الصين تقر دمج الذكاء الاصطناعي كجزء أساسي من خطتها الشاملة لتطوير التعليم

⬤ أعلنت الصين خطة شاملة لدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم بجميع مراحله لتعزيز الابتكار الوطني.
⬤ تهدف المبادرة إلى تطوير مهارات الطلاب والمعلمين وبناء منصات تعليمية ذكية تخدم الاقتصاد الرقمي.
⬤ تواجه الخطة تحديات مثل الخصوصية والتكلفة والتدريب، مع التأكيد على الحفاظ على البعد الإنساني.
أعلنت الصين رسمياً اعتماد الذكاء الاصطناعي في جميع مستويات نظامها التعليمي. وقد صدر التوجيه الجديد يوم الأربعاء الماضي عن وزارة التعليم بالتعاون مع ثماني جهات حكومية أخرى في البلاد، متضمناً خطة طموحة لإدماج تلك التقنية في أساليب التدريس، وتصميم المناهج، والكتب الدراسية، وتقييم الطلاب، والبحث الأكاديمي، وذلك في إطار مسعى واسع نحو التحول الرقمي في قطاع التعليم.
يستهدف هذا التوجه الوطني الطلاب والمعلمين على حد سواء، ابتداء من المرحلة الابتدائية وحتى التعليم الجامعي والعالي، بما يعكس التوجه الاستراتيجي لبكين نحو «تعزيز القدرة التنافسية الجوهرية للمواهب الابتكارية،» وفقاً لما صرح به مسؤولون حكوميون.
خلال مؤتمر صحفي، أوضح تشو داوانغ، رئيس إدارة العلوم والتقنية والمعلوماتية في وزارة التعليم الصينية، أن «التوجيه يدعو إلى تحديث شامل للتخصصات والمناهج وتنمية الكفاءات بما يتماشى مع متطلبات الاقتصاد الرقمي وصناعات المستقبل.»
يتمحور جوهر هذا الإصلاح حول تطوير المهارات الجوهرية لدى الطلاب، مثل التفكير النقدي والمستقل، والتحكيم المتقدم، والقدرة على حل المشكلات، والتواصل، والتعاون، والمهارات التطبيقية. وفي الوقت ذاته، تهدف المبادرة إلى تعزيز قدرات المعلمين، وتمكينهم من تهيئة «صفوف دراسية أكثر ابتكاراً وتحدياً،» وفقاً لبيان الوزارة.

في إطار خطة التنفيذ، تعتزم الصين إنشاء منصات تعليمية وطنية بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي لكافة المراحل. فضلاً عن إطلاق تطبيقات تجريبية، وإنشاء صفوف نموذجية مدمجة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم والتقييم. كما جرى بالفعل تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متخصصة في 13 تخصصاً، من بينها علوم الحاسوب، والكيمياء، وعلوم المواد،
بدأت بعض النماذج الأولى بالتطبيق فعلياً ضمن عدد من المؤسسات والمرافق التعليمية في الصين، وتساهم في هذه الجهود جامعات وشركات عدة. ولضمان تطبيق أخلاقي، تم إعداد مسودتين من التوجيهات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس الابتدائية والثانوية، مع التأكيد على اعتماد نهج «محوره الإنسان،» وفقاً لما أكده تشو داوانغ.
سياق استراتيجي طويل الأمد
لا تأتي هذه الخطوة في فراغ، بل تمثل مرحلة جديدة ضمن مسيرة طويلة من الإصلاحات الاستراتيجية التي شهدها النظام التعليمي الصيني منذ 1949.
مرت البلاد بثماني موجات من التحديثات في المناهج، بدءاً من النماذج السوفييتية في خمسينيات القرن الماضي، مروراً بمرحلة الثورة الثقافية، وصولاً إلى إصلاحات النوعية والتنمية الشاملة التي انطلقت منذ 1999. وتعتمد المبادرة الحالية على ركائز تشريعية مثل قانون التعليم الإلزامي الصادر عام 1986، إلى جانب استثمارات كبرى في البنية التحتية منذ 1978، لتجعل من الذكاء الاصطناعي أداة مركزية في تحقيق هدف الدولة بأن تصبح «أمّة ذات تعليم راسخ» بحلول 2035.
على الصعيد الدولي، تنضم الصين لعدد من الدول التي تسابق الزمن لدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، وإن تفاوتت الأساليب، وبالأخص في آسيا، مثل سنغافورة، وكوريا الجنوبية، واليابان.
بالمقارنة مع دول ومجتمعات أخرى، مثل أستراليا والولايات المتحدة، يبرز الجانب التنظيمي باعتباره الفارق الرئيسي. فعلى سبيل المثال، تبنت بعض الولايات الأمريكية سياسات تقييدية نظراً لمخاوف تتعلق بنزاهة التحصيل الأكاديمي، بعد أن كشفت البيانات عن فجوة بين استخدام الطلاب (27%) والمعلمين (9%) لتقنيات الذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي تميل فيه الصين وكوريا الجنوبية إلى سياسات أكثر مرونة.
الفرص والتحديات
برغم الآفاق الواعدة، إلا أن هناك تحديات بارزة. ولعل أهمها أمن وخصوصية البيانات، والتعامل مع التحيزات المحتملة في الخوارزميات، وضبط التكاليف العالية لتطبيق الذكاء الاصطناعي على مستوى الدولة، وسد الفجوة التقنية لدى الكوادر التعليمية بالتدريب الفعال والشامل.
بالمجمل، يبقى نجاح هذه الإصلاحات الطموحة مرهوناً بقدرة الصين على تحقيق توازن دقيق بين تسخير قوة التقنية والحفاظ على جوهر العملية التعليمية القائم على التفاعل البشري، وهو التحدي المشترك الذي تواجهه نظم التعليم حول العالم في ظل التحوّل الرقمي المتسارع.