سلاسل الإمداد المستدامة محرك أساسي للنمو الاقتصادي والاستدامة
مقال ضيف بقلم أحمد قدوس، الرئيس التنفيذي لسلسلة الإمداد لشركة يونيليفر في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا وتركيا
مع سعي المملكة العربية السعودية لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، برز دور سلسلة الإمداد والخدمات اللوجستية كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي والاستدامة البيئية، مع الأخذ في الاعتبار الأهداف الطموحة لرؤية المملكة 2030 لتنويع الاقتصاد والحد من الاعتماد على النفط، وتعزيز ممارسات الأعمال الأكثر استدامة، حيث يعد نظام سلسلة الإمداد القوي والفعال أمراً ضرورياً لتحقيق هذه الأهداف.
في عام 2021، تم تقييم قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة العربية السعودية بـ 18 مليار دولار، ومن المتوقع أن يسجل القطاع نمواً بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.7% بين عامي 2020 و2025، مدفوعاً بزيادة الاستثمارات في البنية التحتية للنقل والتقدم التقني. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، مثل دمج المنصات الرقمية لتحسين الشفافية والكفاءة والانتقال إلى الممارسات الصديقة للبيئة لتلبية معايير الاستدامة العالمية. وتتضمن أهداف رؤية 2030 خفض انبعاثات الكربون بمقدار 278 مليون طن سنوياً وزيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 50٪ بحلول عام 2030، وهي المجالات التي يمكن أن يكون لسلسلة الإمداد والخدمات اللوجستية فيها تأثير ملحوظ.
الأهمية الاستراتيجية لسلاسل الإمداد المستدامة
تعتبر سلاسل الإمداد المستدامة أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف البيئية والاقتصادية لرؤية 2030. ويمكن للشركات تقليل تأثيرها البيئي بشكل كبير مع تحسين الكفاءة التشغيلية من خلال توحيد العمليات والاستثمار في الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، يسلط تقرير ماكينزي الضوء على أن ما يصل إلى 80٪ من البصمة الكربونية للشركات تأتي من سلاسل الإمداد، ما يؤكد الدور الحاسم الذي يلعبه هذا القطاع في الجهود الرامية لتحقيق الاستدامة.
ينبغي أن يعاد تصميم الشبكة اللوجستية للشركات في المملكة لتتماشى مع أهداف رؤية 2030. ويشمل ذلك توحيد العمليات لخفض الانبعاثات، واعتماد المركبات الكهربائية، والاستفادة من الطاقة الشمسية. وفي هذا السياق، تتعاون يونيليفر بشكل وثيق مع ميرسك شركة الخدمات اللوجستية الرائدة، لتعزيز الاستدامة في سلسلة الإمداد، ويعمل الطرفان لاستكشاف حلول مبتكرة، مثل تحسين المسارات، وتقليل أوقات توقف الإنتاج، والاستفادة من التقنيات الخضراء لخفض الانبعاثات.
المساهمة في تحول المملكة نحو مستقبل أكثر استدامة
مع التحول الذي تشهده المملكة على صعيد الاستدامة، يتعين على الشركات إعادة النظر في نماذجها التشغيلية، وخاصة في مجال الخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد، حيث تقدم رؤية 2030 فرصة للشركات للامتثال للأنظمة الجديدة والاستفادة من الاستدامة كميزة تنافسية.
لا شك أن علاقات التعاون، مثل عقد الشراكات مع مزودي الخدمات اللوجستية وعمليات الاستثمار في الطاقة المتجددة، تساعد الشركات على تسريع تحقيق أهدافها على صعيد الاستدامة. وتعد الشراكات مع لاعبين رئيسيين مثل ميرسك وفولفو ركناً أساسياً لهذه الإنجازات، ما يضمن تكيّف سلسلة التوريد مع ممارسات الاستدامة المتطورة. كذلك، من المتوقع أن يؤدي اعتماد أنظمة إدارة الخدمات اللوجستية التي تستخدم نظم الذكاء الاصطناعي والمركبات الكهربائية إلى المزيد من تقليل الانبعاثات والحد من التكاليف، ما يسهم في تحقيق الأهداف المتعلقة بالمحافظة على البيئة وتحسين الإيرادات.
ويمكن أن يلعب دمج الاستدامة في سلسلة الإمداد دوراً محورياً في نجاح رؤية السعودية 2030 من خلال تقليل الانبعاثات، وتوحيد العمليات اللوجستية، والاستثمار في الطاقة المتجددة، حيث تعتبر الشركة نموذجاً يحتذى لغيرها من الشركات. وتُظهر الإحصائيات أن الشركات التي تتبنى ممارسات مستدامة في سلاسل الإمداد يمكنها النمو والازدهار على المدى الطويل. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها شركة EY أن 31٪ من الشركات التي لديها سلاسل توريد مستدامة شهدت تحسناً في كفاءة الأداء والإنتاجية.
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن ممارسات سلسلة الإمداد المستدامة في الشركات العامة في المملكة، لا تقتصر على كونها مجرد مسؤولية أخلاقية، بل توفر لها أيضاً فرصة استراتيجية، ذلك أن التوافق مع الأهداف البيئية والاقتصادية لرؤية 2030 سيمكن الشركات من تقديم نموذج رائد في النمو والمحافظة على البيئة، والمساهمة في تحول المملكة نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة، مع ضمان نموها وتعزيز مرونتها وقدرتها على الصمود في سوق عالمية تنافسية.