تعرف على البدو الرقميين، العمل عن بعد، لكن ليس من المنزل
في منتصف القرن العشرين بدأت الحواسيب أخيراً بإيجاد طريقها إلى الشركات ومجالات المال والأعمال بعدما كانت أداة بحثية بالدرجة الأولى. وفي ذلك الوقت عندما كانت الحواسيب بحجم غرف لم يكن أحد ليتخيل ربما ما يخبئه المستقبل. فخلال بضعة عقود فقط باتت الحواسيب في كل مكان يخطر بالبال، وحتى أنها باتت جزءاً أساسياً من أي عمل كان. فسواء كان العمل في تجارة التجزئة أو الخدمات المالية ستكون الحواسيب موجودة بشكل أو بآخر. ودون مهارات استخدام أساسية للحواسيب سيواجه أي شخص صعوبة للعمل اليوم.
عموماً ومع الاستخدام المتزايد للحواسيب والآلات في مجال العمل ظهر نوع جديد كلياً من الموظفين. وعلى عكس الفئات الأخرى لا يحتاج هؤلاء الموظفون لأي أداة في الواقع سوى حواسيبهم واتصال بالإنترنت. وبالتالي بدأت فكرة العمل عن بعد والتي أخذت بالانتشار تدريجياً في السنوات الأخيرة. وفي عام 2020 بالتحديد أصبح من الواضح أن العديد من الأعمال لا تحتاج للحضور إلى المكتب حقاً بل يمكن فعلها من أي مكان.
في هذا الموضوع سنتناول واحدة من الظواهر الغريبة والتي ربما تبدو خارج المألوف تماماً للكثيرين: البدو الرقميون. حيث يصنف البدو الرقميون ضمن فئة العمل عن بعد دون شك، لكنهم ليسوا من يخطر ببالك عندما تفكر بالعمل عن بعد.
من هم البدو الرقميون أصلاً، أو ما يعرف بالرّحل الرقميون؟
من حيث المبدأ يعد البدو الرقميون موظفين وعاملين في مجالات عالية المتطلبات وتمتلك اعتماداً شبه كلي على التقنية. فهم يصنفون على أنهم عاملون عن بعد كونهم لا يداومون في المكاتب ولا يحضرون الاجتماعات التقليدية مثلاً. لكن وعلى عكس النسبة الأكبر من العاملين عن بعد لا يعمل البدو الرقميون من منازلهم، بل يبتعدون عنها قدر الإمكان.
يحمل البدو الرقميون هذا الاسم لأنهم يعيشون نمط حياة بدوي من حيث المبدأ. حيث يقضون أيامهم في السفر والترحال والتنقل من مكان إلى آخر. فهم يستطيعون العمل عن بعد، وبالنتيجة يبتعدون حقاً ويتنقلون بين المدن والمناطق المختلفة. حيث يعملون من أي مكان وفي كل مكان وكثيراً ما يقومون بالسياحة وزيارة المعالم المختلفة في أيامهم المعتادة التي يعملون ضمنها.
يتضمن هذا النمط من الحياة الكثير من السفر والتنقل والحركة، وبالتالي فهو مناسب للبعض دوناً عن الآخرين. حيث أنه منشط ربما وقد يكون مجال الأحلام لمن يحب التنقل والسفر والتعرف على أمور جديدة. لكن غياب الاستقرار قد يكون صعباً على الكثيرين، سواء لأنهم يحتاجون لأمور ثابتة في حياتهم، أو لأن الالتزام بالعمل أصعب عليهم وسط الظروف التي لا يمكن توقعها.
ما هي أعمال البدو الرقميين؟
بطبيعة الحال لا يتوافق نمط الحياة الخاص بالعمل عن بعد والتنقل من مكان إلى آخر مع جميع المهن والأعمال. حيث لا يمكن أن يناسب هذا النوع من الأمور الأطباء أو المهندسين الإنشائيين أو العديد من المجالات الأخرى. لكن وإن كان كامل عملك قابلاً للتنفيذ باستخدام حاسوب فقط، فالأمر قد يكون مناسباً.
بشكل أساسي ترتبط أعمال البدو الرقميين بالمجال التقني عادة. حيث أن مجالات مثل البرمجة وتطوير التطبيقات والتصميم الجرافيكي وسواها متوافقة بشدة مع هذا النمط من الحياة. كما يمكن للعديد من المترجمين والمدونين وبعض صناع المحتوى أن يجربوا نمط الحياة هذا.
حياة متطلبة لا تناسب الجميع
الناحية الأولى والأكثر صعوبة ربما في حياة البدو الرقميين هي تأثير التنقل الدائم والحياة في بيئات مختلفة ودائمة التغير. وبينما يرى من يتبنى هذه الحياة الأمور مناسبة دون شك، فالأمر ليس سهلاً على الجميع وبالأخص لمن يحتاجون للاستقرار ليتمكنوا من العمل والازدهار. لكن لا تتوقف الأمور هنا، بل هناك نواحٍ أخرى يجب النظر إليها.
بشكل أساسي هناك سبب لكون مفهوم البدو الرقميين موجوداً لدى الأوروبيين والأمريكيين نسبياً، لكنه معدوم واقعياً في الأماكن الأخرى. حيث يتطلب هذا النمط من الحياة سهولة كبرى في الحركة والتنقل من مكان إلى آخر. وبينما تكفل جوازات السفر الأمريكية والأوروبية قدرات سفر سهل ودون تأشيرة حتى للعديد من الأماكن، فالتجربة مختلفة للأماكن الأخرى. حيث يعاني سكان العديد من البلدان من محدوديات سفر كبرى لأي بلد، وعندما يكون الحديث عن التنقل بين بلدان عديدة يصبح الأمر أقرب لحلم حتى.
بالإضافة لذلك يجب التفكير بنقطة هامة: يعتمد كامل نمط حياة البدو الرقميين على كونهم يحصلون على مرتبات كبيرة جداً بالمقارنة مع تكاليف المعيشة في الأماكن التي يزورونها. حيث يقضي هؤلاء الأشخاص أيامهم في المنتجعات والفنادق والمناطق السياحية، وإن كانوا موظفين محليين سيكون تحمل هذه التكاليف صعباً.
بالنسبة لبلدان أوروبا وأمريكا الشمالية فالأمر مناسب دون شك. حيث من المعتاد أن يحصل الموظفون المهرة على أجور بآلاف الدولارات شهرياً. ومع هذه الرواتب يستطيعون العيش بسهولة حتى في المناطق السياحية في بلدان أخرى مثل منطقة الكاريبي وأمريكا الشمالية وجنوب شرق آسيا. أما الموظفون ممن لا يحصلون على هذا المستوى من الرواتب، فهم لن يتمكنوا من تجربة هذا النوع من الحياة أبداً.
عموماً تحصل حياة “البدو الرقميين” على سمعة أفضل مما هو واقعها، كما أنها تبدو منتشرة أكثر بكثير من الواقع. حيث أن الغالبية العظمى من العاملين عن بعد يعملون من منازلهم عادة. ومن لا يعمل من المنزل بينهم يعمل في بيئات العمل المشترك عادة. أما حياة العمل والتنقل والسياحة معاً فهي محصورة بعدد قليل جداً من الموظفين حول العالم.