أهمية تجاوز الافتراضات المسبقة في مجال الاتصالات المؤسسية
مقال ضيف بقلم أمل عثمان، شريك ورئيس الاتصالات والسياسات العامة في إنستنكتيف للعلاقات العامة.
رغم بُطء مجال العلاقات العامة بعض الشيء في مواكبة الابتكارات التقنية، إلا أنه قد يتأثر بين الحين والآخر بالتقنيات الناشئة. مثلما حدث عندما توقعنا أن تقوم موجة الذكاء الاصطناعي التي عصفت بالسوق مؤخراً بسلبنا وظائفنا. لكن بعد بضعة أشهر من التجريب والاختبار تمكنا من تنفس الصعداء والعودة إلى طاولاتنا وأساليبنا التقليدية. لم لا؟ فقد نجحت هذه الأساليب في تحقيق غاياتنا بشكل جيد حتى الآن.
لكن هل شعرت مؤخراً بأنك تعيد تشغيل نفس الأسطوانة في عملك كمستشار للعلاقات العامة؟ أو بأن الضجر قد بدأ يتسلل إلى ذهنك أثناء تقديم تدريب إعلامي؟ متى كانت آخر مرة أدهشت فيها نفسك أو عملائك حقاً؟ إن المسؤولية تقع على عاتقنا كاستشاريين لجعل رحلة الاتصالات مجزية وذات مغزى لزملائنا، وعملائنا، والأهم من ذلك، لأنفسنا.
العودة إلى خط البداية
لا شك أن التفكير بقدراتنا وكيفية توافقها مع أولويات الأعمال في مشهد إعلامي متغير هو أساس عملنا كاستشاريين في مجال الاتصال، إلا أن ذلك لم يعد كافياً.
فعندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار علينا الحذر من “الانحياز التأكيدي”، أي عندما نميل للبحث عن المعلومات وتفسيرها وتذكُّرها بما يتماشى مع معتقداتنا وافتراضاتنا لتأكيدها، مع تجاهل المعلومات المناقضة لها. ففي أوقات الغموض، نقوم بالاجتهاد والبحث بشكل غريزي، ووضع السيناريوهات، والتواصل مع شبكتنا الواسعة من الخبراء للحصول على الإجابات. لكن الانحدار يبدأ عندما نميل إلى اعتماد الإجابات التي تتوافق فقط مع تصوراتنا المسبقة. هذه الثقة المدعومة بالخبرة قد تكون عمياء في بعض الأوقات، ما قد تمنعنا من استقصاء الحقائق بشكل حيادي ورؤية الصورة الكاملة. اسأل نفسك هل أنت تصدق فقط ما تريد تصديقه؟ أم أن عقليتك منفتحة للعودة إلى خط البداية؟
لنعد إلى موجة الذكاء الاصطناعي التي ذكرناها سابقاً. ربما لا يزال العديد من مدراء الاتصالات قلقين إزاء استخدام موظفيهم لتلك التقنية لإيمانهم بأن الاتصال البشري هو الأسلوب الأكثر أخلاقية وفعالية. وبالتالي قد يميلون إلى تجاهل المزايا المحتملة للتقنية في مجال عملهم، والتركيز فقط على الجوانب السلبية التي يرونها من منظور واحد، كفقدان القدرة على التعامل مع المشكلات المعقدة أو فشل الروبوت في فهم العواطف البشرية.
ولتجاوز الانحياز التأكيدي هنا، قد يكون من المفيد إجراء بحث حول كيفية قيام الشركات العاملة في المجال باستخدام هذه التقنية لخدمة عملائهم. ومن الجيد أيضًا خوض نقاش مع خبراء المجال والاستماع إلى آرائهم وتجاربهم قبل التوصل إلى الإجابة.
خلاصة القول هي أن رحلة البحث عن الإجابات لا تقتصر على الأسئلة التي لا نعلم إجاباتها، بل تمتد للتشكيك في تلك التي نعلمها في الأصل. وقد لا يتعلق الأمر بعدم رغبتنا في زعزعة أساساتنا فحسب، وإنما لافتقارنا للخيال اللازم لرؤية الأمور من منظور مختلف تماماً. وفقط حينها سنتمكن من تقديم المشورة والحلول الشاملة لعملائنا استنادًا إلى المعلومات الكاملة وليس فقط تلك التي تتوافق مع آرائنا.
وفي حين تظل أساسيات العلاقات العامة ثابتة، فإن طرق تطبيقها تتغير باستمرار. لذا يجب وضع تطوير الأساليب على رأس أولوياتنا. وأن يكون لنا دور رئيسي في عملية تطوير التكنولوجيا التي تدعم عملنا، بدل الاكتفاء بما تقدمه لنا من خدمات جاهزة.
وأثناء رحلتنا نحو التغيير وتجاوز العقبات، علينا مواصلة التزامنا الواعي بضمان تقديم الجودة والخبرة والتميّز لأصحاب المصلحة الرئيسيين لتحقيق عائد ملموس على الاستثمار.
إعادة تعريف النجاح
كما حان الوقت لإعادة النظر في مؤشرات الأداء الرئيسية التقليدية. اسأل نفسك هل يمكنك التمييز بين الانتشار والأثر؟ وهل حققت رسائلك الأصداء المرجوة؟ أبلغني أحد العملاء مؤخرًا أنه نجح في تعيين ثلاثة موظفين استثنائيين في مجالهم النادر بفضل حملة القيادة الفكرية. تقليديًا، قد يكون مؤشر القياس المستخدم هنا هو تتبع أعداد الطلبات المستلمة عبر بوابة التوظيف، ما يبرز لنا أهمية النظر إلى ما هو أبعد من مجرد الاعتماد على الأرقام.
النهج هنا مزدوج، لنأخذ في الاعتبار ما يمكن للتقارير تسليط الضوء عليه، وما يتوقعه العملاء بعيدًا عن المقاييس. وبمجرد الإلمام بجميع صور النجاح سنكون في وضع أفضل لفهم كيفية تحقيقه وقياسه وتكراره.