هل بيع الهواتف الذكية دون شواحن مفيد للبيئة حقاً، أم مربح للشركات فحسب؟
بينما يعرف الجميع أن قيادة السيارات أو السفر عبر الطائرة أمور ضارة بالبيئة وتنتج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون والمواد الملوثة المتنوعة، يجهل الكثيرون التأثير البيئي الذي تتركه الأجهزة الإلكترونية في الواقع، حيث أن تصميم وتصنيع الأجهزة الإلكترونية وحتى علبها المستخدمة عند البيع تتطلب إطلاق كميات من غازات الدفيئة والملوثات المختلفة لصنعها، وبالتالي هناك بصمة كربونية لأي منتج إلكتروني نستخدمه، ووفق ادعاء الشركات التقنية فهي تحاول جاهدة أن تخفض بصمتها الكربونية إلى الحد الأدنى.
عبر السنوات قامت الشركات بتغيير علب هواتفها إلى أخرى مصنوعة من مواد معاد تصنيعها أو قابلة لإعادة التصنيع على الأقل، لكن يبدو أن الموجة الجديدة من العناية بالبيئة لا تقتصر على استخدام علب من الكرتون المعاد تصنيعه فقط، بل إزالة الشواحن والسماعات من علب الهواتف الجديدة المباعة حتى تحت حجة أنها ستتحول إلى نفايات على أي حال وأن تضمينها ضار بالبيئة.
بدأت موجة إزالة الشواحن من علب الهواتف الذكية الجديدة مؤخراً مع إطلاق الجيل الأخير من هواتف أيفون 12، وسرعان ما انتقلت الحمى إلى الشركات الأخرى، حيث يشاع أن سامسونج تنوي اتخاذ خطوة مشابهة قريباً، فيما أن شاومي أكدت كونها لن تقدم الشواحن مع هواتف Mi 11 الجديدة والهواتف التالية، كما أنها لا تقدم السماعات مع هواتفها أصلاً.
هنا يصبح السؤال هو: ما مدى مصداقية أن الشركات ستتخلى عن الشواحن في علب الهواتف لأنها مهتمة بالبيئة؟
الجواب الواضح: الهواتف دون شواحن تكلف أقل وبالتالي تتضمن هامش ربح أكبر
عندما تقوم الشركات ببيع الهواتف الذكية (أو أي منتج آخر في الواقع) فهي لا تهتم بعدد الوحدات المباعة فحسب، بل بهامش الربح الذي تحققه من كل منتج في الواقع. فبيع مليون هاتف ذكي مع ربح دولار واحد لكل منها أقل ربحية من بيع 100 ألف هاتف مع ربح 15 دولاراً على الهاتف الواحد.
عادة ما تحاول الشركات العمل على زيادة مبيعاتها وزيادة هوامش ربحها معاً في الواقع، لكن المشكلة هي أن زيادة المبيعات ليست بالأمر السهل وبالأخص لشركة تمتلك حصة كبيرة من السوق أصلاً مثل Apple، لذا عادة ما يكون البديل هو زيادة ربحية المنتجات التي تبيعها الشركة بدلاً من ذلك. وكون رفع الأسعار ليس خياراً مفضلاً للمستخدمين عادة، فالبديل هو تقليل التكاليف.
بالطبع تقوم الشركات التقنية الكبرى بتخفيض تكاليفها بشكل فعال جداً أصلاً، وعادة ما تستخدم أرخص ما هو مقبول ضمن مواصفاتها المطلوبة، لكن هناك وسيلة أخرى للأمر: إزالة بعض الميزات التي لا يستخدمها المستخدمون بشكل كبير أو أنها تعد رفاهية لا ضرورة لها مثلاُ.
حيث أن الهواتف رخيصة الثمن مثلاً عادة ما تتخلى عن ميزات مثل الشحن اللاسلكي أو الغطاء الخلفي الزجاجي أو شاشات OLED لتخفيض تكلفة تصنيعها. والآن يبدو أن التضحية بأجزاء لطالما كانت موجودة مع الهواتف في علبها هو الطريقة الجديدة لتخفيض التكاليف وزيادة الربحية.
في السابق وطوال سنوات كانت العديد من الشركات الصينية تبيع هواتفها دون سماعات مضمنة معها لنفس السبب: توفير التكاليف، والآن بعدما اتخذت Apple قرار التخلي عن الشواحن فقد تشجعت العديد من الشركات للسير على خطاها كون المستخدمين قد تقبلوا الخطوة إلى حد بعيد على ما يبدو دون ضجة كبيرة حول خسارة الشواحن في علب الهواتف.
هل التخلي عن الشواحن في علب الهواتف مفيد للبيئة؟
من حيث المبدأ وإن افترضنا كون الغالبية العظمى من المستخدمين يمتلكون شواحن وسماعات جيدة ولا يمانعون استخدامها أصلاً، سيبدو أن التخلي عن الشواحن والسماعات فكرة جيدة لتقليل النفايات الإلكترونية من جهة وتقليل البصمة الكربونية كون الحاجة لصنع شواحن جديدة ستنخفض. لكن المشكلة هنا هي أن هذا الافتراض يتجاهل الكثير من الحقائق المتعارف عليها.
من المعروف أن النسبة الأكبر من المستخدمين لا يرمون بهواتفهم القديمة عند الحصول على هاتف جديد في الواقع، بل أن الشائع هو بيع الهاتف القديم للمساعدة بسعر الجديد أو حتى إعطائه لأحد الأصدقاء أو أفراد العائلة ليستفيدوا منه. وبالتالي فنسبة كبيرة من المستخدمين لن تمتلك شواحنها السابقة في الواقع.
المشكلة الإضافية هي أن الشواحن لا تعمر طويلاً دائماً، بل من الشائع أن تتلف الشواحن قبل الهواتف في الكثير من الأحيان، ويعرف أي شخص يعاني من قيام أفراد عائلته باستخدام شاحنه دون إذنه أن الحالة العامة ليست وجود عدد هائل من الشواحن التي لا تستخدم، بل العكس: معظم الأحيان هناك نقص في الواقع، ولهذا السبب تزدهر العديد من الشركات التي تختص بتصنيع شواحن غير رسمية للهواتف.
هنا من الممكن الجدل بأن قيام 10% حتى من المستخدمين الجدد باستخدام شواحنهم وسماعاتهم القديمة هو أمر مفيد للبيئة، لكن المشكلة هنا هي أن الشواحن والسماعات التي تباع منفصلة لا تمتلك نفس البصمة الكربونية لنظيرتها المضمنة في علب الهواتف، بل أن بصمتها الكربونية والنفايات الناتجة عنها أكبر لأنها تحتاج إلى تغليف إضافي والكثير من الورق المقوى والبلاستيك الذي سرعان ما سيتحول إلى نفايات تدعي الشركات أنها تحاول تقليلها.
السبب الأكثر إقناعاً: توجيه المستخدمين إلى منتجات أخرى مربحة للشركة
في عام 2016 أطلقت شركة Apple أول هواتفها التي لا تمتلك منفذاً مخصصاً للسماعات iPhone 7 وبالتزامن معه صدرت سماعات AirPods اللاسلكية المكلفة للغاية. وكان الارتباط بين الأمرين واضحاً للغاية: اصنع المشكلة بجعل الشحن واستخدام السماعات معاً مستحيلاً (أو غير عملي على الأقل) ومن ثم قم ببيع الحل إلى المستخدمين. فالتزامن لم يكن مجرد مصادفة بالطبع، وفي حال كان كذلك فتكرار المصادفة الآن سيكون غير مقنع أبداً.
حيث أن شركة Apple قد تخلت عن تقديم الشواحن مع هواتف iPhone المباعة بنفس وقت تقديم شواحن MagSafe اللاسلكية الجديدة تماماً، والأمر واضح من جديد. فالشركة تصنع المشكلة وتنتظر أن يقوم المستخدمون بشراء الحل منها مباشرة مقابل سعر كبير ونسبة أرباح عالية.
بالطبع فالأمر ليس كذلك بالضرورة لجميع الشركات، لكن ومع تمهيد Apple الطريق للتخلي عن الشواحن في علب الهواتف سيرى المنافسون الفرصة سانحة لتوفير المال وزيادة ربحيتهم عبر التخلي عن الشواحن في هواتفهم أيضاً. ومع أن المنظمات البيئية قد امتدحت قرار Apple وسواها التخلي عن الشواحن والسماعات في علب الهواتف، فالحافز الأساسي واضح: الأرباح وليس البيئة.