«رؤيتنا أن تكون دبي مدينة تدار بالذكاء وتخدم الإنسان»: مقابلة مع سعادة حمد عبيد المنصوري، المدير العام لهيئة دبي الرقمية

بالتعاون مع:
شعار دبي الرقمية
سعادة حمد عبيد المنصوري، المدير العام لهيئة دبي الرقمية

فريق التحرير

تتولى هيئة دبي الرقمية مسؤولية قيادة التحول الرقمي في دبي، وتبذل لهذه الغاية جهوداً كبيراً لتطوير الحياة في مدينة دبي، فلا تتوقف عند رقمنة الخدمات الحكومية وتيسيرها للمواطنين، بل تسعى إلى رقمنة الحياة بأكملها انطلاقاً من رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. يسعدنا في مينا تك أن نستضيف سعادة حمد عبيد المنصوري، المدير العام لهيئة دبي الرقمية الذي حدثنا عن تجربة دبي المميزة في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، وذكر الخطوات التي اتخذتها دبي لتكريس مفهوم «المدينة كخدمة».

سعادة المدير العام، تعد دبي اليوم مدينة متقدمة في سباق تطبيقات الذكاء الاصطناعي. كيف وصلت دبي إلى هذا الموقع؟

إذا كنا نعتبر أن مضمار الذكاء الاصطناعي هو سباق، فنحن بالفعل في موقع متقدم، إلا أننا لا نشارك فيه لنكسب المراكز أو الألقاب، فنحن نتطلع إلى ما هو أعمق من ذلك، ونسعى لتغيير القواعد، بحيث نثبت من خلال التجربة العملية أن قيمة التكنولوجيا لا تقاس بتعقيدها وتطورها، بل تقاس بتأثيرها على الإنسان. إننا ننظر إلى التقنية من منظور المجتمع والاقتصاد والمستقبل، وليس من منظور الترتيب في المؤشرات، وهدفنا أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة للإنسان لا غاية بحد ذاته، وأن نصنع من خلاله واقعاً جديداً ينعكس على حياة الناس وجودتهم.

باعتباركم الجهة الممكّنة للتحول الرقمي في الإمارة، كيف عملت دبي الرقمية على دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجيتها، وكيف انعكس ذلك على المشهد الرقمي في الإمارة ككل؟

نتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمنظومة متكاملة، لا كمشروع منفصل أو موجة عابرة. بدأنا من الأساس، من البنية التحتية، والحوكمة، والأخلاقيات، وتنمية الكفاءات الوطنية لنضمن بيئة رقمية آمنة وفعّالة ومستدامة. لدينا اليوم في حكومة دبي 22 رئيساً تنفيذياً للذكاء الاصطناعي موزعين على مختلف الجهات الحكومية، وهم يعملون على أكثر من 100 مشروع يخدم الناس في مجالات التعليم، والصحة، والمواصلات، والخدمات العامة. تشترك كل هذه المشاريع في هدف واحد وهو خدمة الناس، وتسهيل حياتهم، وتعزيز ديناميكية النشاط الاقتصادي عموماً، والاقتصاد الرقمي على وجه الخصوص.

ما أهمية سياسة دبي للذكاء الاصطناعي بالنسبة لعملكم، وكيف تضمن هذه السياسة الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتقنيات؟

إنّ «سياسة دبي للذكاء الاصطناعي» هي بوصلتنا الأخلاقية التي تضمن الشفافية والأمان في كل تطبيق. نؤمن بأنّ الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن ينجح دون إطار قيمي يحمي الإنسان وحقوقه، لذلك نضع الأبعاد الإنسانية في صميم أي استراتيجية ننفذها.

لقد جاءت هذه السياسة منسجمة مع مبدأ الإنسان أولاً، بحيث تضمن أن استخدامات الذكاء الاصطناعي تأخذ في الاعتبار كل الهواجس، والخصوصيات، والمصالح الخاصة بالأفراد والمؤسسات على السواء. ومن المهم الإشارة هنا إلى الربط بين هذه السياسة وبين تعيين مدراء للذكاء الاصطناعي في الجهات الحكومية، إذ إنّ نطاق عمل هؤلاء المدراء يتضمن السهر على تطبيق السياسة والتأكد من الالتزام بها على نطاق واسع.

كما ينبغي الإشارة إلى أن السياسة تهتم بتمكين وتعزيز الكفاءات الحكومية في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك انسجاماً مع نهج استشراف المستقبل الذي يأخذ في الاعتبار مهارات الغد. بهذا المعنى فإن سياسة دبي للذكاء الاصطناعي تعد حلقة مهمة ضمن منظومة الحوكمة الشاملة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، إذ إنّ الغاية الأساسية منها تتمثل في خدمة الإنسان وتسهيل حياته وصنع مستقبل أفضل له.

كيف تترجم دبي مفهوم «المدينة كخدمة» الذي تحدثتم عنه في الآونة الأخيرة؟

يعكس هذا المفهوم فلسفة دبي في تحويل المدينة إلى منظومة ذكية تخدم الإنسان قبل أن يطلب الخدمة. نعمل على أن تكون المدينة ككائن حي ذكي تتكامل فيه الأجهزة، وتتضافر الأنشطة وتتواصل البيانات عبر شرايين المدينة. في هذا النموذج، تستشعر المدينة احتياجات الناس وتتفاعل معها تلقائياً وتتحول الخدمات إلى تجارب رقمية متصلة ومتناغمة، وجزء كبير منها يتم تقديمه استباقياً حتى قبل أن يطلبه المتعامل. في هذا النموذج، أصبحت الخدمة تأتي إلى الإنسان بدلاً من أن يذهب إليها. وعندما ينتقل المقيم إلى بيت جديد مثلاً، تُفعَّل خدماته تلقائياً دون زيارة أو طلب، والسيناريوهات المماثلة عديدة. هذه هي دبي التي نبنيها: مدينة تفهمك وتخدمك وتعيش معك.

ما الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في بناء هذا النموذج؟

الذكاء الاصطناعي هو القلب النابض في نموذج المدينة كخدمة. يعمل في الخلفية بتكامل تام على مستوى البيانات بين الجهات الحكومية والخاصة ليقدّم تجربة موحدة وسلسة للمستخدم. يسهم الذكاء الاصطناعي في تحويل البيانات إلى قرارات لحظية، ويجعل الخدمات متصلة وفعّالة بلغة يفهمها كل من يعيش في دبي، مهما كانت خلفيته الثقافية.

في ظل هذا التطورات السريعة في عالم التكنولوجيا، كيف توازنون بين الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والاحتياجات الواقعية للمدينة؟

الاستثمار في الذكاء الاصطناعي مثل الاستثمار في التعليم، فيجب أن تعرف لماذا وأين ومتى تستثمر. لا نبدأ مشروعاً في دبي إلا بعد دراسة أثره المجتمعي. فكل درهم يُصرف في التقنية يجب أن يقابله تحسّن في جودة حياة الناس. لا نستثمر في تقنية لمجرد أنها «رائجة»، بل لأنها «مؤثرة». ونقيس العائد على الوقت والكفاءة والرضا، لا على الأرقام فقط.

هل يمكن أن تذكر لنا بعض نتائج هذا الاستثمار الذكي؟

نخدم اليوم أكثر من 80 ألف موظف حكومي عبر منظومات ذكية تربط أكثر من 80 جهة. أدخلنا الذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية فرفعنا الكفاءة بما يصل إلى 50%. والنتيجة واضحة: الوقت يقل، والأخطاء تنخفض، والإنتاجية والرضا يرتفعان. والأهم أن الخدمات أصبحت أسرع وأبسط وأقرب للناس.

كيف تنظرون إلى العلاقة بين الإنسان والتقنية في هذا العصر الراهن؟

نؤمن أن التقنية يجب ألا تلغي اللمسة الإنسانية في التعاملات. فقد يسبب الذكاء الاصطناعي بدون قيم إنسانية فجوة عاطفية في المجتمع. تخيّل طفلاً يعيش في بيئة يجاوبه فيها الذكاء الاصطناعي أسرع من والده، عندها علينا أن نعلّمه كيف يفرّق بين الذكاء الاصطناعي وذكاء القلب والعقل. لذلك نبني ذكاءً بطابع إنساني، لأننا لا نريد مدينة ذكية فقط، بل مدينة «تفهم» الناس وتُسعدهم.

هل لديكم جهود للحد من التأثيرات السلبية المحتملة نتيجة هيمنة التكنولوجيا والشاشات على حياتنا؟

دبي من المدن التي تنبهت مبكراً لهذا الخلل، وعملت على معالجته والتخفيف من آثاره. لو نظرت إلى الجهود الحكومية عموماً في هذا السياق، ستجد أنشطة مثل دبي ماراثون، وأجمل شتاء، وغيرها. وأطلقنا في دبي الرقمية مؤخراً برنامج التوازن الرقمي بالتعاون مع كل من هيئة تنمية المجتمع، وهيئة المعرفة والتنمية البشرية، وهيئة الصحة بدبي. يهدف هذا البرنامج إلى بناء مجتمع واعٍ بالاستخدام الإيجابي والمسؤول للتقنيات الحديثة، وقادر على مواجهة المخاطر السلوكية، الصحية، والاجتماعية المرتبطة بالإفراط أو الاستخدام السلبي للتقنيات.

أطلقنا كذلك مبادرة «خلك واعي» التي تنطلق من مسؤوليتنا المجتمعية وإيماننا بأن التحول الرقمي في جوهره هو تغيير شامل يطال الوعي والممارسات مثلما يطال أساليب العمل والإدارة والتقنيات. تستهدف هذه المبادرة كل أفراد المجتمع، وتهدف لنشر الوعي الرقمي بأسلوب شيق يتلاءم مع مختلف الأجيال والشرائح المجتمعية.

في رأيكم، ما هي أبرز المعايير لنجاح المدن الذكية؟ هل هي البنى التحتية، أم الأنظمة والتشريعات، أم التكنولوجيا، أم الكفاءات أم ماذا؟

الأمور التي ذكرتها مهمة بطبيعة الحال، لكن المعيار الحقيقي في نظرنا يتعدى كل ذلك، المعيار هو مدى انعكاس التحولات على حياة الإنسان. يتوقع الناس أن تتغير حياتهم نحو الأفضل، وإذا كانت التكنولوجيا هي الوسيلة لتحقيق هذه الغاية، فذلك أمر طيب. نحن في دبي هدفنا ليس أن نكون المدينة الأكثر استخداماً للتكنولوجيا، بل الأكثر نفعاً للناس. المدينة الناجحة هي التي تجعل حياة الناس أسهل، ووقتهم أثمن، ومستقبلهم أكثر إشراقاً واقتصادهم أفضل وهكذا.

أخيراً، كيف تلخصون رؤية دبي الرقمية للمستقبل؟

رؤيتنا أن تكون دبي مدينة تُدار بالذكاء، وتُبنى بالثقة، وتخدم الإنسان أولاً وأخيراً. نعمل لتكون الحكومة غير مرئية، تعمل بهدوء ودقة في الخلفية، بينما يعيش الإنسان حياة أكثر سعادة وراحة في الواجهة. بهذا التوازن بين العقل والتقنية، وبين الذكاء والقيم، تواصل دبي مسيرتها لتكون المدينة الأفضل للحياة والعمل والإبداع في العالم.

الملخص - أخبار منتقاة من المنطقة كل أسبوع
تبقيك نشرة مينا تك البريدية الأسبوعية على اطلاع بأهم مستجدات التقنية والأعمال في المنطقة والعالم.
عبر تسجيلك، أنت تؤكد أن عمرك يزيد عن 18 عاماً وتوافق على تلقي النشرات البريدية والمحتوى الترويجي، كما توافق على شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية الخاصة بنا. يمكنك إلغاء اشتراكك في أي وقت.
اقرأ أيضاً
مينا تك – أكبر منصة إعلامية باللغة العربية متخصصة في التكنولوجيا والأعمال
مينا تك – أكبر منصة إعلامية باللغة العربية متخصصة في التكنولوجيا والأعمال
حقوق النشر © 2025 مينا تك. جميع الحقوق محفوظة.