شبكات الجيل الخامس أوصلت الإنترنت إلى المناطق النائية – مقابلة مع رئيس GSMA الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
استضافت المملكة العربية السعودية مؤخراً مؤتمر M360 الذي تنظمه رابطة GSMA العالمية، ويعنى هذا المؤتمر بقضايا التحول الرقمي وآفاقه المستقبلية، وهو يحشد أبرز الرواد والمهتمين في المجال الرقمي وقطاع الاتصالات. وخلال حضورنا للمؤتمر المقام مؤخراً في الرياض، تسنت لنا الفرصة للقاء السيد جواد جلال عباسي، رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى GSMA، وطرحنا عليه الأسئلة التالية.
ما مميزات منطقة الشرق الأوسط في مجال عملكم؟
تتميز المنطقة العربية بأنها تجمع بين الدول الغنية المتقدمة، والدول متوسطة الدخل، والدول الفقيرة، والدول الأقل تطوراً. وبذلك تضم المنطقة العربية بلداناً تندرج ضمن التصنيفات الأربعة للتطور الاقتصادي، مما ينعكس على قطاعات الاتصالات؛ فإذا نظرنا إلى منطقة الخليج العربي على سبيل المثال، لرأيناها من أوائل المناطق العالمية التي أطلقت شبكات الجيل الخامس، ولوجدنا كذلك أنها في طليعة بلدان العالم من نواحٍ كثيرة تشمل النفاذ إلى الألياف الضوئية، والإنترنت عالي السرعة، والتحول إلى الحكومات الإلكترونية، والتحول إلى الاستخدامات الإلكترونية، والتحول إلى التجارة الإلكترونية.
في المقابل ثمة دول أخرى في المنطقة لا يوجد لديها شبكات الجيل الرابع مثلاً، وتفتقر إلى سرعات الإنترنت العالية. والأمر المؤسف أن منطقتنا تضم دولاً تعاني من حروب وأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، فهذا هو واقع المنطقة العربية المتباين بين دولها. ومن هذا المنطلق يسعنا القول إنّ الحلول تختلف باختلاف المشكلات لدى الدول؛ فعلى سبيل المثال تدرك المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى أنّها تشهد نمواً سكانياً في هذه الفترة، وتعلم جيداً أنّ لديها مجتمعاً فتياً متعلماً، لأجل هذا تسعى تلك الدول إلى فتح آفاق الاستثمار وتوفير فرص عمل جديدة. ولهذا أولت الدول الخليجية تركيزها لتنويع موارد الاقتصاد بحيث لا تعتمد على النفط فقط، مما استدعى منها تحرير سوق العمل وفتح مجالات الاستثمار. واعتمد ذلك على ركائز أساسية هي التحول الرقمي الحكومي ووجود قطاع اتصالات قوي، فهذان الأمران مهمان جداً للتحول نحو مجتمع الاقتصاد المعرفي.
كيف تتعامل الشركات المحلية مع عقبات المسافات الطويلة والتضاريس الوعرة؟
توجد بعض التطورات التكنولوجية التي تسمح بمعالجة مشكلة المناطق الوعرة؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان لدينا مدينة مكتظة بالسكان الذي يعيشون في عمارات مرتفعة، فمن السهولة استخدام الألياف الضوئية في عملية الاتصال بالإنترنت. في المقابل إذا كان لدينا مناطق جبلية وعرة غير مكتظة بالسكان ومتباعدة المنازل، لا تعد الألياف الضوئية أفضل الوسائل المناسبة لتوصيل الإنترنت عالي السرعة إليها. لكن شبكات الجيل الخامس، وتكنولوجيا الوصول اللاسلكي الثابت (Fixed wireless access)، يتيح تزويد تلك المناطق بإنترنت عالي السرعة بنفس مواصفات وقدرات الألياف الضوئية.
ولا شكّ أنّ هذا الأمر من مميزات شبكات الجيل الخامس واستخداماتها الأساسية؛ فهي توفر للمستخدمين اتصالاً سريعاً بشبكة الإنترنت مشابهاً لمواصفات الألياف الضوئية، مما يساهم في توفير النفقات أولاً، وإتاحة خدمة الإنترنت للمناطق الوعرة وغير المكتظة بالسكان.
ولا بدّ لنا من التذكير دوماً بمسألتين هامتين في مجال الاتصالات هما: فجوة التغطية وفجوة الاستخدام. ونقصد بفجوة التغطية عجزَ مجموعة من سكان العالم عن استخدام الإنترنت لعدم توفر الخدمة لديهم؛ وقد كان عدد أولئك السكان يناهز المليار قبل بضع سنوات، لكنه انخفض إلى 400 مليون في الوقت الحالي. وبهذا تقلّصت فجوة التغطية خلال 4 أعوام بسبب عوامل كثيرة أبرزها تطور التكنولوجيا، وتعاون الحكومات مع الشركات لتوفير التغطية للاتصالات الخلوية في المناطق النائية.
في المقابل لا تقل مشكلة فجوة الاستخدام أهميةً عن سابقتها، فلدينا نحو 3 مليارات شخص يعيشون في مناطق مزودة بتغطية جيدة للهواتف والإنترنت، لكنهم لا يستخدمون تلك الخدمات. وما يفاقم الأمور أنّ هذا العدد لم ينخفض كثيراً على مر السنين؛ ففي السنين الأربعة الماضية، انخفض العدد بنسبة تراوحت بين 6% إلى 7% تقريباً، فأصبح 3 مليارات بعدما كان 3 مليارات و200 مليون شخص. وتشكل هذا الفجوة معضلة حقيقية لأن الامتناع عن استخدام الإنترنت يعني الامتناع عن استخدام خدمات أخرى، مثل سداد الفواتير إلكترونياً وغيرها. ولا ريب أنّ انضمام أولئك الأشخاص إلى الإنترنت يؤدي إلى تأثيرات حميدة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
بناء على ذلك يجب على الجميع البحث في الأسباب والمشكلات المتعلقة بفجوة الاستخدام؛ فربما تكون ناجمة عن أسباب مادية لعدم القدرة على استخدام تلك الخدمات أو شرائها، أو نابعةً عن غياب المهارات التكنولوجية لدى المستخدمين، فقد يستطيعون شراء تلك الخدمات لكنهم لا يعرفون استخدامها، وربما تحدث فجوة الاستخدام أيضاً نتيجة موانع اجتماعية مفروضة بحق فئات معينة. لهذا نركز في رابطة مشغلي الهواتف الخلوية في العالم على تقليص فجوة الاستخدام، وذلك انطلاقاً من إيماننا بالفوائد الكثيرة التي ستنعكس على الاقتصادات العالمية والمجتمعات العالمية.
هل تعتقد أن لقطاع الاتصالات مساهمةً في خطط السعودية الطموحة للمستقبل؟
أجل بكل تأكيد. فنحن نشهد تطوراً لافتاً في قطاعات الاتصالات السعودية، وتحسيناً بارزاً لجودة الخدمات المتاحة. وثمة مؤشرات دالة على هذا التطور؛ فسرعة الشبكات أصبحت أفضل من السابق، وشبكات الجيل الخامس موجودة، وشبكات الألياف الضوئية متاحة كذلك، فضلاً عن التعاون مع القطاعات الحكومية للمضي بالتحول الرقمي. لذلك يساهم هذا القطاع كثيراً في الرؤية الحالية للمملكة العربية السعودية، التي نراها رؤية استراتيجية إيجابية، لا سيما فيما يخص التركيز على تنوع الاقتصاد، وإشراك فئات المجتمع في سوق العمل، والتركيز على التحول الرقمي والتكنولوجيا الحديثة وجذب الاستثمارات.
كيف يتلاءم موضوع الاستدامة مع خططكم لمستقبل قطاع الاتصالات؟
كان قطاع الاتصالات الخلوية من أولى القطاعات التي اعتنت بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ولاحظنا فوراً مدى أهمية دورنا في بلوغ كل واحد من تلك الأهداف. وتسعى شركات الاتصالات الخلوية لبلوغ مرحلة الحياد الكربوني في عملياتها بحلول عام 2050، ويعمل بعضها على تحقيق هذا الهدف قبل ذلك الموعد، لا سيما أنّ إنتاج الطاقة لدى بعضها معتمد كلياً على الطاقة المتجددة. وعلى العموم ندرك أنّ دورنا في قطاع الاتصالات بالغ الأهمية لوصول العالم إلى مرحلة الاستدامة وخفض الانبعاثات الكربونية، ونرى أنّ بعض سياسات الحكومات بخصوص الترددات تساهم أيضاً في خفض استهلاكنا للطاقة، وزيادة فعالية الشبكات لدينا.