تعرف على الأعضاء الصناعية ومستقبل التقنية الطبية
- في عام 2019، جرت أكثر من 150 عملية زرع أعضاء حول العالم، وكانت معظمها في الولايات المتحدة وأوروبا.
- لا يزال “سوق الأعضاء” منعدم التوازن، إذ هناك طلب هائل مقابل عرض محدود للغاية، مما يقود لآلاف الوفيات سنوياً.
- من الممكن لتطوير الأعضاء الصناعية أن يمنح حياة جديدة لمئات الآلاف ممن كانوا سيحتاجون عمليات زراعة أعضاء لم تتح لهم.
في منتصف القرن العشرين تغير العالم الطبي للأبد عندما بدأ مجال زراعة الأعضاء لدى البشر للمرة الأولى بنجاح. وتبع ذلك ثورة عالمية وعدت بإنقاذ حياة الكثيرين حول العالم. حيث لم يعد الفشل الكلوي أو حتى تليف الكبد حكماً قطعياً بالموت. بل يمكن وفي الكثير من الحالات إنقاذ حياة المريض بالحصول على أعضاء متوافقة معه من متبرع حي أو كما معظم الحالات متوفٍ. لكن ومع حول زراعة الأعضاء إلى أمر معتاد في العالم الطبي ظهرت مشكلة كبرى: هناك تفاوت بين العرض والطلب.
يفقد الملايين حياتهم كل يوم للعديد من الأسباب المختلفة والمتنوعة بداية من الأمراض وبالأخص المتعلقة بتقدم السن وحتى حوادث السير. وفي الكثير من الحالات يكون من الممكن الاستفادة من أعضاء المتوفين نظرياً، لكن تقف حواجز عدة أمام الأمر. حيث لا يمكن “حصاد” أعضاء متوفٍ لم يسجل كمتبرع بالأعضاء أو لم توافق عائلته على الأمر. وبالنتيجة ينتظر الكثير من المرضى في قوائم طويلة أملاً بالحصول على أعضاء متبرع بها تأتي أحياناً لكنها لا تأتي في معظم الأحيان.
تعمل العديد من البلدان على حل مشكلة نقص الأعضاء المتبرع بها بأي شكل ممكن. حيث تحولت بعضها إلى جعل كونك متبرعاً بالأعضاء هي الحالة الافتراضية مع خيار للرفض مما رفع نسب المتبرعين بشدة. فيما تحاول بعض البلدان تقديم فكرة السوق الحر إلى الأمر مع علامات استفهام أخلاقية كبرى. لكن ماذا لو أتى الحل من التقنية عبر “الأعضاء الصناعية”؟
ما هي الأعضاء الصناعية أصلاً؟
كما يقترح الاسم فالأعضاء الصناعية هي بدائل من صنع البشر ومع تقنيات متقدمة جداً بهدف الحلول مكان الأعضاء البشرية. وتتنوع هذه الأعضاء حسب التقنية المستخدمة لتصنيعها. حيث هناك الأعضاء المصنوعة في المختبر من الخلايا الجذعية البشرية، مع كونها من أكثر المواضيع جدلية في العلم اليوم. كما هناك أفكار عديدة للأعضاء المصنوعة بالطباعة ثلاثية الأبعاد وقدراتها الهائلة على التخصيص والدقة. وأخيراً هناك الأعضاء الصناعية التي تحاكي آلات توضع داخل الجسم.
في الوقت الحالي لا زلنا في المراحل الأولية من تطوير الأعضاء الصناعية. حيث لا نزال على بعد سنوات على الأقل من البحث والتطوير قبل أن تصبح أي من التقنيات السابقة منتشرة على نطاق واسع وبديلة كافية للتبرع بالأعضاء. لكن الواقع أننا نسير بخطى واثقة نحو الأمر وهناك منذ الآن آلات قريبة كفاية من محاكاة عمل الأعضاء البشرية.
مؤخراً مثلاً كان هناك حالة شهيرة لاستخدام “قلب صناعي” لإبقاء مريض على قيد الحياة طوال أشهر ريثما تم العثور على قلب متبرع به لزراعته له. كما أن هناك الكثير من الاكتشافات المثيرة للاهتمام في المجال والعديد من الشركات الناشئة في المجال. حيث هناك الكثير من الاهتمام بما تم استعراضه مؤخراً كمشروع لصنع كلى صناعية للبشر وهي من أكثر الأعضاء التي تحتاج للزراعة.
ما هي الميزات التي يمكن أن تقدمها الأعضاء الصناعية لمجال الرعاية الصحية؟
الميزة الأولى والأهم ربما هي أن الأعضاء الصناعية ستكون قابلة للإنتاج والتوزيع على نطاق واسع للغاية وبشكل متوافق مع الطلب. وفي حال كانت متاحة ضمن مجالات سعرية مقبولة من الممكن أن توفر حلاً حقيقياً أو على الأقل حلاً مساعداً لأزمة زراعة الأعضاء. حيث ستساهم إضافة المزيد من العرض على الأعضاء إلى تلبية الطلب المستمر بالتزايد حول العالم مع نمو عدد السكان وتقدمهم بالسن.
من بعض النواحي، من الممكن التعامل مع الأعضاء الصناعية على أنها خيار مناسب أكثر من تلك الطبيعية. حيث عادة ما يكون زرع هذا النوع من الأعضاء أسهل من الأعضاء البشرية بسبب كون منع رفضها أمراً أسهل. حيث من المعروف أن النظام المناعي للجسم يهاجم الأعضاء المزروعة على أنها “أجسام غريبة”. لكن وفي حالة الأعضاء الصناعية يكون تجنب هذه الحالات أسهل وأكثر فعالية عادة.
وبالطبع من المهم النظر إلى الفرق الكبير في التوافر بين الأعضاء الصناعية والبشرية. حيث أن تصنيعها يعني توافرها في كل مكان في كل وقت (في الحالة المثالية على الأقل) وبالتالي تجنب أوقات الانتظار الطويلة وحالات المسافات البعيدة التي تمنع الزرع. كما أنه يمكن صنع أعضاء جديدة دائماً مما يزيل قلق الأطباء من عمليات الزرع لعدم التضحية بعضو سليم عندما يكون المريض الذي يحتاج التبرع في حالة ذات احتمال نجاة ضئيل.
ليس كل شيء مشرقاً، بل هناك بعض التحديات الكبرى أمامنا
في الوقت الحالي لا يزال الحديث عن الأعضاء الصناعية تنبؤاً بالمستقبل إلى حد بعيد. حيث أننا لا ندرك حقاً ما يحمله المستقبل لنا في المجال ولا نعرف متى من الممكن ان تصبح الأعضاء الصناعية أمراً منتشراً إن حدث ذلك أصلاً. لذا من المهم تجنب التنبؤات المفرطة بالتفاؤل ووضع إطارات زمنية غير واقعية. حيث أن العديد من التقنيات التي كان يحكى أنها “ستصبح متاحة خلال سنوات قليلة” تأخرت لعقود وبعضها لم يتحقق حتى.
مع أن الأمر قد يكون محبطاً نسبياً، فالواقع هو أن إدراكنا لطريقة عمل أعضاء الجسم وعلى الرغم من تقدمها لا تزال محدودة جداً. حيث أننا لا نعرف بالتحديد كل ما يحصل في الجسم ولا جميع مهمات الأعضاء المختلفة في جسمنا. وبالتالي قد يكون هناك عائق كبير أمام الأعضاء الصناعية كونها لن تكون “بديلاً” بالمعنى الكامل للأعضاء الطبيعية إلا إن فهمنا كيف تعمل الأعضاء بشكل كامل وأدركنا كيف نقوم بمحاكاة مهامها بدقة عالية.
عموماً تبدو الأعضاء الصناعية واحدة من أكثر الأمور المثيرة في عالم التقنية الطبية والتقنية ككل حتى. وفي حال سار تطور التقنية بالسرعة الكافية ستكون أحد أهم القفزات النوعية في تاريخ الرعاية الصحية. حيث ستضاهي أهمية الأمر اكتشاف إمكانية زراعة الأعضاء ونقل الدم وتقديم نظرية الجراثيم أصلاً.