى زيادة الربحية.
صحيح أن الجهود المقبلة قد تبدو شاقة، لكن التقنيات القديمة تتيح فرصة لتحويل الثغرات الأمنية إلى أصول قيمة. وبناءً على ما تقدّم، يتعين البدء في جهود التحديث هذه فوراً نظراً لأهميتها لتحقيق أقصى قدر من الفوائد الأمنية والموثوقية.