دول المنطقة وأولوية أمان العالم الرقمي في زمن الجيل الخامس

بقلم: عمار طبا، نائب رئيس هواوي للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى


تعد شبكات الاتصالات عماد البنية التحتية الرقمية التي باتت اقتصادات العالم ترتكز عليها إلى حد كبير اليوم. وتشكل هذه الشبكات القوة الدافعة للتحول الرقمي عبر جميع القطاعات نظراً لدورها المحوري في ربط المجتمعات وأعمال الشركات وتوفير البيانات على نحو غير مسبوق. ويجمع الخبراء بأن الجيل الخامس الجديد من شبكات الاتصالات التي حققت في 5 سنوات أكثر مما حققته تقنية الجيل الرابع في 9 سنوات وتجاوز عدد مستخدميها حول العالم 1.8 مليار مستخدم، والمرحلة التالية منه الجيل الخامس المتقدم التي تم الإعلان عن طرحها في 2024، سيفتح آفاقاً واسعة أمام نشوء نماذج جديدة من سيناريوهات الأعمال والخدمات الرقمية، وتعطي دفعة جديدة لمراحل التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تتسابق دول المنطقة في مسيرة إنجازاتها.

يمكن تلخيص جديد ميزات الجيل الخامس والنصف من شبكات الاتصالات بقدرتها على المزج بين إمكانياتها المتطورة والإمكانيات اللامحدودة للتقنيات الجديدة وأهمها الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. وأول هذه الميزات السرعات العالية التي تصل 10 جيجابايت بالثانية، وخدمة عدد هائل من نقاط الاتصال بين الأجهزة والبشر، وزيادة عدد اتصالات إنترنت الأشياء الصناعية من 10 مليارات إلى 100 مليار، وزمن التعامل مع الأوامر التي تتلقاها الشبكة وتنفيذها بتأخير شبه معدوم يصل 4 ميلي في الثانية. وستدخل قدراتها إلى شبكات الإنتاج الصناعي بموثوقية تبلغ 99.9، وهو أمر جوهري لمتطلبات عالمنا الرقمي الناشئة كالسيارات ذاتية القيادة والبث الحي والتحكم عن بعد بالأعمال الخطرة كالمناجم والإنشاءات، والإسهام بسرعة إنجاز وجودة عمليات الموانئ والرعاية الصحية كإجراء العمليات الجراحية عن بعد وغيرها من الأمثلة الكثيرة.

تؤكد الوقائع بأن نهج الاعتماد على الرقمنة وبناء الاقتصاد الرقمي يدعمان نمو اقتصادات الدول. مثال ذلك الاقتصاد الرقمي في الصين الذي بات مسؤولاً عن 49% من إجمالي الناتج المحلي. وتتبنى دول المنطقة هذا النهج لتحقيق أهداف التحول الاقتصادي المستدام. وتأتي دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول التي رفعت زخم التنافس العالمي لتبني تقنية الجيل الخامس وتسخير قدراتها وتطبيقاتها التجارية لإنجاز مراحل جديدة من التنمية والتطوير. فتجربة قطر في سبق نشر شبكات الجيل الخامس والاستفادة منها لتوفير خدمات رقمية نوعية في مونديال قطر 2022 ألهمت العالم بأسره ولفتت انتباهه لجدوى الاستثمار في هذه التقنية.

ستحرز المملكة العربية السعودية قريباً سبقاً عالمياً بتبني الموجة الجديدة من شبكات الجيل الخامس وهي شبكات الجيل الخامس المتقدم، وتخطط لبناء مجتمعات الـ 10 جيجابايت التي ستكون نقطة تحول نوعية في تاريخ المجتمعات البشرية المتصلة. وتمضي عمان قدماً في توظيف قدرات الجيل الخامس في أتمتة أعمال الموانئ ومبادرة «الأتمتة والذكاء الاصطناعي في المصانع» بتبني تطبيق منهجيات عالمية لتعزيز قدرات الصناعات المحلية والقفز بالصناعة الوطنية إلى مراكز متقدمة. وهناك تقدم منقطع النظير في تبني عصر الذكاء الاصطناعي في الإمارات، وكذلك مشاريع المدن الذكية وترقية البنى التحتية وتوظيف التكنولوجيا في إنتاج الطاقة النظيفة والعديد من المجالات في الكويت والبحرين ومصر والأردن.

الاستراتيجيات القوية لتطوير شبكات الاتصالات وتقنية المعلومات بما يتماشى مع الرؤى الوطنية الطموحة وخطط تطوير القطاعات الرئيسية أمر بالغ الأهمية لدول المنطقة التي تحرص على ترقية البنية التحتية الرقمية ورفع الأثر الإيجابي للتكنولوجيا الحديثة في تطور مشهد الحياة الرقمية، حيث تسعى لتكون في طليعة المستفيدين من ميزات التقنيات الحديثة كشبكات الألياف الضوئية فائقة السرعة والنطاق الترددي العريض (الجيجابت) التي تستثمر أكثر من 50 دولة حول العالم حالياً فيها لمواكبة متطلبات تشغيل التقنيات المستقبلية كالواقع المعزز والافتراضي والبث عالي الوضوح. ويعتبر هذا الارتقاء الرقمي ضرورياً لحفز تطوير قطاع تقنية المعلومات وضمان تمتع الأفراد والمنازل والمكاتب بالسرعة والاستقرار اللازمين لمواكبة تطورات الحياة الرقمية المتسارعة.

مواضيع مشابهة

المحاور الثلاثة الأهم لجني ثمار الرقمنة هي العمل على تعزيز قدرات الاتصال، والتركيز على احتضان التطبيقات الرقمية، والتعاون في مجال تمكين المواهب الرقمية ورعاية جيل قيادي مستقبلي يمتلك زمام التحكم والتعامل مع مستجدات التكنولوجيا الرقمية. ويتحقق ذلك بالحرص على بناء نظام إيكولوجي لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات يتبنى نهج الانفتاح والتعاون بين شركاء القطاعين العام والخاص للاستفادة القصوى من التكنولوجيا ورفع مردودها المستقبلي لتنمية وتطوير أعمال وخدمات القطاعات والصناعات وفق أولويات الأجندات الوطنية والأسواق المحلية لدول المنطقة، والعمل على مواجهة هموم وتحديات التكنولوجيا وفي مقدمتها أمن الفضاء الإلكتروني والشبكات وحماية خصوصية المستخدم.

في الوقت الذي يتيح فيه التقدم السريع للتقنيات الحديثة كشبكات الجيل الخامس، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي فرصاً جديدة للابتكار ونمو الأعمال والخدمات، فإنه يفرض تحديات جديدة في مجال الأمن السيبراني والجرائم الإلكترونية. ومع تنامي أهمية الخدمات الرقمية في حياتنا اليومية، بات ضمان أمن الشبكات يشكّل أولوية قصوى لصانعي السياسات والهيئات التنظيمية بقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات. وبحسب الطبيعة الجديدة لشبكات الاتصالات وتقنية المعلومات الحديثة الأكثر ترابطاً وتعقيداً، يمكن لنقطة ضعف واحدة أن تنتج عواقب بعيدة المدى تؤثر على ملايين المستخدمين الأفراد وأعمال الشركات، وتسبب ضرراً اقتصادياً لا يستهان به. لذا، يتعين على كافة المعنيين بالقطاع بناء مزيد من جسور التواصل وأعلى درجات التعاون لإرساء السياسات والأطر التنظيمية القوية الكفيلة بتوفير الابتكارات وتبني المعايير الدولية وآليات العمل وأفضل الممارسات في مواجهة التهديدات السيبرانية.

ما يدعو للتفاؤل رغم تفاوت المبادئ التوجيهية للدول في مجال الأمن السيبراني وجود مبادئ وسياسات ومعايير دولية من المنظمات العالمية المتخصصة تعتبر دليلاً إرشادياً وقاموس عمل موثوق ومثبت الفاعلية يصلح لكافة الأسواق، مثال ذلك نظام ضمان أمن معدات الشبكات (NESAS) وقاعدة معارف الأمن السيبراني لشبكات الهاتف المحمول (MCKB) الصادرين عن الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA)، واللذين يهدفان لسد فجوة معايير شبكات الاتصالات النقالة بتوفير إطار عمل مشترك لتقييم أمن معدات الشبكة وتبادل المعرفة حول مخاطر الأمن السيبراني وأفضل تدابير الحد منها، لا يتعارضان مطلقاً مع خارطة طريق كل دولة في هذا المجال، بل ويعتبران محط ثقة كافة المعنيين بقطاع الاتصالات من صانعي السياسات والمنظمين والمشغلين وموردي المعدات، ويسهمان في اعتماد نهج استباقي لتوحيد معايير الأمن السيبراني للاتصالات في كافة دول العالم.

ومع وجود آليات تقييم موحدة ومحددة للأمن السيبراني مشتركة بين المنظمات الدولية الرائدة في وضع معايير قطاع الاتصالات والأمن السيبراني لشبكات الجيل الخامس. وهواوي لاعب دولي بارز في مجال توحيد معايير الأمن السيبراني للاتصالات تحت قيادة المنظمات الدولية كالجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، وقطاع تقييس الاتصالات بالاتحاد الدولي للاتصالات، ومشروع شراكة الجيل الثالث، وفريق عمل هندسة الإنترنت وفريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة «فيرست». والمهم في الأمر بأن المعايير التي توفرها هذه المنظمات الدولية وتشارك بها الشركات العالمية كما هو الحال في شبكات الجيل الخامس، لا تقتصر فائدتها على دول المنطقة التي بدأت فعليا بنشر هذه الشبكات، بل تعتبر دليلاً هاماً يوفر إرشادات وتجارب وممارسات نموذجية تختزل طريق الدول التي تخطط لإطلاق هذه الشبكات كالعراق ولبنان وغيرهم الكثير.

في عام 2024، ستحظى أكثر من 100 دولة حول العالم بتشريعات لحماية البيانات أو الخصوصية تفرض متطلبات تتعلق بالأمن السيبراني. ودول المنطقة جزء من النسيج العالمي للأمن السيبراني، ويمكنها ترسيخ أسس أمان شبكات النطاق العريض والجيل الخامس والجيل الخامس المتقدم بالتعاون المنفتح وتضافر جهود شركاء القطاعين العام والخاص من خلال نظام إيكولوجي يحرض الجميع على المساهمة بتطوره. وجنباً إلى جنب مع قدرات الذكاء الاصطناعي متسارعة النمو والحوسبة السحابية والتقنيات الأخرى الواعدة، يمكن معالجة تحديات الأمن السيبراني للعصر الرقمي الجديد الذي ينبغي أن يعيد التحكم بالبيانات للمستخدم مرة أخرى. وبتعزيز نهج التعاون والابتكار وبناء الثقة، يمكن إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للتقنيات بالتوازي مع حماية مصالح الدول والشركات والمستهلكين على حدٍ سواء.

شارك المحتوى |
close icon