ما هو مبدأ عمل الإنترنت المظلم ولماذا يحتاج إلى برمجيات مخصصة للوصول إليه؟
في موضوعنا السابق، تحدثنا عن الطبقات المختلفة للويب وشرحنا ما الذي يميز الإنترنت المظلم عن الويب السطحي والويب العميق. لكن وعلى الرغم من كوننا ذكرنا متصفح Tor Browser وفكرة التوجيه البصلي (Onion Routing) لم نخض بتفاصيل هذه التقنيات أو الطريقة المميزة التي تجعل الإنترنت المظلم مختلفاً بشكل هائل عن الويب المعتاد في الواقع.
في هذا الموضوع سندخل ببعض التفاصيل حول آلية التوجيه البصلي والفكرة من الإنترنت المظلم ومستوى الخصوصية العالي الخاص به والذي يجعل تعقب الاتصالات عبره أمراً صعباً للغاية وفي الكثير من الحالات متعذراً تماماً حتى.
هذا الموضوع هو جزء من سلسلة من المقالات التي ستتناول الإنترنت المظلم بشكل مفصل، حيث سنبدأ من ماهيته وما الذي يميزه، وسنمر بمحتوياته وطريقة تصفحه وإن كان الأمر يستحق التجربة أصلاً. ويمكنك الوصول إلى المقالات الأخرى التي نشرت حتى الآن من هنا:
ما هو نظام التوجيه البصلي (Onion Routing)
لفهم فكرة التوجيه البصلي، يجب أولاً فهم فكرة التوجيه المباشر المستخدم في الويب المعتاد. حيث أن الويب المعتاد يمتلك نظام توجيه مبسط إلى حد بعيد، وعند الحاجة إلى الوصول إلى صفحة ويب معينة، يقوم الحاسوب أو الهاتف المتصل بالإنترنت بإرسال عنوان الموقع المطلوب إلى خوادم مخصصة تحمل اسم DNS وتتضمن أرشيفاً بعناوين المواقع الاسمية (روابطها) وبالمقابل عناوينها الفعلية (عناوين IP الخاصة بها) ومن ثم يصبح الاتصال بالموقع المطلوب مباشراً دون مراحل متعددة حقاً.
في نظام التوجيه البصلي تختلف الأمور بشكل واضح في الواقع، حيث أن المعلومات ترسل إلى طرف مستقل (مستخدم آخر للإنترنت المظلم) أولاً، حيث يستطيع المستقبل قراءة جزء من المعلومات فقط وهي عنوان المحطة التالية، فيما يبقى محتوى البيانات مشفراً. وهنا لا يتم الأمر عبر محطة واحدة فقط، بل يمر بمحطات عديدة حتى يصل أخيراً إلى الموقع المطلوب، وعند العودة تسير المعلومات بشكل مشابه وعبر عدد من المراحل والمحطات المتتالية حتى تصل إلى المستخدم.
المميز في نظام التوجيه البصلي هو أن كل محطة على طول الطريق تمتلك مقداراً صغيراً جداً من المعلومات، حيث أن المعلومات المرسلة تبقى مشفرة حتى وصولها إلى الطرف الثاني من الاتصال، وعبر المحطات لا يعرف كل عنصر في السلسلة أي شيء سوى عنوان المحطتين التالية والسابقة له، بينما تبقى هوية المرسل والمستقبل والمسار الكامل للبيانات مجهولة تماماً.
اقرأ أيضاً: هل يشاهد واتساب محادثاتك؟ وما هي المعلومات التي يشاركها مع فيس بوك؟
شرح التوجيه البصلي بالاعتماد على مثال البريد
في حال كان الشرح السابق محيراً لك، فالأمر ليس مدعاة للقلق أبداً، بل يمكن الاعتماد على تشبيه مثالي هنا لفهم الأمر بشكل أفضل.
لنفترض أنك مقيم في مدينة الرياض السعودية، وتريد إرسال رسالة ما إلى صديق لك في لندن، يمكنك من حيث المبدأ تضمين الرسالة في ظرف يحمل عنوان صديقك المستقبل النهائي، لكن هنا سيتمكن أي شخص يعترض الرسالة من معرفتك كمرسل لها ومعرفة صديقك في لندن كمستقبل هذه الرسالة.
في حال أردت الحصول على المزيد من الأمان للرسالة التي تقوم بإرسالها، ٍيمكنك الاعتماد على تغليفها بعدة ظروف بريدية على شكل طبقات متتالية، حيث يشير الظرف الأول إلى عنوان شخص في بغداد مثلاً، وهناك عند فتح الظرف يقوم المستقبل في بغداد بإعادة إرسال الرسالة إلى عنوان آخر مثل القاهرة، ومن هناك ترسل إلى فيينا وبعدها ستوكهولم وأخيراً لندن مثلاً.
بهذه الطريقة لن يتمكن أي شخص يرى الرسالة على طريقها من معرفة عنوان المرسل أو المستقبل النهائي، بل سيظهر له عنوان المحطة السابقة والتالية في رحلة الرسالة وحسب. فمن حيث المبدأ تكون المعلومات المرسلة مغطاة بطبقات متتالية من إعادة التوجيه والتشفير، وبسبب تعدد هذه الطبقات يسمى الأمر باسم التوجيه البصلي (Onion Routing) لأنه كما البصلة يمتلك العديد من الطبقات المتراكبة فوق بعضها البعض.
اقرأ أيضاً: تريد التخلص من واتساب؟ إليك أفضل البدائل لأمان وخصوصية أفضل
لماذا يستخدم التوجيه البصلي في الإنترنت المظلم؟
منذ بدأت فكرة الإنترنت المظلم كان الأساس هو الخصوصية والحفاظ على سرية كل من المرسل والمستقبل هو الأساس، وبالاعتماد على تقنية التوجيه البصلي تتحقق هذه الغاية تماماً. حيث أن الكم الكبير لطبقات التشفير وإعادة الإرسال المتتالية تجعل الوصول إلى محتوى الرسالة أمراً شبه مستحيل، كما أنها تقف في وجه تعقب الاتصالات من وإلى المرسل والمستقبل. ومع كون مسار الاتصال بين طرفي الاتصال يتغير طوال الوقت يصبح التعقب أمراً شبه مستحيل الحدوث.
هذه الخاصية الهامة في الإنترنت المظلم تجعله المكان المفضل للكثير من أنواع النشاطات غير القانونية، فمع أنه لم يصمم لغايات إجرامية بل للاستخدام الحكومي للولايات المتحدة، فهو متاح للجميع ويستخدم لغايات إجرامية عديدة اليوم.