هل الشاحنات الكهربائية الذكية هي المستقبل حقاً؟
من المعروف اليوم أن طرق النقل البحري هي وسيلة نقل البضائع الأكثر استخداماً في العالم وبالأخص للمسافات الطويلة، كما أن النقل الجوي هو الأسرع دون شك، لكن وفي حال ركزنا على المسافات الأقصر نسبياً لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي تلعبه الشاحنات في التجارة المحلية والعالمية اليوم، فهي أمر أساسي جدا سواء للنقل ضمن المدن فقط أو النقل بين المناطق المتباعدة حيث لا توجد مسارات مائية متاحة. ويبدو أن هذا المجال يقف على ناصية تغيرات كبيرة للغاية مع اقتراب فكرة الشاحنات الكهربائية من التحقق.
حالياً تعمل العديد من الشركات العالمية (مثل Tesla وNikolai وسواها) على تطوير فكرة الشاحنات الكهربائية الذكية وجعلها أمراً واقعاً ومنتشراً، ومع أن الأمر قد يحتاج إلى سنوات عديدة قبل أن تصبح هذه الشاحنات هي العرف للنقل البري، فالتغييرات الممكنة نتيجة إضافة تقنية كهذه ستكون كبيرة للغاية دون شك.
في هذا الموضوع سنتناول الشاحنات الكهربائية بنظرة أقرب لنتعرف على ما يميزها حقاً، كما سنناقش رأياً يتكرر كثيراً في الفترة الأخيرة، وهو أن الشاحنات الكهربائية قد تنتشر بشكل أسرع من انتشار السيارات الكهربائية الجاري حتى.
توفير تكاليف الوقود في الشاحنات الكهربائية
من المعروف أن الشاحنات المعتادة تعمل بالوقود الأحفوري (الديزل تحديداً) وتستهلك كميات كبيرة منه دون شك. وحتى بتجاهل الأثر البيئي السيء للاستمرار بحرق الوقود الأحفوري، فالناحية المالية وحدها كافية لإقناع الكثيرين بقبول التغيير في المجال، حيث أن بطاريات الشاحنات الكهربائية تعمل لمسافات أطول بكثير عبر حياتها في حال قارنا التكلفة مع المسافة التي تقطعها شاحنة تقليدية بوقود بنفس السعر.
في جميع أنحاء العالم تقريباً، عادة ما تكلف الطاقة الكهربائية مالاً أقل للشراء مقارنة مع شراء الوقود وحرقه ضمن المحركات، حيث أن محطات توليد الكهرباء تمتلك فعالية أكبر وضياعاً أقل للطاقة عند التحويل، وبالنتيجة يكلف تسيير الشاحنات الكهربائية أقل بكثير من نظيرتها العاملة بالوقود ويتوقع أن تكون قادرة على تعويض ثمن شرائها من توفير الوقود فقط خلال سنوات عدة.
اقرأ أيضاً: أفضل السيارات الكهربائية مبيعاً في العالم
توفير تكلفة تشغيل السائقين
تسير الشاحنات اليوم بشكل يدوي تماماً مع تحكم السائقين بها بشكل كامل والحاجة لسائق لكل من الشاحنات التي تسير في الواقع. ومع أن أجور سائقي الشاحنات ليست عالية جداً بشكل استثنئائي، فهي واحدة من أكبر تكاليف النقل اليوم، وفي العديد من البلدان (بالأخص أوروبا وأمريكا الشمالية) من المعتاد أن تكلف أجور السائق مبلغاً مالياً أكبر من الوقود والإصلاحات الدورية للشاحنة، لذا تعد فكرة تقليل الحاجة للسائقين مغرية للغاية لشركات النقل التي تريد تخفيض مصاريفها وبالنتيجة رفع أرباحها.
حالياً لا تزال تقنيات القيادة الذاتية غير كافية تماماً لتسيير المركبات دون الحاجة إلى السائقين أصلاً، لكن الأمور تتطور بسرعة ومن الممكن أن نشهد شاحنات شبه ذاتية القيادة في وقت قريب ربما، حيث ستستمر تلك الشاحنات بالحاجة للسائقين كذلك، لكن متطلبات العمل وإجهاد السائقين سيكون أقل بشك كبير مما سيعني توصيلاً أسرع للبضائع وتكاليف عمالة أقل بكثير أيضاً.
بالإضافة إلى التوفير لكل شاحنة على حدة، فمن الممكن لاستخدام الشاحنات الكهربائية الذكية أن يوفر العدد الكلي للسائقين عبر تسيير الشاحنات ذاتية القيادة على شكل قوافل مكونة من عدة شاحنات متتالية بدلاً من أن تسير كل منها على حدة، وبهذه الطريقة يمكن من حيث المبدأ الاكتفاء بسائق واحد يتحكم بالشاحنة الأولى ضمن القافلة فيما تكون الشاحنات التالية آلية تماماً وقابلة للتحكم بها من قبل السائق عند الطوارئ.
زيادة أمان الطرقات وتقليل الضجيج والازدحام
كما يعرف أي شخص يستخدم السيارة أو الحافلة للسفر على طرقات طويلة، فالشاحنات هي الخطر الأكبر دون منازع. حيث أن حجمها ووزنها الهائلين يجعلان إيقافها والتحكم بها أموراً صعبة جداً ولا يسهل القيام بها، كما أن ميل الكثير من سائقي الشاحنات لمخالفة قواعد المرور في الطرقات النائية يزيد من الخطورة الموجودة أصلاً.
بالاعتماد على القيادة الذاتية من الممكن تقليل احتمال حوادث التصادم والانقلاب بشكل كبير للغاية، كما سيكون من الآمن السير على الطرقات التي تتضمن الشاحنات كونها ملزمة بالقوانين الخاصة بالمرور وبمسارات محددة عادة. وبالإضافة لتقليل احتمال الحوادث، ستكون الشاحنات ذات القيادة الآلية أكثر تنظيماً في مسيرها ضمن المدن، مما سيعني اختناقات مرورية أقل وحركة سير أسلس عموماً.
أخيراً لا يمكن تجاهل موضوع الضجيج، فالمحركات الكهربائية هادئة بشكل استثنائي مقارنة بالمحركات التي تعمل بالوقود التقليدي، مما يعني أنها أفضل بكثير لبعض الاستخدامات مثل السير ضمن المدن بأمان أكثر ومع الحد الأدنى من الضجيج والإزعاج للسكان والمارة على حد سواء.
اقرأ أيضاً: لماذا تصدر السيارات الكهربائية صوت محرك مزيف؟
لماذا قد تنتشر الشاحنات الكهربائية أسرع من السيارات الكهربائية؟
بينما يعتمد قرار شراء السيارات الكهربائية على اتجاه الأفراد لها بالدرجة الأولى، فالشاحنات الكهربائية أمر مختلف للغاية كون الشاحنات عادة ما تمتلك من قبل شركات كبرى مختصة بالنقل. وبينما تكون القرارات الفردية معتمدة على العواطف والتفضيلات الشخصية بالدرجة الأولى، تميل قرارات الشركات لأن تكون مبنية على الربحية قبل أي شيء آخر، وبالأخص على المدى البعيد.
باختصار يعد إقناع الأفراد بشراء سيارة كهربائية بدلاً من التقليدية بالقول إنها ستوفر المال على المدى البعيد وستكون أرخص بعد 10 أعوام من الاستخدام مثلاً، لكن بالنسبة للشركات تعد هذه الهوامش والخطوط الزمنية أموراً مقبولة تماماً وميزة كبرى حتى، حيث أن العديد من استثمارات الشركات مصممة لتعطي نتائجها على المدى البعيد وليس بشكل سريع حقاً، مما سيجعل فكرة انتشار الشاحنات الكهربائية مقنعة أكثر بمراحل من السيارات الكهربائية التي تحقق نجاحات هائلة اليوم بغض النظر عن العقبات أمامها.
بالطبع سيكون هناك الكثير من الأمور المعلقة من حيث نجاح الشاحنات الكهربائية اليوم، فهي لا تزال تقنية مستقبلية لم تصدر بعد، بل سنحتاج لانتظار الكشف عنها بشكل واضح مع مواصفات واضحة من حيث المدى والتكلفة وحجم التوفير الذي ستتيحه لممتلكيها. ومع أن نجاح الشاحنات الكهربائية يبدو الخيار الأرجح اليوم، فلا شيء مضمون حقاً هنا وكل شيء قد يتغير مع ظهور تقنيات أو بالمقابل تحديات جديدة في المستقبل.