أدق 100 مرة: علماء يطورون ابتكاراً يجعل أنظمة تحديد المواقع بدقة سنتيمتر وحيد

⬤ ابتكر باحثون تقنية جديدة تصغر الساعات الذرية الضوئية إلى حجم شرائح إلكترونية، مما يزيد دقة أنظمة تحديد المواقع 100 مرة.
⬤ سيسمح الابتكار بتحسين دقة قياس الوقت في الأقمار الصناعية، مما سيتيح دقة تحديد مواقع تصل إلى سنتيمتر واحد فقط.
⬤ رغم أنها بدأت كتقنية عسكرية، تشكل تقنيات تحديد الموقع بالأقمار الصناعية حجر أساس للعديد من الصناعات والمجالات اليوم.
في إنجاز علمي مبهر، كشف باحثون من جامعة بيردو في الولايات المتحدة وجامعة شالمر للتكنولوجيا في السويد عن تقنية مبتكرة تتيح تصغير الساعات الذرية الضوئية، وهي أجهزة قادرة على تحسين دقة نظام التموضع العالمي (GPS) بمقدار 100 ضعف، إلى مكونات بحجم الرقائق الإلكترونية.
تعتمد أنظمة GPS الحالية على أكثر من 400 ساعة ذرية تدور حول الأرض ضمن الأقمار الصناعية. وتقيس هذه الساعات الزمن من خلال احتساب تذبذبات الذرات لدى مرورها بمستويات طاقة محددة، مما يتيح تحديد المواقع بدقة تصل إلى بضعة أمتار. غير أن الجيل القادم من الساعات الذرية الضوئية، التي تعمل بترددات تفوق مئات المرات نظيراتها التقليدية، قد يخفض هامش الخطأ هذا ليصل إلى بضعة سنتيمترات فقط.
تتميز الساعات الذرية الضوئية بدقة تفوق بكثير نظيراتها الذرية التقليدية التي تعمل بغالبيتها بالموجات الميكروية، إذ لا تتجاوز نسبة الخطأ فيها ثانية واحدة على مدى مليارات السنين، مقارنة بالساعات الذرية التقليدية التي تسجل نفس الخطأ خلال ملايين السنين.
مع ذلك، ظل تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع مقيداً بسبب حجمها الكبير وتعقيدها التقني. إذ تشغل الساعات الذرية الضوئية الحالية مساحات شاسعة داخل المختبرات، كما تتطلب أنظمة ليزر متخصصة ومكونات ضوئية معقدة، ما يجعل استخدامها في الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية أمراً غير عملي.
هنا يأتي دور شرائح أمشاط الترددات بالمرنان الدقيق (Microcomb)، وهي عبارة أجهزة ميكروية ضئيلة الحجم، تعمل على توليد طيف من الترددات الضوئية المتباعدة بانتظام، أشبه بأسنان المشط. تلعب هذه الشرائح دور الجسر الذي يربط بين الترددات فائقة الارتفاع للساعات الذرية الضوئية (التي تصل إلى مئات التيراهيرتز) والترددات الراديوية المنخفضة الأكثر ملاءمة للدوائر الإلكترونية. ومن خلال مزامنة أحد ترددات مشط الترددات مع ليزر يتم ضبطه وفق اهتزازات الساعة الذرية، يمكن إنشاء مرجع زمني ثابت يتيح قياسات فائقة الدقة.
لم تكن عملية تصغير الساعات الذرية أمراً بسيطاً، إذ اكتشف الباحثون أن استخدام مشط ترددات واحد لم يكن كافياً لتحويل الإشارات فائقة السرعة للساعة الذرية إلى ترددات راديوية قابلة للاستخدام. ولحل هذه المشكلة، قام الفريق بإقران شريحتَين من أمشاط الترددات بترددات متباعدة بشكل طفيف، أي بفارق 20 جيجاهرتز مثلاً، مما أتاح إنشاء إشارة توقيت دقيقة يمكن التقاطها إلكترونياً.
لم يقتصر الابتكار على شرائح أمشاط الترددات بالمرنان الدقيق فحسب، بل تضمن أيضاً دمج تقنيات الفوتونات، أي استخدام مكونات ضوئية قائمة على الشرائح الكترونية بدلاً من الأنظمة الليزرية الضخمة التقليدية. وقد أسهم هذا الدمج في تقليص حجم ووزن الساعات الذرية الضوئية، مما يفتح المجال أمام إنتاجها على نطاق واسع وجعلها متاحة للاستخدام التجاري.
من شأن هذا التطور الواعد أن يرتقي بدقة تتبع أجهزة الاستخدام اليومي في المستقبل، من الهواتف الذكية إلى المركبات ذاتية القيادة، كما قد يحدث ثورة في مجالات مثل رصد النشاط الجيولوجي والملاحة. ولكن، لا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث والتجارب لإدخال مكونات إضافية ضمن النظام الجديد القائم على الشرائح الإلكترونية قبل أن تصبح حقيقة وواقعاً بمتناول الجميع.