بعد الإفراج عنه: خط زمني لقضية جوليان أسانج، مؤسس WikiLeaks
بعد 14 عاماً من الاختباء، والهروب، ومن ثم الاعتقال، حصل الأسترالي جوليان أسانج اليوم على حريته التي سلبت منه نتيجة إطلاقه لموقع WikiLeaksالشهير. وبينما يعد الإفراج عن أسانج لحظة تنهد الصعداء للكثيرين ممن نادوا بتحريره عبر السنوات، فقد أعاد الأمر تركيز الضوء على الأساس المقلق الذي بنيت على أساسه القضية ضد أسانج وكيف فقد حريته لسنوات عديدة نتيجة قضية أولى تبدو مزيفة، ومن ثم قضية غير مقنعة من حيث حرية الصحافة.
القصة تبدأ مع WikiLeaks
في عام 2006، كان أسانج أحد مؤسسي موقع على الإنترنت تحت اسم WikiLeaks، وكانت فكرة الموقع بسيطة: منصة موحدة تتيح نشر التسريبات عبرها بسهولة، لكن الاختلاف هنا هو أن التسريبات لا تأتي من مصدر واحد، بل يمكن أن تأتي من مختلف المصادر حول العالم وبإسهامات من أي شخص يريد إرسال الملفات والبيانات إليها، ومن هنا أتى جزء «Wiki» في اسم المنصة.
بالإضافة لكونها تجمع التسريبات من مختلف المصادر حول العالم، تمتعت WikiLeaks بميزة أخرى مهمة: يمكن للمسربين إرسال الوثائق والتسريبات بسرية كاملة دون الإفصاح عن هويتهم، أو مكانهم، أو مسماهم الوظيفي، أو حتى طريقة حصولهم على الوثائق. باختصار، كانت المنصة تنادي المسربين: هل لديكم وثائق تريدون مشاركتها دون كشف هويتكم؟ سنقوم بذلك لصالحكم دون كشف أي معلومات عنكم.
سرعان ما حصلت المنصة على شعبية كبيرة بين المسربين الذين وجدوا فيها طريقة أضمن لخصوصيتهم من محاولة التواصل مع الإعلام مثلاً. وبسرعة سربت ويكيليكس وثائق متنوعة تشمل شركات وحكومات وأفراد من حول العالم دون أي تمييز في الواقع. وبالطبع، سرعان ما جعلت هذه السياسة من الموقع هدفاً هاماً لوكالات الاستخبارات والحكومات الحريصة على بقاء أسرارها طي الكتمان.
إغضاب أشخاص نافذين ليس فكرة جيدة
في إبريل عام 2010، نشرت منصة ويكيليكس واحداً من أكبر وأهم التسريبات على الإطلاق: قائمة طويلة من مراسلات الجيش الأمريكي في حربي أفغانستان والعراق، بالإضافة إلى فيديو يوثق جريمة حرب تضمنت قيام مروحية أمريكية بقتل عشرات المدنيين في العراق عام 2007 رغم معرفة أنهم غير مسلحين ولا يشكلون أي تهديد. وبالطبع تسببت التسريبات بضجة كبيرة ولطخت سمعة الولايات المتحدة بشكل كبير حينها.
بعد أشهر قليلة من التسريب الهائل، بدأت متاعب أسانج القانونية. ففي أغسطس 2010، أصدر الادعاء العام السويدي مذكرة توقيف بحق جوليان أسانج في قضية تتضمن تهمتي اعتداء جنسي ضده. وبالإضافة لإنكار أسانج للتهم الموجهة ضده، فقد أظهرت التحقيقات الصحفية أن القضيتين كانتا مريبتين للغاية وتفتقدان للأدلة، بالإضافة لاحتوائهما على العديد من العناصر المشتركة للقضايا الملفقة. وحتى الآن تستمر الشبهات بالدوران حول كون القضيتين قد تم تلفيقهما بشكل غير مباشر من قبل الاستخبارات الأمريكية.
على خلفية القضية، سرعان ما اعتقلت السلطات البريطانية أسانج، الذي كان في المملكة المتحدة حينها. وبينما خرج أسانج من السجن بكفالة ريثما يتم التعامل مع قضيته، فقد قضى العامين التاليين متوارياً عن الأنظار في محاولة منه لتجنب تسليم السلطات البريطانية له إلى السويد، لكن وفي النهاية فشلت السبل القضائية وقررت المحكمة البريطانية تسليمه للسويد لمواجهة القضاء هناك.
بداية رحلة العزلة والسجن الطوعي
بعد تبخر آماله بالهروب من القضية بالطرق القضائية، قرر أسانج الهروب واللجوء إلى السفارة الإكوادورية في العاصمة الإنجليزية لندن. وبالنظر إلى أن السفارة الإكوادورية تعامل على أنها أرض تابعة لحكومة الإكوادور تسري عليها قوانين بلداها الأم حصراً، فقد كانت السفارة ملجأاً لأسانج بعيداً عن أيدي الشرطة البريطانية.
بعد استضافته في السفارة الإكوادورية حصل أسانج على حق اللجوء في الإكوادور. لكن وبالنظر إلى أنه لا توجد أي طريقة لمغادرة السفارة باتجاه الإكوادور دون المرور بالأراضي البريطانية، بات أسانج سجيناً في السفارة من حيث المبدأ. وبينما كان خطة أسانج هي البقاء في السفارة الإكوادورية بشكل مؤقت فقط، فقد امتدت إقامته لحوالي سبع سنوات هناك، وتضمنت الكثير من الانحدار التالي.
مع مرور الوقت، تزايد التوتر بين كل من أسانج ومسؤولي السفارة الإكوادورية التي تستضيفه. حيث وصف مسؤولو السفارة أسانج بأنه «ضيف غير مهذب ولا يلتزم بالقواعد ويثير المشاكل»، فيما قال أسانج أن السفارة تضيق عليه بشكل يزيد من عزلته عزلة. وبعدما قررت السفارة «وضع قواعد أساسية» صارمة لإقامة أسانج ضمنها، بادر أسانج بمقاضاة الحكومة الإكوادورية لأنها «تنتهك حقوقه وحرياته الأساسية».
ختاماً للعلاقة المتوترة مع الإكوادور، في أبريل من عام 2019 أعاد الرئيس الإكوادوري مشاركة آراءه المنتقدة لأسانج ووصفه بأنه مخترق و«مشكلة موروثة» من السابق. وبعدها بشهر واحد فقط، سمحت الحكومة الإكوادورية للشرطة البريطانية بدخول حرم السفارة في لندن، ومن هناك تم اعتقال أسانج وزجه في السجن.
التهم الأمريكية تظهر أخيراً
على الرغم من أن تهم الاعتداء الجنسي ضد أسانج كانت قد سقطت في السويد منذ عام 2017، فقد بقي أسانج مطلوباً في المملكة المتحدة بسبب هروبه عن الكفالة عند لجوئه للسفارة الإكوادورية، لذا سرعان ما حكم على أسانج بالسجن 50 أسبوعاً في المملكة المتحدة. لكن ولسوء حظ أسانج، لم يكن ذلك أكبر متاعبه حقاً، حيث عاد الادعاء العام السويدي للتحقيق بقضية الاعتداء الجنسي مجدداً عام 2019، وللمرة الأولى كشفت الولايات المتحدة كونها ستلاحق أسانج بتهم التجسس وتسريب الأسرار العسكرية، وسرعان ما طلبت من السلطات البريطانية تسليمه لها.
على مدى السنوات الخمس التالية لاعتقاله، قضى أسانج أيامه بين أحكام المحاكم واستئنافاتها بخصوص تسليمه للولايات المتحدة. وبينما حصل على أحكام بعدم تسليمه في البداية، انعكست حظوظه بعدها، واستمرت القضية بالتصعيد حتى وصلت إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة، والتي قضت في مايو 2024 بالسماح لأسانج بالحصول على استئناف أخير لقضية تسليمه.
ماذا بعد؟
بشكل مفاجئ للجميع ربما، كشفت ويكيليكس يوم الإثنين عن فيديو يظهر فيه أسانج وهو يتجه لاستقلال طائرة في أول مرة يكون فيها حراً منذ سنوات عديدة. وفي التفاصيل تبين أن أسانج قد توصل إلى اتفاق مع الادعاء العام الأمريكي يعترف بموجبها بالذنب في قضية تسريب الأسرار العسكرية، وبالمقابل يحصل على عقوبة السجن طوال خمسة أعوام. لكن وبالنظر إلى أن أسانج قد قضى أكثر من 5 أعوام مسجوناً في المملكة المتحدة، سيتم احتساب هذا الوقت من حكم سجنه، وبالتالي سيحصل على حريته.
حالياً يتجه أسانج إلى جزيرة «سايبان» النائية في المحيط الهادئ، والواقعة بالقرب من جزيرة جوام. حيث تعد الجزيرة أقليماً تابعاً للولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يبعد آلاف الكيلومترات عن الجزء القاري من البلاد، كما يبعد آلاف الكيلومترات عن أرخبيل هاواي، أقرب الولايات الأمريكية إليه. وكان سبب اختيار هذه الجزيرة هو رفض أسانج الذهاب إلى الجزء القاري من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى قرب سايبان (النسبي) من وطنه الأم أستراليا، والذي سيتجه إليه بعد المثول أمام قاضٍ أمريكي ليوافق على اتفاقيته مع الادعاء. وفي صباح اليوم المبكر، وقف أسانج أخيراً على اتفاقية اعترافه بالذنب، مما يعني أنه حصل أخيراً على حريته.
يذكر أن أعلى الدبلوماسيين الأستراليين يرافق أسانج في رحلته إلى جزيرة سايبان، كما رحب القادة الأستراليون، بمن فيهم رئيس وزراء البلاد، بعودة أسانج، ولو أن ترحيبهم لم يكن حاراً أصلاً. لكن بالمقابل، كان الترحيب الأكبر بالقرار هو من أنصار حرية الصحافة، ومن مؤيدي أسانج الكثر والذين تظاروا طوال سنوات لتحريره من الحصار في السفارة أولاً، ومن السجن بعدها. وبينما رأى الكثيرون في إقرار ذنب أسانج أمراً مخيباً لأنه لم يفعل شيئاً خاطئاً برأيهم، فقد كان الموقف العام ميالاً للاحتفال بإطلاق سراحه أخيراً.
على الرغم من المواقف العامة المرحبة بإطلاق سراح أسانج، كان هناك بعض الأصوات المضادة للموقف بشدة. حيث رأت عدة شخصيات أمريكية، منها نائب الرئيس السابق، مارك بينس، أن إطلاق سراح أسانج هو خطأ فادح لا يجوز، وأن في ذلك إخلالاً بالحرص على الأمن القومي للبلاد. لكن وكما هو واضح الآن، فالأرجح أن قصة أسانج قد استكملت فصولها الآن، ونظراً لأهميتها الكبرى، من غير المستبعد أن نشهد قريباً كتاباً، أو فيلماً، أو ربما مسلسلاً قصيراً يروي القصة ويعيد التذكير بتفاصيلها العديدة وتقلباتها.
ملخص أحداث قضية مؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج
- عام 2006
- أسانج يؤسس ويكيليكس كمنصة إنترنت تستقبل التسريبات دون تسجيل معلومات المرسل وتتحقق من مصداقيتها وتنشرها.
- أبريل 2010
- ويكيليكس تسرب فيديوة يظهر مروحية أمريكية تطلق النار على مدنيين في العراق، مما يؤدي لجدل كبير حول ممارسات الجيش الأمريكي.
- أغسطس 2010
- الادعاء العام السويدي يصدر مذكرة اعتقال بحق أسانج بتهمتي اعتداء جنسي تم التراجع عنهما لاحقاً في عام 2017.
- مايو 2012
- بعد عامين من اعتقاله وإطلاق سراحه تحت الكفالة، المحكمة البريطانية تحكم بوجوب تسليم أسانج إلى السويد لمحاكمته.
- يونيو 2012
- أسانج يهرب إلى السفارة الإكوادورية في لندن، ويحصل على حق اللجوء في الإكوادور لكنه يبقى عالقاً في السفارة.
- فبراير 2016
- لجنة تابعة للأمم المتحدة تحكم بأن اعتقال أسانج كان اعتباطياً وتطالب السلطات البريطانية والسويدية بالتوقف عن ملاحقته.
- أكتوبر 2018
- اشتداد الخلافات بين أسانج والإكوادور، ومحاولته مقاضاة حكومة الإكوادور لأنها «تنتهك حقوقه وحرياته الأساسية».
- أبريل 2019
- سفارة الإكوادور تسمح للشرطة البريطانية بالدخول واعتقال أسانج، والحكم عليه بالسجن 50 أسبوعاً بسبب الهروب من الكفالة.
- مايو 2019
- الولايات المتحدة تكشف أخيراً عن التهم ضد أسانج تحت مظلة قانون التجسس وتطالب المملكة المتحدة بتسليمه إليها.
- يناير 2021
- قاضي بريطاني يرفض طلب تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة، لكن يتم عكس القرار في ديسمبر من نفس العام.
- يونيو 2022
- الحكومة البريطانية تأمر بتسليم أسانج للولايات المتحدة، لكن يتم عرقلة ذلك بسبب القضايا التي لا تزال معلقة.
- فبراير 2024
- محامو أسانج يبدؤون استئنافهم النهائي في المحكمة العليا البريطانية في محاولة منهم لإيقاف تسليم أسانج.
- مايو 2024
- المحكمة العليا تسمح باستئناف القضية ضد أسانج مما يعطيه فرصة جديدة لتجنب تسليمه للولايات المتحدة.