كيف تحولت WeWork من تقييم 47 مليار دولار، إلى الإفلاس والتزامات بقيمة 50 ملياراً
⬤ تأسست شركة WeWork عام 2010 مع فكرة بسيطة، استئجار المكاتب بالجملة وبعقود طويلة وإعادة تأجيرها بالتفرقة.
⬤ بالوصول إلى عام 2019 كانت الشركة قد تلقت أكثر من 10 مليارات دولارات من الاستثمار وحققت تقييم 47 ملياراً.
⬤ توالت الفضائح على الشركة وخسرت 99.9% من قيمتها الأعلى قبل أن تفلس ويتوقف تداولها يوم 6 نوفمبر الأخير.
في عام 2010 وعلى أعتاب الأزمة الاقتصادية العالمية، كانت أسعار العقارات، وبالأخص المكاتب في الحضيض مع انهيار العديد من الشركات ونقص الطلب على مساحات المكاتب من الشركات الكبرى. لكن وبنفس الوقت، كان السوق يعج بالكثير من رواد الأعمال الذين يؤسسون شركات صغيرة للغاية تتكون من بضعة موظفين فقط ويحتاجون لمقاربة أخرى للمكاتب كونهم لا يمتلكون الحجم أو التمويل الكافي لإشغال طوابق كاملة في المباني مثلاً.
ضمن تلك البيئة، قرر كلن من «آدم نيومان» و«ميجيل مكيلفي» استغلال الظروف الاستثنائية للعرض والطلب لتأسيس شركة WeWork مع فكرة بسيطة: استئجار مساحات المكاتب بالجملة وبعقود طويلة المدى تمتد لسنوات مما يعطيهم تكلفة منخفضة نسبياً، ومن ثم تجهيز هذه المكاتب لتجذب العملاء الصغار من رواد الأعمال والشركات الناشئة الذين يحتاجون لعدد أقل من المكاتب ويمكنهم استئجار مساحات مصغرة بشكل مرن ولفترات قصيرة تصل إلى بضعة أيام فقط.
الطريق نحو النجوم
بعد عام فقط من تأسيسها، حصلت شركة WeWork على تمويل أولي بقيمة مليون دولار أمريكي، وخلال 8 أشهر فقط، وصل تقييم الشركة إلى 100مليون دولار أمريكي. ومع استمرار التمويل أخذت الشركة بالتوسع إلى العديد من المواقع الجديدة في كل من مدينتها الأصلية، نيويورك، ومدن أمريكية وعالمية أخرى. وبالطبع جذب هذا التوسع المزيد من رأس المال الذي أوصل الشركة إلى حصد لقب “وحيد قرن” مع تجاوز تقييمها 1.5 مليار دولار أمريكي في فبراير 2014، ومن ثم تضاعف تقييم الشركة ثلاث مرات خلال 8 أشهر ليصل إلى 5 مليارات دولار، وذلك بعدما حصلت الشركة على تمويل بقيمة 335 مليون دولار من عدة مستثمرين.
على الرغم من أن شركة WeWork كانت غارقة بالديون ومستمرة بنزيف المال بشكل هدد بانهيارها عام 2016 مع نفاذ رصيدها المالي، فقد كان مسار الشركة التصاعدي في بدايته فقط. إذ أدرك آدم نيومان أن المستثمر التقني الشهير «ماسايوشي سان» سيحضر مؤتمراً في الهند، وبشكل سريع رتب نيومان خطة لحضور المؤتمر وتقديم كلمة ضمنه مع إعادة تصور سريعة لشركته ليظهرها كرائدة تقنية تعد بإحداث تغيرات هائلة في العالم. وكان هدف نيومان هو جذب ماسايوشي سان الذي تزيد ثروته الشخصية عن 20 مليار دولار، ويدير أصولاً بمئات المليارات ضمن «صندوق الرؤية» الخاص به.
كان ماسايوشي سان قد جنى ثروة هائلة ونجاحاً عالمياً بسبب استثماره الأولي فائق النجاح في عملاقة التجارة الإلكترونية الصينية، Alibaba. وبالبناء على تلك السمعة جمع سان مئات مليارات الدولارات من التمويل من مستثمرين وصناديق سيادية عالمية ليستهدف الشركات التقنية الناشئة، وكان معروفاً بتهوره وميله لأكثر الشركات طموحاً مهما كانت تتكبد من خسائر. وبعدما نجح نيومان بإقناع سان بأن WeWork هي شركة تقنية رائدة، ضخ الأخير 3.1 مليار دولارات من التمويل للشركة، ورفع تقييمها إلى قرابة 17 مليار دولار حينها.
بالاستفادة من التدفق المالي الهائل، توسعت WeWork في كل مكان، وسرعان ما ظهرت مكاتبها في عواصم الأعمال والمدن الكبرى في العالم من دبي وأبو ظبي، إلى شانغهاي، وطوكيو، وسنغافورة، والعديد من المدن الأوروبية أيضاً. ومع هذا التوسع في الحجم والخطط المستقبلية لأماكن سكن مشترك، وتعليم مشترك، وسواها، جمعت الشركة عام 2017 تمويلاً إضافياً بقيمة 760 مليون دولار بتقييم 20 ملياراً.
بالوصول إلى عام 2019 حصلت WeWork على مليار دولار من التمويل من شركة Softbank التي يديرها ماسايوشي سان، وارتفع تقييمها بذلك إلى 47 مليار دولار جعلتها إحدى أكبر الشركات في العالم. ومع هذا التقييم الهائل بدأ المستثمرون بالضغط لطرح أسهم الشركة في البورصة وتداولها، وبدأت الشركة بالتجهز للعرض الأولي للأسهم مما أرغمها على الكشف عن بياناتها المالية للمرة الأولى.
بداية النهاية
على الرغم من قدرة آدم نيومان الاستثنائية على إقناع مستثمريه، وبالأخص ماسايوشي سان، بأنه قائد ثوري لشركة تقنية مبدعة مع احتمالات نمو هائل وعائدات متزايدة، فالمنتج الذي تقدمه WeWork لم يكن تقنياً في الواقع. كان مجال عمل WeWork الحقيقي هو نفس المنتج الذي يقدمه عشرات آلاف السماسرة حول العالم عبر استئجار العقارات بالجملة وإعادة تأجيرها للأفراد بشكل أكثر مرونة زمنياً ومكانياً. وبينما حاولت الشركة الظهور التميز بنفسها، فهي لم تكن سوى واحدة من عشرات الشركات الأخرى التي تقدم مساحات العمل المشترك، لكنها كانت تمتلك تقييماً أعلى بأضعاف من الشركات الأخرى بسبب إيمان مستثمريها بكونها شركة تقنية.
سبب حصول العديد من الشركات التقنية على تقييمات هائلة على الرغم من نزيفها للمال هو كونها قابلة للنمو بشكل أسي دون المزيد من الاستثمارات. ففي حال تمكن برنامج ما من تحقيق النجاح ومضاعفة مبيعاته عشر مرات، فهو لن يحتاج لاستثمار إضافي حقيقي لإنتاج النسخ الجديدة، وهو ما يعني هوامش ربح هائلة. لذا من المعتاد أن تعمل شركات مثل جوجل وفيسبوك وسواها لسنوات قبل أن تحقق الربح، لكنها تنمو بشكل هائل بعدها. كان هذا الواقع هو دافع نيومان لتصوير شركته على أنها شركة تقنية، لكن وعلى عكس وعود نيومان، لم تكن WeWork تعمل في مجال التقنية، بل أنها شركة عقارية مع واجهة توحي بالتطور التقني. لذا لتتمكن الشركة من زيادة عدد مستخدميها، لا يمكنها النمو بشكل أسي، بل عليها تكبد مبالغ هائلة أولاً لتجهيز المكاتب أصلاً.
عندما بدأت مخططات طرح الشركة للتداول في البورصة، بات هناك حاجة لمراجعة سجلاتها المالية، وهو ما كشف الثغرة الهائلة في نموذج عملها. إذ حققت الشركة 1.8 مليار دولار من العائدات عام 2018، لكنها صرفت جميع هذه العائدات وتكبدت خسائر إضافية بقيمة 1.9 مليار دولار. وفي النصف الأول من عام 2019، حصلت الشركة على 1.5 مليار دولار من العائدات، لكنها استمرت بالخسارة بواقع أكثر من 100 مليون دولار في الشهر. وهنا أدرك معظم المستثمرين في الشركة حجم الورطة مما قاد لطرد مؤسس الشركة، آدم نيومان، وتخفيض حاد لتقييم الشركة من 47 مليار دولار إلى 10 مليارات فقط.
لاحقاً اعترف ماسايوشي سان بأنه كان مخطئاً، ووصف نفسه بالأحمق لأنه ساعد نيومان على رفع تقييم الشركة بحوالي 30 مليار دولار. وبينما كان سان وحده قد مول الشركة بأكثر من 10 مليارات دولار، فقد قال عام 2020 أنه يقيم الشركة عند 2.9 مليار دولار فقط حينها. وبالطبع استمرت الشركة بالمعاناة على خلفية وباء كوفيد-19 الذي عصف بالعالم، وخسرت أكثر من ملياري دولار في الربع الأول فقط من عام 2021. لكن ومع نهاية العام استعادت الشركة توازنها – ظاهرياً على الأقل – وتم طرحها للتداول بتقييم 9 مليارات دولار أمريكي.
السقوط النهائي
في البداية كان هناك بعض التفاؤل بكون مشاكل الشركة ناتجة عن نيومان فحسب، وأن كل شيء سيصبح أفضل تحت الإدارة الجديدة. لكن الأمور استمرت بالتراجع، ومع كون الشركة تحت أعين الجميع كشركة عمومية، كان كل إخفاق لها يظهر بوضوح على سعر سهمها الذي اتخذ مساراً تنازلياً أزال تقييم الشركة بشكل شبه كامل ليبلغ 44 مليون دولار فقط يوم 3 نوفمبر 2023، أي 1 من 1000 من تقييمها الأقصى عام 2019.
مع استمرار خسائرها وعجزها المستمر عن الربحية، أعلنت الشركة إفلاسها رسمياً في يوم 6 نوفمبر الأخير، وتم إيقاف تداول أسهمها منذ حينها ريثما تتم عملية إعادة هيكلة لديونها والتزاماتها المالية. إذ تشير التقديرات إلى أن الشركة قد راكمت التزامات بقيمة تصل حتى 50 مليار دولار، معظمها على شكل عقود إيجار طويلة الأمد لا يمكن للشركة التملص منها بسهولة.
تعد قصة WeWork مميزة بسبب التقييم الهائل الذي حصلت عليه الشركة باستخدام الخداع والتنكر كشركة تقنية بدلاً من مجالها الحقيقي. لكن وبينما كان حجم الخدعة هائلاً لهذه الشركة، فهي ليست الوحيدة التي استغلت الثورات التقنية. إذ قامت عشرات الشركات بتغيير اسمها ليتضمن .com وتبدو متعلقة بالإنترنت في نهاية التسعينيات، وتكرر الأمر قبل أعوام عندما أضافت العديد من الشركات لواحق توحي بأنها تعمل في مجال البلوك تشين عندما كان التركيز منصباً عليه. والآن مع الاهتمام العالمي بالذكاء الاصطناعي، فقد ظهرت مئات الشركات التي تضيف حرفي AI إلى اسمها أو تعد المستثمرين بأنها رائدة في هذه التقنية الجديدة وهي تستخدمها بشكل فعال، ولو كان الواقع مختلفاً تماماً عن ذلك.