من هي أغرب شركة تغير نشاطها التجاري، من الكاميرات للأدوية؟

من هي أغرب شركة تغير نشاطها التجاري حيث في عالم الأعمال، من الطبيعي أن تقوم الشركات بتعديل استراتيجياتها أو إعادة توجيه أعمالها لمواكبة التغيرات في السوق أو الظروف الاقتصادية. لكن حين تقوم شركة كانت تُعدّ أيقونة في عالم التصوير الفوتوغرافي بالتحول إلى صناعة الأدوية، فإن هذا يثير الكثير من الأسئلة، بل ويبدو وكأنه سيناريو لفيلم درامي. هذه هي بالضبط قصة شركة كوداك (Kodak)، وهي الشركة التي بدأت رحلتها في القرن التاسع عشر في عالم الكاميرات والأفلام، وانتهى بها الأمر في القرن الحادي والعشرين بمحاولة تصنيع المكونات الدوائية!

نظرة سريعة على تاريخ كوداك

من هي أغرب شركة تغير نشاطها التجاري، من الكاميرات للأدوية؟

البداية والانطلاقة

تأسست شركة إيستمان كوداك (Eastman Kodak Company) عام 1888 على يد جورج إيستمان، وهي الشركة التي جعلت التصوير الفوتوغرافي متاحاً لعامة الناس بفضل ابتكاراتها في الكاميرات والأفلام. كانت كوداك رائدة في تطوير الكاميرات المحمولة، وأطلقت أول كاميرا سهلة الاستخدام مع شعارها الشهير:
“أنت تضغط على الزر، ونحن نقوم بالباقي.”

العصر الذهبي

بحلول منتصف القرن العشرين، أصبحت كوداك واحدة من أعظم الشركات الأمريكية وأكثرها ربحية. لم تكن فقط تصنّع الكاميرات، بل كانت أيضاً تسيطر على سوق أفلام التصوير، سواء للأفراد أو للمجالات الاحترافية مثل السينما والتصوير الطبي. امتلكت الشركة بنية تحتية ضخمة في إنتاج الأفلام الكيمياوية، وبنت إمبراطورية قائمة على “ذكريات الناس المصورة”.

بداية التراجع

مع نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة، بدأت بوادر التراجع. رغم أن كوداك كانت أول من طور تكنولوجيا الكاميرات الرقمية في سبعينات القرن العشرين، فإنها لم تتبنَّ هذه التكنولوجيا بالشكل الكافي خوفاً من أن تضر بمبيعات الأفلام التقليدية. وهنا ظهر تناقض واضح: الشركة الرائدة في التصوير لم تستطع التكيف مع ما كانت هي نفسها قد اخترعته.

اقرأ أيضاً: أفضل كاميرات المبتدئين في : سوف نساعدك على اختيار الأنسب لك

دخلت شركات جديدة مثل سوني وكانون ونيكون بقوة في سوق الكاميرات الرقمية، وفقدت كوداك حصتها السوقية بسرعة. بحلول عام 2012، أعلنت الشركة إفلاسها بموجب الفصل 11 في الولايات المتحدة، بعد أكثر من قرن من الزمن على قمة الصناعة.

الفصل الجديد: لماذا الأدوية؟

من هي أغرب شركة تغير نشاطها التجاري، من الكاميرات للأدوية؟

إعادة الهيكلة بعد الإفلاس

بعد الخروج من الإفلاس في 2013، حاولت كوداك التركيز على مجالات جديدة مثل الطباعة الرقمية وتقنيات التصوير المتخصصة، لكن هذه القطاعات لم تكن كافية لإنقاذ الشركة من التراجع المستمر في الأرباح.

اللحظة المفاجئة: إعلان التحول لصناعة الأدوية

في يوليو 2020، وفي خضم جائحة كوفيد-19، أعلنت الحكومة الأمريكية عن اتفاقية تمويل بقيمة 765 مليون دولار لصالح كوداك، وذلك عبر وكالة التمويل والتنمية الأمريكية (DFC)، لتحويل الشركة إلى منتِج رئيسي للمكونات الدوائية الأساسية (Active Pharmaceutical Ingredients – APIs).

هذه الخطوة أثارت صدمة في الأوساط الاقتصادية، وطرحت أسئلة عديدة:

  • كيف يمكن لشركة متخصصة في التصوير أن تنتج أدوية؟
  • ما المؤهلات التي تمتلكها كوداك في هذا المجال؟
  • هل كان القرار سياسياً أكثر من كونه اقتصادياً؟

دوافع هذا التحول

السبب الرسمي وراء هذه الخطوة هو تقليل اعتماد الولايات المتحدة على واردات المكونات الدوائية من الصين والهند، بعد أن كشفت الجائحة عن هشاشة سلاسل الإمداد العالمية.

أما كوداك، فقد قدمت نفسها كمؤهلة لهذا الدور استناداً إلى خبرتها في الكيمياء الصناعية. فعمليات تصنيع الأفلام تتطلب تقنيات كيميائية معقدة، وكوداك كانت بالفعل تمتلك بنية تحتية ومختبرات يمكن تعديلها لتناسب الصناعات الدوائية.

التحديات التي واجهت كوداك في هذا التحول

من هي أغرب شركة تغير نشاطها التجاري، من الكاميرات للأدوية؟

الجدل حول الشفافية والتلاعب

بعد الإعلان عن التمويل الضخم، ارتفعت أسهم كوداك بأكثر من 2000% خلال أيام. هذا الارتفاع المبالغ فيه أثار شكوكاً حول إمكانية وجود تلاعب داخلي أو استخدام لمعلومات سرية لتحقيق أرباح من الأسهم.

خضعت الصفقة لتحقيقات من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، وتم تعليق التمويل الحكومي لاحقاً بسبب هذه الشبهات، رغم أن الشركة نفت أي مخالفات.

قلة الخبرة في المجال

رغم أن لكوداك خبرة في الصناعات الكيميائية، فإن الفرق بين صناعة أفلام التصوير وإنتاج المواد الدوائية ليس بسيطاً. يتطلب المجال الدوائي تقنيات محددة، ورقابة صارمة من الجهات الصحية، واستيفاء معايير جودة دقيقة.

لذلك، واجهت كوداك تحديات كبيرة في بناء القدرة الإنتاجية. واكتساب التراخيص، والتعاقد مع شركات أدوية لتصنيع المواد الفعالة.

اقرأ أيضاً: أفضل كاميرات بوينت اند شوت ديجيتال في 2025

ماذا حدث لاحقاً؟ وهل نجحت كوداك في صناعة الأدوية؟

حتى عام 2023، لم تحقق كوداك نجاحاً بارزاً في المجال الدوائي. توقفت الصفقة الحكومية رسمياً، وتم تقليص الطموحات الكبيرة إلى مشاريع صغيرة لا تتعلق مباشرة بإنتاج أدوية. بل في الغالب بمكونات كيميائية يُحتمل أن تُستخدم في الصناعات الصحية.

وعادت كوداك للتركيز بشكل أكبر على خدمات الطباعة، والتصوير الصناعي، والتقنيات التجارية.

تحليل اقتصادي واستراتيجي لهذا التحول الغريب

من هي أغرب شركة تغير نشاطها التجاري، من الكاميرات للأدوية؟

هل كان القرار منطقياً؟

من وجهة نظر اقتصادية، كان قرار كوداك محاولة للخروج من أزمة وجودية. لم يعد هناك مستقبل مزدهر في صناعة الكاميرات التقليدية. والصناعات المرتبطة بها لم تعد مربحة كما كانت. ومع الجائحة، ظهر مجال جديد ومُلح. فيه طلب متزايد على الأدوية، وبالتالي كانت الفرصة مغرية.

لكن من وجهة نظر استراتيجية، التحول الكامل إلى مجال لا تمتلك فيه الشركة خبرة مباشرة. ومع وجود منافسة شديدة من عمالقة الدواء، كان مخاطرة عالية جداً.

ما الذي يمكن أن نتعلمه من تجربة كوداك؟

  • أهمية الابتكار المستمر: كوداك اخترعت الكاميرا الرقمية لكنها لم تؤمن بها.
  • التحولات الجذرية محفوفة بالمخاطر: دخول مجال بعيد عن التخصص الأساسي للشركة دون استعداد كافٍ قد يؤدي إلى فشل أكبر.
  • أثر السمعة في عالم المال: إعلان واحد قد يرفع قيمة أسهم الشركة بشكل هائل. لكنه لا يعني نجاحاً حقيقياً على الأرض.

أخيرا، كوداك اليوم لا تزال تحاول البقاء من خلال التركيز على المجالات الصناعية والتجارية المتخصصة. لكنها لم تعد تلك الأيقونة التي كانت تحكم سوق التصوير لعقود. وربما تبقى قصتها شاهداً على أن البقاء في السوق لا يعتمد على الأمجاد السابقة. بل على القدرة على التغيير في الوقت المناسب، وبالطريقة الصحيحة.

شارك المحتوى |
close icon