إلى أي حد تهيمن جوجل على مجال محركات البحث؟ وما سر هذه الهيمنة؟
ما هو خيارك المفضل للبحث على الإنترنت عن المعلومات التي تريدها؟ إن كنت كما 90% من سكان العالم فجوابك سيكون Google دون شك، وفي المنطقة العربية سيكون الاحتمال أكبر حتى. حيث أن الشركة الأمريكية التي تأسست عام 1998 تهيمن على المجال بشكل كامل منذ مطلع الألفية، وعلى الرغم من ظهور العديد من المنافسين سواء القدامى منهم أم الجدد، فهيمنة جوجل تبدو مستمرة دون أي تغيير على هذا الواقع في المدى المنظور.
في الواقع فهيمنة جوجل على مجال محركات البحث كبيرة كفاية لتجعلها محور تركيز العديد من الدعاوى القضائية والتحقيقات الحكومية في العديد من الأماكن حول العالم وبالأخص الولايات المتحدة وأوروبا. حيث توصف الشركة بأنها احتكارية للغاية، وسواء كان هذا الوصف حقيقياً أم لا سنتناول في هذا الموضوع حجم سيطرة جوجل على مجال البحث أولاً، ومن ثم سنتطرق لأسباب هيمنتها المستمرة عليه دون أية عوارض تراجع حتى.
ما هو مدى هيمنة شركة Google على مجال البحث؟
في حال نظرنا إلى جميع عمليات البحث التي تتم في العالم* فمن الواضح أن جوجل تتصدر الترتيب بجدارة مع نسبة تقارب 92% حالياً، فيما أن أقرب منافسيها هم: Bing مع 2.83% من السوق، وYahoo مع 1.59%، وBaidu مع 1.14% وDuckDuckGo مع 0.5% فقط.
بالنظر إلى أقسام السوق حسب الأداة المستخدمة لا يتغير الكثير في الواقع، حيث تستمر Google بالسيطرة على 87% من عمليات البحث التي تتم عبر الحواسيب، و95% من عمليات البحث التي تتم عبر الهواتف الذكية. لكن المثير للاهتمام هو تغير المنافسين حسب الجهاز الإلكتروني، فالمنافسون الأقرب في قطاع الحواسيب هم Bing وYahoo وBaidu على الترتيب، بينما في الهواتف المنافسون هم Baidu وYahoo وYandex على الترتيب.
عند النظر إلى البيانات المحلية للبلدان تستمر سيطرة جوجل دون شك في كل بلد باستثناء الصين، لكن بعض الأمثلة المثيرة للاهتمام تتضمن روسيا حيث يسيطر جوجل على 58% من السوق مقابل حصة أصغر لكن كبيرة نسبياً للبديل المحلي Yandex مع 39% من السوق، وكذلك اليابان حيث يستمر Yahoo في السيطرة على 19% من السوق مع أنه شبه معدوم الوجود في بقية الأماكن حول العالم.
بينما تتضمن بعض البلدان مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة منافسة ولو صغيرة لهيمنة Google على المجال، فالأسواق الناشئة أكثر ميلاً للاعتماد على بحث جوجل في الواقع، حيث أن 97% من عمليات البحث التي تتم في أي من أفريقيا أو أمريكا الجنوبية تتم عبر Google وهي نسبة هيمنة تبدو غير طبيعية حتى في ظل معرفة مدى سيطرة جوجل.
لماذا تستمر جوجل بالهيمنة على مجال البحث حول العالم؟
منذ تقديمه للمرة الأولى عام 1998 تمكن محرك بحث جوجل من النمو بسرعة كبيرة سمحت له بالتفوق على الخيارات المتاحة حينها مثل Yahoo وAsk Jeeves وAlta Vista. ومع السنوات وصل جوجل إلى هيمنة كبيرة لم يتراجع عنها حتى الآن.
مع أن بحث جوجل كان متفوقاً بوضوح عند تقديمه، وهذا هو سبب نجاحه الأولي السريع للغاية، فالتفوق وحده ليس كافياً للحفاظ على المرتبة الأولى لوقت طويل. لذا هناك في الواقع بعض العوامل التي تساعد الشركة بشدة في المجال مثل:
شعبية متصفح Google Chrome
يعد متصفح Google Chrome أكثر متصفحات الإنترنت انتشاراً في العالم دون منازع، إذ يسيطر وحده على 69% من سوق الحواسيب و64% من سوق الهواتف الذكية اليوم. ومع كونه أحد منتجات جوجل فهو يستخدم محرك بحث جوجل دون شك مما يسهم بجعل محرك البحث افتراضياً في عدد كبير من الحواسيب والهواتف على أي حال.
في الواقع تقوم جميع المتصفحات الكبرى اليوم (باستثناء Microsoft Edge بالطبع) باستخدام بحث جوجل كخيارها الأول للبحث.
الانتشار الهائل لنظام أندرويد على الهواتف الذكية
في عام 2005 قامت شركة جوجل بواحد من أهم القرارات في تاريخها: شراء شركة أندرويد ونظامها الذي يحمل نفس الاسم وتطوير النظام ليستخدم في الهواتف الذكية مجاناً. اليوم يهيمن أندرويد على قرابة 85% من سوق الهواتف الذكية مع كونه مستخدماً من جميع شركات الهواتف الكبيرة باستثناء Apple التي تستخدم نظامها الخاص iOS.
مع أن نظام أندرويد بحد ذاته مجاني، فقد قدم أرباحاً هائلة لشركة جوجل من حيث تقديم بحث ومختلف خدمات وتطبيقات جوجل الأخرى إلى مليارات المستخدمين حول العالم. حيث تأتي هواتف أندرويد مع متصفح جوجل كروم وبحث جوجل كخيارات افتراضية، وهذا الأمر مهم للغاية ضمن مخططات جوجل للاستمرار بالسيطرة على السوق.
الدفع مقابل الاعتماد كمحرك بحث افتراضي
مع أن نظام أندرويد ومتصفح جوجل كروم واسعا الانتشار إلى حد بعيد، فأي منهما لا يسيطر على سوقه تماماً. لذا تقوم جوجل بالدفع للعديد من الشركات المختلفة لقاء جعل بحث جوجل هو الخيار الافتراضي (أو المفضل على الأقل) للمتصفحات والأنظمة الأخرى.
كل عام تدفع جوجل مئات الملايين من الدولارات مقابل أن يكون جوجل هو الخيار الافتراضي للبحث في نظام iOS ومتصفحات Safari وMozilla Firefox وسواها. ومع أن جوجل ليست الشركة الوحيدة المستعدة للدفع لقاء الحصول على حصة سوقية أكبر، فهي تمتلك الموارد الكافية لتتفوق على أي منافس آخر من حيث قيمة الصفقات في المجال.
هل من الممكن أن تنهار سيطرة جوجل على محركات البحث أو أن تهتز على الأقل؟
مع أن جميع العوامل الموجودة اليوم تشير إلى أن سيطرة جوجل مستمرة على المدى المنظور على الأقل، فلا شيء مضمون حقاً في المجال التقني. وحتى مع كل الأمور التي تسير لصالح جوجل اليوم من الممكن لعوامل خارجية أن تغير عالم البحث بأكمله في حال حصولها.
التهديد الأكبر لجوجل ربما هو أن سيطرتها على السوق تبدو احتكارية وهذا الأمر لا يعجب المشرعين في العديد من الأماكن حول العالم. في الواقع شركة جوجل هي محور العديد من التحقيقات والمحاكمات في أماكن مختلفة من العالم اليوم، ومع أن معظم هذه الدعاوى والتحقيقات تنتهي مع غرامات صغيرة (بمعايير جوجل بالطبع)، هناك احتمال حقيقي لكون جوجل قد ترغم على التفكك في حال استمرت بالمسار الاحتكاري وكان هناك دعم تشريعي كافٍ للقيام بخطوة كبرى كهذه.
في حال استثنينا الخطوات التشريعية من بلدان كبرى، فالتهديد الوحيد المحتمل لهيمنة جوجل هو ظهور منافس جديد أكثر قوة ومع قوة سوقية كافية. ومع أن المنافسين القديمين مثل Yahoo وBing قد فشلوا بتخفيض حصة جوجل، فربما يكون هناك منافسون جدد مجهزون للأمر بشكل أفضل كأن تقوم شركة Apple بإطلاق محرك بحث خاص بها وجعله الافتراضي على منتجاتها من حواسيب وأجهزة لوحية وهواتف ذكية.
*عند الحديث عن البيانات العالمية فهي دائماً ما تستثني السوق الصينية حيث Google ومعظم محركات البحث المعروفة محظورة وتسيطر مجموعة من الشركات المحلية على المجال لأسباب متعلقة بالرقابة الحكومية على البحث والمعلومات المتاحة للمستخدمين.