شبكات اتصالات العصر الرقمي الذكية تفتح آفاقاً جديدة لنمو الأعمال وتطور الخدمات

مقال ضيف بقلم عمار طبا، نائب رئيس هواوي للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى


ساهمت التطورات التكنولوجية على مدار السنوات القليلة الماضية في الارتقاء بقدراتنا التقنية بشكل تدريجي متسارع، بيد أن التقارب بين شبكات اتصالات الجيل الخامس والنصف 5.5G وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يبشر بنقلة نوعية غير مسبوقة بالنسبة لسبل تفاعلنا مع التكنولوجيا، وطرق ممارسة أعمالنا وتواصلنا وبناء مجتمعاتنا الرقمية الذكية. ولا تقتصر تأثيرات هذا التحول على قطاع الاتصالات فحسب، وإنما يمتد تأثيرها لكافة قطاعات الاقتصاد العالمي وإعادة تشكيل تجاربنا الرقمية.

مع اقتراب نهاية عام وبداية عام جديد، سنشهد مستجدات مرحلة التحول للجيل الجديد من شبكات الاتصالات النقالة بلمسة الذكاء الاصطناعي التي ستعيد بلورة المشهد الرقمي. ويبشر وجود أكثر من 3 ملايين تطبيق يستخدم الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم ببداية حقبة جديدة تماماً في مجال عصر الذكاء الاصطناعي لشبكات الهواتف المحمولة، فهذا العدد يتجاوز إجمالي عدد التطبيقات التقليدية غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي المتوفرة في متاجر التطبيقات.

مما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي في الشبكات سيحدث تحولاً جذرياً في مفهوم الاتصال وقوة الحوسبة؛ حيث سيؤدي تباعاً إلى تلاشي الحواجز التقليدية بين قدرات الأجهزة والبنية التحتية للشبكات، لتتشكل لدينا منظومة اتصال شاملة يدخل الذكاء الاصطناعي في جميع مكوناتها. وستوفر الحقبة الرقمية الجديدة نماذج استثنائية جديدة للتفاعل بين الإنسان والآلة، ما سيفضي بدوره لتوفير خدمات ذكية كانت سابقاً من ضروب الخيال. وتعد التغييرات الهيكلية في نماذج تخزين وحركة مرور البيانات وأنماط استهلاكها وتحليلها من المؤشرات الأولية على حدوث تحولات أكثر عمقاً وأكثر ذكاء في المستقبل.

تقف شركات الاتصالات في صميم هذا التغير الجذري باعتبارها محركات أساسية لدعم التحول الرقمي ودفع عجلة تطوير مسارات التحول التكنولوجي للقطاعات الأخرى. ويشير نهج تحول هذه الشركات من مزودين لخدمات الاتصال التقليدية إلى شركات تكنولوجية متطورة إلى دورها المحوري في المنظومة الرقمية وحياتنا اليومية، إذ لا يقتصر طلب المستهلكين المعاصرين على الخدمات في الوقت الفعلي وعند الطلب فحسب، بل يتطلعون كذلك للحصول على خدمات ذكية وتنبؤية مرنة، ويتوقعون دمج هذه الخدمات بشكل سلس في المنصات والتجارب المخصصة لمختلف سيناريوهات الأعمال والخدمات. وقد بدأت شركات الاتصالات الرائدة حول العالم وفي مقدمتها شركات دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل بإظهار الإمكانات الهائلة للمرحلة الجديدة من خدمات الذكاء الاصطناعي على شبكات الجيل الخامس والنصف 5.5G الحالية، حيث بدأت بتقديم تطبيقات تغطي الاستخدامات الشخصية والمنازل الذكية وأنظمة النقل والعمليات التجارية.

يعتبر دمج تقنية الجيل الخامس والنصف ركيزة أساسية لاستكشاف الطيف الكامل لإمكانات الذكاء الاصطناعي ضمن مختلف بيئات الهواتف المحمولة، إذ يوفر هذا الأساس التكنولوجي المزيج المطلوب من النطاق الترددي العريض عالي السرعة، وزمن الاستجابة المنخفض، وكثافة الاتصال الهائلة المطلوبة لتمكين تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة على نطاق واسع. علاوة على ذلك، يساهم تطور هذه الشبكات في معالجة خوارزميات الذكاء الاصطناعي المعقدة في الوقت الفعلي، الأمر الذي يسهم بدوره في تسهيل استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما فيها المركبات ذاتية القيادة وأنظمة التصنيع الآلية الذكية.

مواضيع مشابهة

وسواء على مستوى توجه الذكاء الاصطناعي نحو شبكات الاتصالات النقالة أو العكس، فإن خدمات الهواتف المحمولة وفي مقدمتها الإنترنت تشهد تحولاً جذرياً على ضوء نوعية الخدمات ونماذج الأعمال الجديدة التي تخلق لشبكات اتصالات الهواتف المحمولة واقعاً جديداً من الدمج والتفاعل بين التقنيات يتم تسخيره لصالح قطع أشواط جديدة من تقدم أعمال مجالات طموحة كثيرة كالمركبات الذكية وعالم الروبوتات. وسيسهم ذلك في إعطاء موجة جديدة من زخم تطور الأعمال والمجتمعات.

في ظل التطور السريع لتقنيات شبكات الاتصالات الذكية وآثارها التحولية بمسيرة الثورة الصناعية الرابعة، يبرز دور الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي جديد للنمو الاقتصادي العالمي، حيث يسهم بإعادة صياغة نماذج الأعمال التقليدية وإنتاج أنماط جديدة لتطور أعمال العديد من القطاعات والصناعات، وطرح فرص واقعية جديدة في العديد من أسواق المنطقة.

سيلعب تفعيل نشر أنماط خاصة من شبكات الجيل الخامس والنصف كتقنية الاتصال اللاسلكي الثابت (FWA) دوراً حيوياً في تطوير الاقتصادات الرقمية. وتلعب هذه التقنيات دوراً بالغ الأهمية لدفع جهود سد الفجوة الرقمية وتحقيق أهداف توفير الاتصال للجميع، وخصوصاً في المناطق النائية التي يصعب فيها نشر البنى التحتية التقليدية. ولا يقتصر تأثير هذا التقنيات إلى إتاحة الوصول إلى الإنترنت فحسب، بل يشمل كذلك تمكين أساليب جديدة للمشاركة الرقمية وتوفير المزيد من الفرص الاقتصادية.

تمتد تأثيرات شبكات الجيل الخامس والنصف عبر العديد من القطاعات التي تتمتع بإمكانات تحولية واعدة. ففي قطاع الرعاية الصحية مثلاً، تساهم هذه التقنية في إجراء العمليات الجراحية عن بُعد ومراقبة المرضى في الوقت الفعلي وتوفير فرص الاستجابة التفاعلية الفورية. وفي قطاع التعليم، تساهم في تسهيل اكتساب خبرات التعلم وتخصيصها على نطاق أوسع. أما بالنسبة للتطبيقات القطاعية، فتساهم هذه التقنية في رفع سوية تشغيل المصانع الذكية وأنظمة التحكم الذاتي. بينما تدعم قدرات تعلم الآلة تطبيقات الواقع الممتد وتطبيقات إنترنت الأشياء في المجال الصناعي ومبادرات الزراعة الدقيقة. وتتوافق التقنيات الجديدة مع تحقيق أهداف تحسين العمليات وتقليص النفقات ورفع جودة الخدمات ودفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.

دول مجلس التعاون الخليجي كانت سباقةً في مجال نشر تقنيات الجيل الخامس على مستوى العالم، الأمر الذي يتيح لها الاستفادة من فرص الطرح التجاري لشبكات الجيل الخامس والنصف واستخداماتها وإمكانياتها التحولية. وتكتسب هذه المكانة الريادية أهمية خاصة عند النظر إلى الارتباط الوثيق بين تطور قطاع تقنية المعلومات والاتصالات والنمو الاقتصادي الوطني. ووفقاً لتقرير “مؤشـــر الرقمنة العالمي لعام 2024″، وهو خلاصة دراسة عالمية ضخمة لشركة هواوي تجريها سنوياً في 77دولة تمثل 93% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و80% من سكان العالم، فإن كل دولار أمريكي يتم استثماره في مسار التحول الرقمي يحقق عوائد قيّمة على الاقتصاد الرقمي تصل إلى 8.3 دولارات أمريكية. ويوضح التقرير العديد من نقاط قوة الاستثمار في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات ومساهمته في بناء اقتصادات رقمية متينة، الأمر الذي تسعى لتحقيقه جادة دول المنطقة التي بدأت فعلياً مشوار إطلاق شبكات الجيل الخامس وانتقلت للعمل على طرح المرحلة التالية منها.

استمرار موجات التقارب بين شبكات الجيل الخامس والنصف والذكاء الاصطناعي سيطلق العنان لفرص ابتكارية جديدة لطرق تعاملنا مع التحول الرقمي. وتبشر إنجازات عصر الذكاء الاصطناعي للهواتف المحمولة بتحقيق العديد من الفوائد الاقتصادية والتحسينات الاجتماعية والبيئية من خلال استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة وتحسين قدرات الأنظمة الذكية على طريق التنمية المستدامة. لكن ترجمة الإمكانات الكاملة لتقنيات الذكاء الاصطناعي يستوجب مد مزيد من جسور التعاون بين مختلف المعنيين بمنظومة الاتصالات وتقنية المعلومات، وانفتاح أكبر على الشراكات بين القطاعين العام والخاص لإنتاج مزيد من الابتكارات المشتركة لتسريع اعتماد التقنيات التحويلية وضمان وصول ميزاتها لمختلف القطاعات وتوظيفها على الوجه الأمثل لصالح تطوير وتنمية الأعمال والخدمات العامة. ويبقى تبادل المعارف والأفكار والخبرات وتجارب نجاح نماذج الأعمال ضرورياً لإلهام الجيل القادم من قدرات التحول الرقمي وتحقيق الطموحات الرقمية لمستقبل المنطقة.

شارك المحتوى |
close icon