دور السياسات التحولية المتعلقة بالبيانات في تطوير اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مركز رقمي عالمي
مقال ضيف بقلم حيدر نظام، رئيس زوهو في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا
أصبح الارتباط الوثيق بين التحول الرقمي والنمو الاقتصادي من المسلمات في يومنا الحالي، وهو ما يبدو واضحاً في الجهود الحثيثة المبذولة في منطقة الشرق الأوسط لدعم الثورة الصناعية الرابعة. كما يلحظ الاقتصاد الرقمي نمواً متسارعاً بالتزامن مع توفير الفرص الاستثنائية لوضع استراتيجيات طموحة ترتكز على التنويع الاقتصادي، والاستدامة، ورفع مستوى المعيشة، وهو ما تجسده الرؤى الاقتصادية لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها المملكة العربية السعودية، وقطر، ودولة الإمارات.
أشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى الدور الذي سيلعبه الاعتماد الكلي على الاقتصاد الرقمي في تطور منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وذلك بزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة تبلغ 46% خلال الثلاثين عاماً القادمة، ما يعني بدوره تحقيق مكاسب تقدر بنحو 1.6 تريليون دولار أمريكي. ويأتي جزء كبير من هذا النجاح نتيجة للاستثمارات الهائلة التي تنفذها حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هذا المجال. كما تشير تقديرات الخبراء إلى وصول الإنفاق السنوي على استثمارات التحول الرقمي في الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا إلى أكثر من 74 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026.
ينعكس اعتماد التكنولوجيا الرقمية بفوائد عديدة على المنطقة، إلا أن الجهود اللازمة للتحول إلى مركز رائد للاقتصاد الرقمي ليست بالبسيطة إطلاقاً، بل هناك العديد من التحديات التي يجب التعامل معها قبل تحقيق هذا الهدف المرجو. وأشارت شركة IBM Security ومعهد Ponemon إلى أن أمن البيانات والخصوصية هي من أبرز التهديدات المرتبطة بهذا المجال، وذلك بالتزامن مع العديد من حالات اختراق البيانات التي كبّدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 8.07 مليون دولار عام 2023. كما يتزامن التطور المتسارع الذي يشهده قطاع التكنولوجيا مع تطور أساليب اختراق جديدة ومبتكرة، ما يؤكد على أهمية تعزيز وتطوير القوانين والتشريعات الناظمة لحماية المستهلكين والشركات على حد سواء.
تشهد المنطقة في الآونة الأخيرة جهوداً مكثفة لتعزيز الامتثال بتشريعات حماية البيانات والخصوصية استناداً إلى أفضل الممارسات العالمية، وعلى رأسها النظام الأوروبي العام لحماية البيانات. كما طبقت دولة الإمارات عام 2022 قانوناً مفصلياً لضمان حماية البيانات الشخصية يما يتماشى مع جهودها لحماية المصلحة العامة والبيانات المتعلقة بها. ويعتمد المسؤولون عن وضع هذه السياسات على أدوات الذكاء الاصطناعي لردم الفجوة الملحوظة في القوانين الحالية.
وتبع ذلك إعلان المملكة العربية السعودية عام 2023 عن تعديل نظام حماية البيانات الشخصية الخاص بها، لتكشف عن أول قانون شامل لحماية البيانات بهدف ضمان الخصوصية الفردية من خلال تنظيم الآليات التي تتم فيها عمليات جمع، ومعالجة البيانات، والإفصاح عنها، والحفاظ عليها. وبهذا تصبح المملكة العربية السعودية الدولة الثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي توفر سياسة مفصّلة لتسليط الضوء على الحقوق المتعلقة بالبيانات والالتزامات المفروضة على الهيئات المعنية وسيادة البيانات والعقوبات المترتبة على انتهاك الأحكام التي ينصها القانون.
يمر مفهوم سيادة البيانات، الذي يفرض قيوداً على نقل البيانات خارج حدود الدولة، بمرحلة من التطور المتسارع. ويجب الانتباه إلى أن القيود القانونية قد تفرض صعوبات كثيرة أمام الشركات التي تنشط في مناطق مختلفة، وذلك نتيجة لزيادة التكاليف واحتمال التعرض للمخاطر المتعلقة بالأمن السيبراني. وأشار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى أن 71% فقط من الدول تمتلك بالفعل تشريعات لضمان حماية البيانات والخصوصية.
يجب على الشركات عند تطبيق الحلول السحابية، مع العمل على ضمان سيادة البيانات، أن تأخذ القوانين والتشريعات المحلية بعين الاعتبار. ويمكن تجاوز الانتهاكات والاختراقات المحتملة من خلال وضع سياسات واضحة وإجراء تحقق دوري لضمان الامتثال واستخدام مفاتيح قوية للتشفير وتثقيف العاملين بشكل دوري حول أفضل الممارسات المتعلقة بالأمان والخصوصية، بالإضافة إلى إنشاء خطط للتعامل مع حالات الطوارئ للوصول إلى البيانات في حال وقوع مشكلة ما.
كما تسلط التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي الضوء على العديد من الأسئلة المتعلقة بخصوصية البيانات في الحالات التي يتم فيها استخدام البيانات لتدريب النماذج اللغوية المختلفة، لاسيما في المجال الأعمال، الأمر الذي يثير المخاوف حول انتهاك المعلومات الحساسة والخاصة بالشركات وتسريبها على منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي المتاحة للعامة. وهذا ما يؤكد مجدداً على الحاجة الملحة لوضع سياسات قوية لحماية الأمن والخصوصية ضمن الشركة نفسها.
وتشهد مختلف الدول حول العالم تغيراً تحولياً تقوده الثورة الصناعية الرابعة، ما يعزز الإنتاجية والربحية. وتسعى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جاهدة لأن تصبح اقتصاداً رقمياً بارزاً على الساحات العالمية، وتشير التوقعات إلى نمو هذا القطاع أربعة أضعاف تقريباً لتصل قيمته إلى 780 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.