حصاد عام 2024 – أهم القصص التقنية التي رسمت ملامح العام

كثيرة هي التبدلات، والتحولات، والتطورات في قطاع التقنية والأعمال، والتي كنا شاهدين عليها في 2024، عام وُصف بأنه من أكثر الأعوام تأثيراً في تاريخ الثورة الرقمية. ومع طي صفحات آخر أيامه، نقدم إليكم هنا قبساً من أبرز الأحداث التي استقطبت الانتباه، ومهدت الطريق نحو الأعوام التالية.

منذ 2022 وحتى الآن، من السهل وصف أي سنة تعدو في تاريخ التقنية بأنها عام الذكاء الاصطناعي، فالتقنية التي انفجرت في الآونة الأخيرة باتت في صلب كل منتج تقني، بطريقة أو بأخرى. ومع أفول نجم هذا العام، يمكننا ملاحظة أن جميع الأحداث والابتكارات والمستجدات في المجال مرتبطة بالذكاء الاصطناعي بشكل أو بآخر.

تحولات مالية كبرى

لقد شهد العام الجاري صعود Nvidia لنادي كبرى الشركات في القيمة السوقية عالمياً، مع تخطيها حاجز 3 ترليونات دولار أمريكي، بفعل تعاظم أهميتها في قطاع عتاد الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، سواء في قطاع شرائح المعالجة المخصصة أو وحدات معالجة الرسومات. وبعد أن أنهت عام 2023 بقيمة 1.22 ترليون دولار، وصلت في ذروة صعودها إلى 3.6 ترليون في نوفمبر الماضي، في صعود تاريخي. كما وشهدت في 2024 أيضاً أكثر هوامش الهبوط أيضاً، في انعكاس لتقلبات جامحة في القطاع المالي والتقني.

من جانبها، اقتربت Apple من بلوغ مستوى قياسي عند 4 ترليون دولار، بدفع من خطواتها الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى صعود نجمها مع إطلاق أولى نظاراتها للواقع الافتراضي. مع الإشارة إلى أنها أنهت العام الماضي بقيمة تتجاوز 3 ترليونات دولار بقليل.

كذلك الأمر، شهد عام 2024 إنجازاً تاريخياً لمنصة تيليجرام، إذ تمكنت من تحقيق الربحية للمرة الأولى في تاريخها، بعد 11 سنة مضت على التأسيس. ورغم كل ضغوطات التقييد والحظر التي عانت منها الشركة مراراً، واحتجاز مؤسسها ورئيسها التنفيذي، بافل دوروف، في باريس ومنعه من مغادرة الأراضي الفرنسية في أغسطس، نجحت الشركة في تكريس نظرتها تجاه الاستدامة المالية لمنصات التواصل الاجتماعي دون التخلي عن استقلاليتها واحترام حقوق المستخدمين.

مؤسسها ورئيسها التنفيذي، بافل دوروف

ولادة بيتكوين الجديدة

سيتذكر التاريخ سنة 2024 باعتبارها السنة المفصلية في انتقال بيتكوين إلى طور مختلف تماماً من النضج والقبول عالمياً. كيف لا وهي السنة التي تجاوزت فيها قيمة العملة حاجز 100 ألف دولار، مع إقبال غير مسبوق لاعتمادها كوسيلة مدفوعات مشروعة في العديد من الشركات من مختلف القطاعات.

من منظور آخر، يمكن إقران الانفجار الكبير في شعبية بيتكوين، وأخواتها من العملات الرقمية، بعودة ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية، وهو بعد أن كان متحفظاً في عهدته الأولى، بات من أشد الداعمين والمتحمسين لقطاع العملات الرقمية، وقد رأينا كيف ابتدأت موجات الصعود الكبيرة في قيمة بيتكوين مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة.

فضلاً عن ذلك، فإن 2024 هو العام الذي تفوقت فيه صناديق المؤشرات المتداولة (EFT) للبيتكوين على نظيرتها من الذهب في مجموع قيمة الأصول المدارة، بفترة صعود قياسية، وذلك بعد انفراج تنظيمي بقبول رسمي طال انتظاره من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC).

دونالد ترامب

لكن القصة مع بيتكوين هذا العام لم تقتصر على صعود قيمتها ونفوذها في الأسواق العالمية، فقد شهد 2024 الكشف عن الهوية الحقيقية لساتوشي ناكاموتو، مؤسس العملة المفترض، في فيلم وثائقي من إنتاج HBO، أشار فيه المخرج كولين هوباك إلى المدعو بيتر تود، أسترالي الجنسية، باعتباره الشخص المنشود. لكن الأخير نفى تلك المزاعم، واختار التواري عن الأنظار لدواعٍ شخصية وأمنية، تاركاً للحكاية فصولاً أخرى للبت فيها.

نشاط وإعداد من إيلون ماسك

يواصل أغنى أغنياء العالم بناء مشروعه الخاص للذكاء الاصطناعي بخطى وثيقة، فبعد إطلاقه xAI في مارس عام 2023، تمكن هذا العام من جمع ما يزيد على 12 مليار دولار من جولات التمويل، والتي رفعت تقييم شركته إلى 45 مليار دولار، بالإضافة إلى الدعم الذي حصل عليه من عدد من صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي. هذا فضلاً عن مشروعه الرديف الآخر المتمثل في بناء أقوى حاسوب فائق في الوجود، معزز بمئة ألف وحدة معالجة رسوميات رائدة من Nvidia.

لقد رأينا بوادر التحركات الفعلية الأولى مع إطلاق نموذج Grok 2.0 هذا العام، بكل ما جاء به من تحسينات في القدرات العامة، وقيود فضفاضة في توليد المحتوى انتشرت مخرجاتها كالنار في الهشيم انطلاقاً من منصة X.

من الأمور الأخرى التي حفرت اسم ماسك في تاريخ القطاع التقني هذا العام وصول سيارة Cybertruck رسمياً إلى الطرقات، بعد طول انتظار وتأجيل. وقد جاءت بكل ما وعد به ماسك تقريباً من تغييرات جذرية غير مسبوقة في عالم السيارات. لكن مع تكاثر التقارير التي تتحدث عن طلبات الاستدعاء لإصلاح عيوب قاتلة بدأت تظهر تباعاً، يبدو وأننا أمام قصة نجاح لم تكتمل عناصرها بعد.

سيارة Cybertruck

ارتطام الذكاء الاصطناعي بأسقف الموارد والإمكانات

مع ضخ الأموال الهائل وتسارع الاستثمارات بمعدلات تاريخية، يبدو وأن تقنيات وشركات الذكاء الاصطناعي بدأت فعلياً بالوصول إلى حدود عملية يصعب أو يتعذر تجاوزها في بعض الحالات. فقد تصدر الصحف المال والأعمال مؤخراً تقارير تتحدث عن قرب نفاد مجاميع البيانات لتدريب النماذج. فضلاً عن تحديات توفير الطاقة لتشغيل الأحمال، سواء لعمليات التدريب أو الاستدلال، وتوجه كبرى الشركات نحو استثمارات فارقة في تاريخها باللجوء إلى الطاقة النووية وتكثيف جهودها في تبني الطاقات البديلة ومساعي الاستدامة، الأمر الذي عايناه مع شركات مثل Microsoft، وMeta، وAmazon.

علاوة ذلك، اشتدت تحركات الاحتجاج على سلوكيات شركات الذكاء الاصطناعي في جمع البيانات وتدريب نماذجها عليها، فيما وُصف بأنه انتهاك لحقوق الملكية الفكرية من خلال توظيف بيانات ومصادر دون ترخيص، مع مطالبات بدفع تعويضات جسيمة لصالح بعض الجهات.

دفع ذلك شركات التقنية لتنويع جهودها وخدماتها بدلاً من الاكتفاء بمجرد التطوير، والتدريب، والتجربة. ليبرز على الساحة ما يسمى بأدوات وكلاء الذكاء الاصطناعي القادرة على القيام بالمهام وفقاً لمنهجية وطريقة مبتكرتَين. كما وشهد العام اضطرار الشركات على ترجمة استثماراتها لمنتجات فعلية من شأنها تحقيق العوائد المرجوة من الاستثمارات الكبيرة، فرأينا إطلاق العديد من تحديثات نماذج المحادثة، وأدوات توليد الصور والفيديوهات، ودمج التقنية في صلب منتجات مثل الهواتف المحمولة والحواسيب الشخصية. ناهيك عن فيض من النماذج أطلقتها شركات التجارة الرقمية الكبرى مثل أمازون وAlibaba. ومما يستحق الذكر أيضاً الإعلان عن شراكة OpenAI مع شركة تقنيات الدفاع Anduril لتحسين أنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة.

مواضيع مشابهة

تحركات OpenAI نحو تعزيز الهيمنة

مما لا شك فيه، تُعتبر OpenAI قطب الذكاء الاصطناعي اليوم، وقد خاضت هذا العام في تحولات من شأنها أن تحدد ملامح مستقبلها القادم بشكل كبير. فقد رأينا استكمالاً لموجة الخروج الكبيرة للمؤسسين الأوائل في الشركة، ولم يبقَ منهم تقريباً إلا الرئيس التنفيذي، سام ألتمان. كما وبدأت الشركة تغيير هيكليتها والتوجه نحو النمط الربحي، بعد أن أنهكتها التكاليف التشغيلية، وأدت لتكبدها خسائر مالية، اضطرت معها للخوض في جولة تمويلية كبيرة.

على الصعيد التقني، فرضت الشركة نفسها كلاعب مهيمن، حيث أطلقت نموذج GPT-4o في مايو، وحسنت من وصول سائر مستخدميها، بمن فيهم المسجلون مجاناً، إلى كامل ميزاتها. وأعلنت أواخر العام عن نموذجَي o3 وo3-mini. وسبق ذلك إطلاقها ميزة البحث المعزز بالذكاء الاصطناعي، في تحدِ مباشر لهيمنة Google على المجال.

مشاكل Boeing ومكاسب SpaceX

بعد مراحل طويلة من الاختبارات، والعثرات، والتأجيلات، أطلقت Boeing مهمتها الموعودة Starliner أخيراً، منتصف العام. ولكن ما كان مقرراً مدته ثماني أيام، انتهى إلى أشهر من التأخيرات، بعد أن أدت مشاكل تقنية إلى إجبار الشركة على ترك الطاقم المؤلف من فردين على البقاء على متن محطة الفضاء الدولية. ولسخرية القدر، كانت الطامة الكبرى على Boeing هي أن عودة طاقمها تقرر أن تكون بجهود منافستها SpaceX، في مارس من 2025 القادم.

بمعزل عن المكاسب التي يسوقها القدر، ترسم SpaceX مسيرتها الفضائية بإنجازات غير مسبوقة. فقد نجحت في إتمام أول رحلة تجوال في الفضاء الخارجي لصالح القطاع الخاص على متن. كما وتمكنت من إطلاق صاروخ Starship بنجاح، والذي سيكون عماد الرحلة المنتظرة صوب القمر والمريخ ربما.

طاقم مهمة Polaris Dawn

في سياق آخر، شهد عام 2024 أيضاً اختيار SpaceX لتكون الشركة المسؤولة عن تطوير المركبة المخصصة لإزالة محطة الفضاء الدولية (ISS) من المدار لصالح وكالة NASA، بما يضمن طي صفحة تلك المنشأة الفضائية التاريخية، إلى الأبد، وبسلام. وقد بلغت قيمة التعاقد بين الطرفين 843 مليون دولار.

تغوّل صناعة السيارات الكهربائية الصينية

تتوالى نجاحات الصين في عالم السيارات الكهربائية. إذ تشهد البلاد اليوم النسبة الكبرى من المبيعات عالمياً بواقع 64%، والرقم في تصاعد. وفي نفس الوقت، تكتسح شركاتها المبيعات حول العالم دون منازع، وكان من أبرز الوافدين الجدد إلى المجال شركة Xiaomi. وينسحب الحال ذاته على مجال تقنيات البطاريات، مع تسارع في الابتكار لتحسين السعة، والكفاءة، والبنية التحتية.

سيارة Xiaomi الكهربائية الأولى

تطورات جدية في قضية مكافحة الاحتكار ضد Google

دخلت قضية مكافحة الاحتكار المرفوعة ضد Google منحى جديداً بإدانتها رسمياً بارتكاب ممارسات احتكارية غير قانونية في سوق البحث عبر الإنترنت. في واقعة من صدامات القضاء الكبرى مع عمالقة التقنية، وتعيد إلى الأذهان التسوية التي انتهت إليها قضية مشابها ضد Microsoft أواخر الألفية المنصرمة.

لا تزال الإجراءات العقابية أو تفاصيل التسويات غير محسومة، ولم يتضح بعد مدى إصرار الجهات المدعية على إجراءات من شأنها إيلام Google كثيراً. فقد جرى الحديث عن أشياء مثل إجبار الشركة على بيع متصفح Chrome أو حتى التنازل عن نظام Android. وفي آخر التطورات، عرضت Google نفسها تخفيف الاتفاقيات الحصرية الموقعة مع الشركات الكبرى، والتي تعدّ عاملاً محورياً في استمرار هيمنتها على قطاع البحث.

قضية مكافحة الاحتكار ضد Google

تحديات تواجه شركة Intel

بعد الصعود القوي لمنافستها الأزلية، AMD، وفرضها معادلة جديدة في سوق وحدات المعالجة المركزية، بدأت Intel عام 2024 بمشكلة عدم استقرار وتعطلات أرخت بأثرها على عدد من وحداتها الأحدث. ورغم التفاؤل بسلسلة معالجاتها الجديدة، والتي بنت الشركة عليها آمالاً كبيرة، لم يكن الأداء المالي والإداري للشركة بأفضل حال.

خرجت Intel من مؤشر Dow Jones الصناعي، لتحل محلها Nvidia الصاعدة بشراسة. كما وتراجعت مبيعاتها لتتجاوزها AMD في معالجات مراكز البيانات لأول مرة. وبتغييرات كبرى في الهرم الإداري وهيكلية الشركة نفسها، تتجه الشركة نحو مسار إعادة إحياء لا بد منه، بعد أن وصل الأمر لحد ظهور تقارير بشأن إمكانية استحواذ Qualcomm عليها.

استكمال للمناوشات التجارية الصينية الأمريكية

يتواصل مسلسل الصدام الاقتصادي، والتجاري، والتقني بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، مع تشديد الأخيرة قيودها المفروضة على الجانب الصيني، في إطار تقويض نمو الصين، سواء بالعقوبات، أو بالرسوم، أو بالقيود. وكان آخر فصول النزاع حظر الصين تصدير معادن الجاليوم، والجرمانيوم، والأنتيمون إلى أمريكا، وبدء الأخيرة موجة استهدافات جديدة لشركات التقنية، وكان آخر ضحاياها المحتملين شركة TP-Link، المهيمنة في سوق أجهزة التوجيه عالمياً.

في غمرة كل ذلك، لا تفوت الصين فرصة لانتهازها، وهي التي نجحت هذا العام من خلال شركة SMIC في صنع شرائح بدقة تصنيع 5 نانو متر دون معدات الأشعة فوق البنفسجية المتطرفة. لتكون لها الولايات المتحدة بالمرصاد، مع اقتراح الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية عالية على البضائع الصينية. وقد سبقته في ذلك دول الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم تصل إلى 35% على السيارات الكهربائية الصينية. فضلاً عن محاولة تقويض نمو منصة Temu للتجارة الإلكترونية بعد النجاح الباهر الذي حققته مؤخراً. ولا ننسى بالطبع المساعي المتعلقة بتقييد TikTok ومحاولة فرض بيعه لطرف أمريكي.

شارك المحتوى |
close icon