السويد تلوم التقنية على تراجع التعليم وتتجه للعودة للكتب والأقلام
⬤ بات استخدام الشاشات والأجهزة الذكية في المدارس علامة على التقدم التعليمي، لكن لا يزال هناك اعتراضات.
⬤ يقول معارضو التقنية في التعليم في السويد أن الإلكترونيات أدت لتراجع أداء طلاب البلاد تدريجياً في السنوات الأخيرة.
⬤ الآن قررت السويد العودة للتركيز على القراءة والكتابة باليد وطرق التعليم التقليدية مع تقليص الدور التقني.
لطالما كان استخدام الأجهزة التكنولوجية في عملية التعليم محطّ جدلٍ بين كبير بين مؤيدي هذا الأمر ومعارضيه، خاصة أنّ بلدان كثيرة أدخلت تلك الأجهزة في المدارس والمنشآت التعليمية وألزمت الطاقم التدريسي باستخدامها.
وحسبما يبدو من الأخبار الأخيرة، فإنّ السويد تتجه نحو تقليص دور التكنولوجيا في التعليم، والعودة إلى الأنشطة العادية وترسيخها لدى الطلاب، مثل القراءة والكتابة اليدوية، في حين تعكف على تخصيص وقت أقل لاستخدام الأجهزة اللوحية وإجراء الأبحاث المستقلة باستخدام شبكة الإنترنت وغيرها. ولا شكّ أن هذا التحول الطارئ في السويد يأتي استجابة للتساؤلات الكثيرة التي طرحت مؤخراً بشأن دور الأجهزة اللوحية- التي تستخدم كذلك في دور الحضانة- في تراجع المهارات الأساسية لدى الطلاب.
ومن المعروف أن وزيرة التعليم السويدي، لوتا إدهولم، من أكبر المنتقدين لهذا التعويل الشامل على التكنولوجيا؛ إذ سبق لها القول بأنّ “الطلاب السويديين في حاجة ماسة إلى استخدام الكتب المدرسية، خاصةّ أنه لا غنى عن الكتب الورقية في عملية التعليم”.
وأعلنت الوزيرة في شهر أغسطس الفائت أنّ الحكومة تعتزم إبطال قرار الوكالة الوطنية للتعليم، الذي ينصّ على إلزامية استخدام الأجهزة الرقمية في دور الحضانة، وتسعى الوزارة كذلك إلى إيقاف التعليم الرقمي كلياً للأطفال دون سن السادسة.
وصحيح أنّ مستويات القدرة على القراءة لدى الطلاب السويديين أعلى من المتوسط الأوروبي، غير أنّ التقييم الدولي لمستويات القراءة في الصف الرابع شهد انخفاضاً في أوساط الأطفال السويديين بين عامي 2016 و2021 (سجل متوسط التقييم بين طلاب الصف الرابع السويديين 544 نقطة، وهو ما يعد انخفاضاً عن المتوسط المسجل في عام 2016، والبالغ 555 نقطة).
يرى بعض الخبراء أن هناك أسباب أخرى محتملة لهذا التراجع، مثل تأثيرات وباء كوفيد-19 بالإضافة لزيادة نسبة أطفال المهاجرين ممن لا يتقنون اللغة السويدية، فيما يقول آخرون أت السبب الأساسي للتراجع الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية خلال الصفوف الدراسية.
وفي هذا السياق، يقول معهد كارولينسكا السويدي: “توجد أدلة بارزة تشير إلى دور الأدوات والأجهزة الرقمية في إضعاف قدرة الطلاب على التعلم بدلاً من تعزيزها. وإننا نرى ضرورة الرجوع إلى اكتساب المعارف من الكتب المدرسية المطبوعة وخبرات المعلمين بدلاً من اكتسابها من مصادر رقمية مفتوحة للعموم، ولم تخضع دقة معلوماتها للفحص حتى الآن”.
ولا ريب أنّ السويد ليست البلد الوحيد القلق من تأثير التكنولوجيا على مسار التعليم، فوكالة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة أصدرت تعميماً دعت فيه إلى “الاستخدام المناسب للتكنولوجيا في عملية التعليم”. ولا يخفي بعض الطلاب السويديين رغبتهم في قضاء وقتٍ أطولَ بعيداً عن الدراسة عبر الإنترنت، خاصة أنّ بعضهم ما يزال يحبذ الكتابة اليدوية على الورق عوضاً عن استخدام الأجهزة الذكية.
وشهدت البلدان الأوروبية وبعض البلدان الغربية نقاشات حامية الوطيس بشأن التعليم عبر الإنترنت؛ فعلى سبيل المثال، أطلقت بولندا مؤخراً برنامجاً وطنياً لمنح جهاز لابتوب على حساب الحكومة لكل طالب، بدءاً من الصف الدراسي الرابع. ولعلّ هذا التوجه يكشف عن مساعي الحكومة لتعزيز قدرة بولندا على منافسة البلدان الأخرى في النواحي التكنولوجية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وفّرت المدارس العامة الملايين من أجهزة اللابتوب للطلاب في المرحلتين الابتدائية والثانوية لاستكمال عملية التعليم في ظل جائحة كورونا، لكن عدد الأجهزة لا يلبي احتياجات الطلاب كافة، لذلك تميل بعض المدراس إلى استخدام الكتب المطبوعة والرقمية. أما في ألمانيا، وهي من أغنى الدول الأوروبية، فكانت وتيرة التعليم الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت أبطأ من البلدان الأخرى، بل إنّ الالتزام بالرقمنة في المدارس تفاوت بين مقاطعات البلد.
وبالعودة إلى السويد، فقد قررت الحكومة اتباع وسائل جديدة لمعالجة تراجع مستويات القراءة لدى طلاب الصف الرابع، فخصصت مبلغاً قدره 62.5 مليون دولار أمريكي لشراء الكتب للمدارس خلال هذا العام، على أنْ يُخصص مبلغ سنوي، قدره 45 مليون دولار أمريكي تقريباً، في عامي 2024 و2025 لتسريع إجراءات عودة الكتب المدرسية.