لماذا تحتاج العملات الرقمية الكثير من الطاقة؟ وهل هذا الاستهلاك هدر أم ضرورة؟
قبل بضعة أسابيع صدر تقرير جديد يتابع استهلاك الطاقة العالمي لعملة بيتكوين الرقمية الشهيرة، وضمن التقرير تبين أن العملة تستهلك حوالي 121 تيرا واط سنوياً، وهو رقم هائل يزيد عن استهلاك دولة الإمارات العربية المتحدة أو الأرجنتين من الكهرباء.
هذه الحقيقة الصادمة هي مشكلة قد تكون في بدايتها فقط، وستزداد المعاناة منها بمرور الوقت في حال استمرت العملات الرقمية بالارتفاع من حيث السعر. وهنا ربما يجب أن يتم تسليط الضوء على أمر هام: لماذا يتم استهلاك كم كبير من الطاقة لتشغيل شبكات العملات الرقمية؟ وهل استجرار هذه الطاقة الكبيرة ضروري حقاً أم أن هناك طرقاً بديلة له؟
لماذا تحتاج شبكات العملات الرقمية إلى طاقة كبيرة أصلاً؟
لفهم الأمر من الضروري شرح فكرة “تعدين العملات الرقمية”، وهي مصطلح يعني أن المستخدمين يقومون بتخصيص قوة معالجة ما عبر حواسيب أو أدوات مصممة خصيصاً لمعالجة طلبات شبكات العملات الرقمية، وهنا يمكن للمُعدّن أن يعالج عمليات التحويل التي تحصل ضمن الشبكة وبالمقابل يحصل على عمولات تحويل بالإضافة إلى جوائز على شكل كمية معينة من العملات الرقمية تمنح له مقابل مساهمته.
بالطبع وكلما قام المعدن بتخصيص قوة معالجة أكبر للشبكة ستكون فرصته بالحصول على عملية لمعالجتها وجني الربح أكبر، لذا عادة ما يسيطر المعدنون الكبار الذين يمتلكون مراكز تعدين شاسعة متخمة بالآلات المخصصة للأمر على المجال، فيما أن المعدنين الصغار عادة ما ينضمون إلى تحالفات تزيد من فرص حصولهم على عمليات تحويل، لكنها تقلل من ربحهم من كل عملية عموماً.
هذا النوع من تعدين العملات الرقمية يعتمد على كون المعدنين يسعون للحصول على أفضل فرص ممكنة لحل العمليات عبر تقديم أكبر قدر ممكن من قوة المعالجة، وبالطبع فقوة المعالجة الخاصة بالمعالجات أو معالجات الرسوميات أو أجهزة التعدين حتى تستهلك الطاقة الكهربائية، وكلما كانت القوة المطلوبة أكبر يستخدم المعدنون طاقة أكبر.
يسمى هذا المبدأ من التعدين بـ “إثبات العمل” (Proof of Work)، أي أن المعدنين يثبتون العمليات التي قاموا بها بكونهم قد قدموا كمية معينة من المعالجة لحل المعضلة الرياضية الخاصة بالتحويل.
المشكلة الأساسية في استخدام إثبات العمل في العملات الرقمية
اليوم تعتمد جميع العملات الرقمية الكبرى مبدأ إثبات العمل في الواقع، لكن الانتشار الكبير لهذا المبدأ لا يعني أنه دون عيوب حقاً، بل أنه يمتلك عيباً هائلاً يزداد تأثيره بشكل تدريجي مع استمرار ازدهار سوق العملات الرقمية.
الفكرة هنا هي أن المعضلات الحسابية المطلوب حلها للحصول على عمولة عمليات التحويل ضمن شبكات العملات الرقمية ليست ثابتة الصعوبة في الواقع. بالمقابل فصعوبة المعضلات المطلوب حلها تتناسب مع مقدار قوة المعالجة الموجودة على الشبكة، وكلما ازداد عدد المعدنين وقوة الأجهزة التي يستخدمونها للتعدين كلما أصبحت المعضلات أصعب وتحتاج لمعالجة أقوى وبالتالي طاقة أكبر لحلها.
الواقع هو أن كمية الطاقة اللازمة لعمل شبكات العملات الرقمية اليوم ليست ضرورية أبداً، بل أنها مجرد هدر لقوة المعالجة (وعمر الإلكترونيات المستخدمة) وبالتالي للطاقة، وكلما ارتفعت أسعار العملات الرقمية يقبل المزيد من الأشخاص على التعدين لجني المال مما يصعب التعدين أكثر ويزيد استهلاك الطاقة ويضيع المزيد من الموارد هباءً.
للمقارنة، فالتحويلات المالية التي تتم عبر أنظمة مركزية لا تستخدم هذا النوع من الهدر للطاقة في الواقع، ومع أن أنظمة التحويل المركزية تمتلك العديد من العيوب دون شك، فهي خيار أفضل بيئياً من العملات الرقمية التي تهدر الطاقة كأسلوب تأكد.
مواضيع قد تهمك:
- الصين تعلن الحرب على تعدين العملات الرقمية بسبب استهلاك الطاقة الهائل
- سوق العملات الرقمية يتجاوز ترليون دولار أمريكي من القيمة
- أكبر العملات الرقمية من حيث السيطرة على السوق اليوم
هل يوجد بديل لأسلوب إثبات العمل؟
باختصار: نعم. هناك أسلوب تأكيد عمليات لشبكات بلوك تشين يعرف باسم إثبات الحصة (Proof of Stake)، وعلى عكس إثبات العمل فهو لا يحتاج قوة معالجة هائلة ولا يهدر أية طاقة في سبيل تشغيل شبكة العملة الرقمية، بل أنه يعتمد فكرة مختلفة تماماً وواعدة للمستقبل.
في أسلوب إثبات الحصة لا يحصل المعدنون على فرصة تأكيد العمليات وفق قوة المعالجة التي يقدمونها، بل وفق نظام يطلب منهم تقديم حد معين من العملة الرقمية التي يتم تعدينها، حيث يتم حجز هذا المبلغ بشكل مؤقت طالما أن المعدن يشارك في الشبكة، ويتم تأكيد أن المعدن لا يحاول الاحتيال بكونه لا يسمح له بمعالجة أية تحويلات تتضمن نقل مبالغ أكبر من المبلغ الذي أودعه مسبقاً، وفي حال قام أحد بمحاولة إدخال عملية احتيالية إلى الشبكة فهو يغامر بخسارة كامل المبلغ الذي أودعه (وهو مبلغ أكبر من المبلغ الممكن كسبه من العملية الاحتيالية).
حالياً لا يزال مبدأ إثبات الحصة تجريبياً نوعاً ما، وهو غير مستخدم في أي عملة رقمية كبرى ولو أنه هناك تقارير متتالية منذ سنوات عن نية عملة إيثيريوم (ثاني أكبر عملة رقمية في العالم) الانتقال لاستخدام مبدأ إثبات الحصة بدلاً من إثبات العمل.
في المستقبل من الممكن أن يصبح إثبات الحصة هو المبدأ المتبع لتعاملات العملات الرقمية على نطاق واسع، وفي حال حصل ذلك سيتم تجنب واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه مستقبل العملات الرقمية اليوم: هدر الطاقة الكبير وغير الضروري.