الجانب المظلم لشريحة نيورالينك Neuralink والمستقبل المخيف الذي قد تنتجه
قبل بضعة أسابيع وضمن مؤتمر صحفي جلب أنظار العالم التقني والعلمي، استعرض الملياردير ورجل الأعمال الشهير إيلون ماسك شريحة نيورالينك (Neuralink) الثورية التي يفترض بها أن تغير العالم، حيث كشف المؤتمر الصحفي عن شكل الشريحة والروبوت المخطط له أن يصبح مسؤولاً عن تركيبها بالإضافة إلى الميزات المرجوة والتي تبدو أقرب إلى الخيال العلمي من الواقع.
تضمن الحديث عن الميزات توقعات قوية للغاية، حيث تم الحديث عن أمور مثل مساعدة مصابي الحبل الشوكي على استعادة الحركة في أطرافهم، أو بث الموسيقى مباشرة إلى الدماغ أو معالجة الامراض العصبية، ووصل الأمر حتى أفكار مثل استخراج الذكريات أو إضافة المعلومات مباشرة إلى الدماغ بدل التعلم التقليدي.
كانت الميزات المطروحة لشريحة نيورالينك تبدو واعدة للغاية دون شك، لكن وبينما كان التركيز الأكبر هو على الفوائد التي من الممكن أن تحققها الشريحة، لم يكن بإمكاني تجاوز فكرة تستمر بالعودة مراراً وتكراراً: إعلان هذه الشريحة يبدو أشبه بقصة بداية فيلم خيال سوداوي (مستوحى من الأدب الديستوبي) في الواقع.
بالطبع وكما أية أداة تقنية أخرى، تمتلك الشريحة المستقبلية القابلية لعمل الخير والشر بنفس الوقت، وكما أمور بسيطة مثل سكين المطبخ تفيد في الحياة اليومية، لكنها تصبح أداة قاتلة وسلاحاً في الأيدي الخاطئة، يمكن لشريحة نيورالينك الجديدة أن تكون كارثية على البشرية ككل، وبشكل لم يسبق لنا أن واجهنا مثيله حتى.
في هذا الموضوع سأحاول الخوض في الجانب المقلق لتطوير شريحة مثل نيورالينك، ومع أن هذه السلبيات الممكنة لا تعني أن التقنية سيئة بالضرورة، فهي تبقى تحذيراً مسبقاً مما قد يكون في المستقبل.
المشكلة الأمنية الأكبر: احتمال الاختراق
لفهم ماهية شريحة نيورالينك وماذا من المفترض بها أن تفعل، يمكنك تفقد مقالنا السابق عنها، لكن باختصار يفترض أن تشكل الشريحة صلة وصل مباشرة بين الدماغ وأجهزة إلكترونية خارجية متوافقة. والمشكلة الأولى هنا هي أن الاتصال سيكون لاسلكياً، أي أنه سيكون قابلاً للاعتراض أو التشويش من جهة، وحتى الاختراق وسرقة المعلومات التي يتم تبادلها والتي تعد خرق خصوصية أكبر من أي شيء نعرفه اليوم في الواقع.
بالطبع وحتى لو كانت الموجات المستخدمة مشفرة، فلا شيء عصي تماماً على الاختراق. وحتى بتجاهلها يبقى هناك نقطة ضعف كبرى هنا: من المفترض للشريحة أن تتصل بأجهزة إلكترونية أخرى مثل أن تبث الموسيقى من الهاتف الذكي، وهنا تظهر ثغرة واضحة: أي جهاز من الممكن أن يتصل مع الشريحة قد يكون عرضة للاختراق وليس فقط التجسس، ويمكنك تخيل مدى خطورة هذه الفكرة.
هنا لم يعد الاختراق أمراً يتم لحاسوب أو هاتف ذكي حقاً، بل أن الإنسان الذي يستخدم الشريحة ودماغه هو ضحية الاختراق في الواقع، وبدلاً من جزء من المعلومات فقط، هنا المخاطر أكبر بمراحل وتتضمن القدرة على التحكم بضحية الاختراق مثلاً أو أذيته جسدياً وبشكل مباشر أو حتى سرقة أفكاره مثلاً، ومقارنة بهكذا أمور تبدو الاختراقات الحالية أبسط بكثير في الواقع.
مشاكل الفروق الطبقية وتأثيرها
في أي مجتمع موجود اليوم، دائماً ما سيكون هناك طبقات اجتماعية مختلفة تتضمن البشر بداية ممن يعانون الفقر المدقع ووصولاً إلى من يعيشون في ثراء فاحش، لكن وحتى مع هذه الفروق الطبقية الكبيرة، لا نزال كبشر فصيلة واحدة مع حدود عليا ومتوسطات معتادة لمواصفاتنا الجسدية والعقلية، ومع أن الثراء يعطي فرص استفادة أكبر ربما، فالفقراء والأغنياء من الممكن أن يكونوا أذكياء أو أغبياء، أقوياء أو ضعفاء، موهوبين أم لا. لكن عندما يتم تقديم أداة جديدة من الممكن أن تغير من صفاتنا بشكل صناعي تصبح الأمور مقلقة في الواقع.
في أي مجتمع مع قوانين عادلة اليوم، يمتلك الجميع فرصة للنجاح إن كانوا يمتلكون الذكاء الكافي وعدة صفات أخرى مساعدة، ومع أن الفقراء يواجهون تجربة نجاح أصعب دون شك، فهم يمتلكون فرصة على الأقل. لكن ماذا يحصل عندما تستخدم شريحة نيورالينك لبعض أهدافها التخيلية الآن مثل التعليم السريع أو حتى تحسين وظائف المخ؟ النتيجة ستكون أن الأغنياء لن يمتلكوا أفضلية مالية فحسب، بل إمكانية لزيادة ذكائهم بشكل كبير يميزهم عن بقية المجتمع في الواقع.
حتى مع أفضل التوقعات للأمر وبعد سنوات عديدة من بداية طرحها كمنتج، ستكون شريحة نيورالينك مكلفة للغاية (بضعة آلاف من الدولارات على الأقل)، وبالطبع سيكون الأغنياء هم أول وأكثر من يحصل عليها، ومع الوقت من الممكن لأمر كهذا أن يحدث شرخاً حقيقياً في المجتمع مع “طبقة نخبة” تمتلك المال والقدرات فوق البشرية، وأدناها العامة الذين لا يستطيعون الارتقاء إلى مستوى تلك الطبقة حقاً.
فكرة وجود “طبقة نخبة” متمايزة بشكل حقيقي وقابل للتأكيد عن العامة فكرة سيئة دون شك، وطوال التاريخ لم تكن فكرة الطبقات النخبوية بأنواعها مفيدة قط، بل أنها أدت إلى نتائج كارثية كل مرة مع أن تلك النخب كانت مطابقة للعامة في الواقع، لكن عندما يصبح هناك فرق حقيقي وملموس بين النخبة والعامة، ستكون الأمور أسوأ من أي شيء شهدته البشرية سابقاً.
الرقابة الحكومية لكن هذه المرة ضمن أفكارك حتى
بينما أن عدد بلدان العالم الحرة اليوم أكبر من أي وقت مضى في التاريخ، لا شك بأن العديد من البلدان لا تزال تعيش تحت حكومات مع صلاحيات واسعة وتريد التحكم بكل نواحي حياة الأفراد وما هو متاح لهم أو ممنوع عليهم. وبينما أن الرقابة الحكومية في العصر الرقمي اليوم مقلقة بشكل هائل دون شك، وتفتح الباب أمام إمكانية الحكومات المتسلطة إساءة استخدام صلاحياتها لحد حريات الأفراد، فالأمور ستكون أسوأ بأضعاف لا تحصى عندما تتحول الرقابة من خارجية إلى داخلية.
حتى في أشد حالات الرقابة اليوم، لا يمكن لأحد أن يعرف بماذا تفكر حقاً في حال لم تعبر عن الأفكار بشكل خارجي ما، لكن ماذا لو كانت الحكومة قادرة على الوصول إلى دماغك مباشرة، والتأكد من أنك “لا تمتلك أية أفكار ممنوعة” مثلاً. هذا السيناريو قد يبدو مبالغاً به وخيالياً حتى للبعض، لكن المؤشرات موجودة حقاً، وفي الصين مثلاً لا تحتاج لانتظار المستقبل لإدراك مدى تدخل الحكومة في أفكار الشعب منذ الآن، والأمور ستصبح أسوأ دون شك مع الوقت.
بالطبع قد يبدو الأمر مصدر قلق لمن يفكرون بتجربة شريحة نيورالينك فقط، وليس الغالبية العظمى التي لن تجربها على الأرجح، لكن ماذا لو بات هذا النوع من الشرائح المتصلة بالدماغ واحداً من المتطلبات الرسمية مثلاً، بشكل مشابه لكون الهوية وجواز السفر أموراً لا يمكن تجاوزها اليوم. حينها سيكون من الممكن نظرياً لأي حكومة أن تصل إلى أدمغة الأفراد، وتعاقب من يفكرون بأية “أفكار ممنوعة” أو حتى تتدخل بشكل مباشر لحذف هذه الأفكار واستبدالها بأخرى مفضلة.
كمية السلطة الحكومية هي أمر مثير للجدالات والنقاشات منذ قرون دون شك، مع أطراف على النقيضين: أولئك الذين يودون عدم وجود حكومات أصلاً، وآخرين يريدون الحكومة في كل تفصيل صغير للحياة. لكن حتى أشد مناصري فكرة الصلاحيات الكبيرة للحكومات لن يرى أن وصول الحكومة إلى دماغ وأفكار المواطنين أمر إيجابي أو مقبول حتى.