الثقة الصفرية: حجر أساس الاتصالات المؤسسية الآمنة في عصر الذكاء الاصطناعي
مقال ضيف بقلم عبدالله محمد الخرمي، الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال بشركة «اتحاد سلام» للاتصالات
في عالم اليوم شديد الترابط، توفر شركات الاتصالات للمؤسسات النطاق الترددي والسعة، والأهم من ذلك، الثقة. ومع التحول الرقمي والأتمتة القائمة على الذكاء الاصطناعي التي تغيّر جذرياً طريقة عمل المؤسسات، أصبح مفهوم المحيط الشبكي الآمن وواضح المعالم غير صالح للاعتماد. وبالنسبة لشركات الاتصالات التي تخدم المؤسسات والجهات الحكومية، لا تعد بنية الثقة الصفرية ميزة إضافية، بل ضرورة استراتيجية.
مع تبني الأنظمة حول العالم للذكاء الاصطناعي والأتمتة، أصبحت التهديدات السيبرانية أكثر تكراراً وأشد أثراً. وفي تقييمها العالمي للاختراقات السيبرانية، تشير شركة IBM إلى أن أكثر المجالات المتأثرة هي التقارير التنظيمية، وثقة العملاء، واستمرارية العمليات. التهديد قائم على مستوى النظام، والتكلفة المالية للاختراقات في ازدياد. ففي عام 2024 بلغ متوسط تكلفة الاختراقات عالمياً 4.88 ملايين دولار. وتقدّر تقارير القطاع في الشرق الأوسط أن التكلفة تصل إلى نحو 7.25 ملايين دولار، ومن المتوقع أن تبلغ قرابة 27 مليون ريال سعودي في عام 2025 استناداً إلى اتجاهات التكاليف الإقليمية.
يساهم قطاع الأمن السيبراني السعودي بحوالي 15.6 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي، مع توزيع متوازن في الإنفاق بين المنتجات والخدمات، ما يعكس حجم الاستثمارات والفرص. وستكون شركات الاتصالات التي تدمج بنية الثقة الصفرية في أفضل موقع لدعم هذا النظام الوطني وتعزيز دورها كجهات تمكين رقمية موثوقة.
ما الذي يجعل الثقة الصفرية مهمة؟
يعني وجود بيئة مؤسسات ديناميكية تعتمد على تطبيقات سحابية المنشأ، وقوى عاملة عن بُعد، وعوامل ذكاء اصطناعي حتمية ظهور نقاط ضعف جديدة. حيث يمكن لكل نقطة طرفية، أو واجهة برمجة تطبيقات، أو نظام مستقل أن تكون مدخلاً محتملاً للمهاجمين. وفي مثل هذا السياق، تصبح الحماية القائمة على المحيط والتي تفترض «الداخل آمن» غير صالحة. لذا يقوم مبدأ الثقة الصفرية كبنية شاملة لحماية موارد المؤسسات، وذلك على أساس «لا تثق أبداً، تحقق دائماً». إذ يجري التحقق والمصادقة بشكل مستمر من كل مستخدم وجهاز وتطبيق، سواء كان بشرياً أو ذكاءً اصطناعياً.
وأصبح هذا أمراً أساسياً لشركات الاتصالات، إذ يتيح دمج الأمن داخل حلول الاتصال المقدمة للمؤسسات الحفاظ على الثقة من خلال ضمان خدمة آمنة ومتواصلة.
شركات الاتصالات حراس أمان الشركات
تعد شركات الاتصالات محركاً رئيسياً لاقتصاد السعودية الرقمي، إذ أنها تربط الأنظمة المالية، والشبكات والخدمات الحكومية، وإنترنت الأشياء الصناعي، وغيرها. ولذلك فإن تبني بنية الثقة الصفرية وتسريع تطبيقها من قبل شركات الاتصالات أمر محوري لضمان النزاهة الرقمية ومرونة المؤسسات.
- حماية البيئات متعددة العملاء: غالباً ما تشترك خدمات الجملة والمؤسسات في البنية التحتية. يمنع الثقة الصفرية الحركة بين البيئات، مما يكبح المخاطر.
- تأمين الأنظمة: تعمل مؤسسات كثيرة ضمن بيئات هجينة تشمل مقرات العمل والسحابة والطرفيات. يجسر الثقة الصفرية هذه الفجوات من خلال ضوابط صارمة تتماشى مع المعايير العالمية.
- عمليات آمنة مدعومة بالذكاء الاصطناعي: مع نشر عوامل الذكاء الاصطناعي للأتمتة، يضمن الثقة الصفرية عملها ضمن بيئة تخضع للصرامة نفسها المطبقة على البشر، عبر مراقبة السلوك وطلب المصادقة المستمرة والتحكم في الوصول.
- الأمن كخدمة: من خلال دمج الثقة الصفرية داخل بنية الاتصال، يمكن لشركات الاتصالات الانتقال من مجرد ناقل شبكي إلى منصة رقمية موثوقة.
الجدوى التجارية
بالنسبة للقادة في السعودية، تقدم الثقة الصفرية نموذج تشغيل حديثاً يعكس تطور المملكة الرقمي، فهي نموذج قائم على المرونة والسحابة والذكاء الاصطناعي. ويمنح التعاون مع شركات الاتصالات التي طبقت هذا النموذج المؤسسات مزايا متعددة تتضمن:
تقليل الانكشاف المالي والتشغيلي: يسهم الاكتشاف والاحتواء السريعان في خفض تكلفة الاختراقات. وتتيح الثقة الصفرية التجزئة الدقيقة، وضوابط الهوية القوية، والتحقق المستمر، مما يقيد قدرة المهاجمين على التنقل داخل الأنظمة.
الامتثال التنظيمي: تدعم الثقة الصفرية التوافق مع اللوائح السعودية للأمن السيبراني والأطر العالمية. وعند تنفيذها بالشكل الصحيح، تعزز قدرة المؤسسات على اجتياز التدقيق، والشهادات، ومتطلبات الأمن عبر الحدود.
الثقة في الاتصال: كونها عنصراً أساسياً في قيمة المؤسسات وتنافسيتها، تستفيد الجهات السعودية التي تطبق الثقة الصفرية من مرونة أكبر، واستمرارية تشغيلية، وأفضلية السمعة الحسنة. كما تمكّنها الثقة الصفرية من تبني منصات جديدة وأتمتة موسعة بثقة أكبر بأن الثغرات القديمة لن تتعرض للاستغلال.
المسار التالي
مع تطور مستقبل السعودية الرقمي واندماج أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، والسحابة، وشبكات الجيل الخامس، تقف شركات الاتصالات عند نقطة التقاء الاتصال والبيانات والمرونة. وفي هذا المشهد، يعكس الثقة الصفرية التزام المؤسسة بالأمن، مظهراً كيف تتطور لحماية المستخدمين في عالم تتجاوز فيه التهديدات الحدود، وهي مستمرة ومؤتمتة.
ستكون شركات الاتصالات التي تدمج الثقة الصفرية في تصميمها صاحبة الدور القيادي في الفصل المقبل من التحول الرقمي الآمن في المملكة. وستكون المؤسسات التي تتعاون معها أكثر قدرة على حماية عملياتها، وعملائها، وسمعتها؛ فالمستقبل رقمي، ومن واجبنا جعله آمناً.












