لماذا لم تحصل ثورة الواقع الافتراضي التي تحدث الجميع عنها بعد
في حال عدنا بضعة أعوام للماضي فقط، سيكون من الملحوظ وجود اختلاف كبير في المواضيع التي تثير حماس العالم التقني، حيث كانت تقنية الواقع الافتراضي هي المجال الجديد الذي سيغير العالم التقني إن لم يكن عالم الأعمال حتى بشكل كامل، لكن الآن وبعد انتظار سنوات لا يبدو أن “ثورة الواقع الافتراضي” التي وعدنا بها قريبة حتى من الحدوث، بل يبدو المجال ثابتاً ومجمداً مكانه إلى حد بعيد.
وهنا يأتي السؤال الهام: لماذا سارت الأمور بهذا الشكل؟ ولماذا لم تنتشر نظارات الواقع الافتراضي بالشكل الذي كنا ننتظر حدوثه حقاً؟ بالطبع فمن الصعب تحديد سبب واضح وأكيد للأمر، لكننا سنحاول العثور على أهم العوامل التي ساهمت في خيبة الأمل الكبيرة في مجال الواقع الافتراضي.
التكلفة العالية للواقع الافتراضي
في حال أردت تجربة الواقع الافتراضي اليوم، فالخيارات المتاحة ليست رخيصة أبداً في الواقع. حيث تكلف الموديلات الأرخص أسعاراً تبدأ من 400 دولار أمريكي عادة، وذلك دون ذكر التكاليف الكبيرة للحصول على حاسوب ألعاب قوي كفاية لتشغيلها أو ربما جهاز ألعاب متوافق معها. وبالنتيجة عادة ما يكون التحول إلى الواقع الافتراضي أمراً غير محبب مالياً ومن السهل أن يكلفك بضعة آلاف من الدولارات حتى.
هذا السعر المرتفع ليس وحده المشكلة في الواقع، فلو أن التقنية ناجحة مسبقة لم يكن السعر ليقف أمامها حقاً، فالحواسيب المحمولة والهواتف الذكية تكلف أسعاراً باهظة للغاية اليوم ومن المعتاد أن تكلف أكثر من ألف دولار حتى، لكنها منتشرة أكثر بكثير لسبب أساسي هو أنها قد أثبتت فائدتها بوضوح، فيما لا يزال الكثيرون مشككين بكون الواقع الافتراضي يقدم أي فائدة، ولو أن من جربوه يعرفون أنه تجربة لا تضاهى من حيث الاندماج مع المحيط الخاص بك.
الصعوبات التقنية وصعوبات الإعداد
في حال قمت بشراء هاتف أو حاسوب جديد، فمن المتوقع ألا تحتاج عملية الإعداد أكثر من بضعة دقائق وخطوات سهلة وسريعة. لكن إن قررت تجربة الواقع الافتراضي فالمشاكل عديدة ومن السهل أن تقضي ساعات وأنت تحاول التعامل مع أكوام الكوابل وبرمجيات الإعداد المختلفة لكل نظارة، ويزداد الأمر صعوبة في حال اخترت نظارة تحتاج إلى ملحقات خارجية مثل الكاميرات وسواها، وهنا سيكون هناك مشكلة إضافية من حيث المساحة الضائعة وبالأخص لمن يسكنون شققاً صغيرة أصلاً.
الواقع الافتراضي ليس مناسباً للجميع
مع أن النسبة الأكبر ممن جربوا الواقع الافتراضي يشهدون بكونه تجربة ممتعة ومسلية جداً دون شك، فهذا الموقف ليس مشتركاً بين الجميع حقاً. ومقابل من أحبوا الواقع الافتراضي هناك الكثير ممن لاحظوا بعض مشاكله منذ البداية، حيث أن الانعزال عن العالم الخارجي لفترات ممتدة قد يترك المستخدم في حالة من الدوار والغثيان عند نزع النظارات.
حتى الشركات المصنعة للنظارات باتت توصي بأخذ استراحات حتى ربع ساعة بعد كل نصف ساعة من استخدام النظارات، وهذا الأمر عائق حقيقي سواء لمحبي الألعاب الذين عادة ما يقضون ساعات متواصلة من اللعب، أو حتى للاستخدامات الأخرى المستقبلية التي لن تكتفي بجلسات بطول نصف ساعة بالطبع.
عدم التوافقية والحلقة المفرغة للتطوير
هناك اليوم عدد كبير نسبياً من منصات الواقع الافتراضي، حيث هناك نظارات HTC Vive وFacebook Oculus وحتى Valve Index وPlayStation VR. لكن المشكلة الأساسية أن هذه المنصات المختلفة تمتلك متطلبات برمجية متعددة وغير متوافقة مع بعضها البعض، وبالنتيجة فتطوير الألعاب لتعمل عليها جميعاً عملية صعبة ومكلفة للغاية، والتركيز على واحدة وتجاهل البقية ليس خياراً ناجحاً مالياً على الأقل.
بالإضافة لما سبق، فالمطورون مترددون بشكل كبير حيال تطوير المحتوى الجديد لمنصات الواقع الافتراضي، وبالنتيجة لا تنتشر هذه النظارات أكثر لأنها لا تمتلك برمجيات متنوعة كفاية، ونتيجة عدم انتشارها يتردد المطورون أكثر حيال التطوير لها، وتستمر الحلقة المفرغة بكون النظارات لا تباع بسبب شح البرمجيات، وأن شح البرمجيات ناتج عن نقص المبيعات أصلاً.
هل ستتغير الأمور مستقبلاً؟ أم أن الواقع الافتراضي مقدر له أن يبقى على حاله؟
على مدى عقدين من الزمن الآن كانت الأحاديث عن الواقع الافتراضي تظهر وتختفي بشكل دوري ومتناوب، حيث يزداد الحماس حول التقنية بشكل هائل لفترة ويعتقد الكثيرون أن التقنية ستنتشر أخيراً، لكن سرعان ما تعود التقنية لوضع السبات لسنوات قبل موجة حماس جديدة.
بالنتيجة من السهل أن يرى الكثيرون أن المستقبل الافتراضي الموعود ليس سوى كذبة، وأن التقنية ستفشل كما فعلت تقنية الشاشات ثلاثية الأبعاد قبل سنوات. لكن الجزم بالأمر ليس قراراً حكيماً أبداً، وحتى بعد العديد من الموجات التي تشهد صعوداً وانهياراً للحماس حول التقنية، فالمستقبل الافتراضي الموعود قد يكون قريباً كفاية منا.
مع الوقت من الممكن أن يتم حل العديد من المشاكل التي تعد عوائق لعالم الواقع الافتراضي اليوم، فمعظمها لا تحتاج سوى منافسة وتطوير أفضل للمستقبل. وبالنتيجة من الممكن أن يكون المستقبل الافتراضي قد تأجل فحسب، ولم يتم إلغاؤه حقاً كما يقول البعض.