آلاف أجهزة البيجر تنفجر بشكل مفاجئ – كيف حصل ذلك وهل عليك القلق؟
⬤ انفجرت آلاف أجهزة الاتصال «بيجر» يوم أمس بشكل مفاجئ وغير مسبوق بهذا الانتشار.
⬤ جميع الأجهزة المنفجرة من نفس الموديل والجيل، مما يشير إلى تلاعب محتمل وهجوم سيبراني استهدف الأجهزة.
⬤ كان استخدام هذه الأجهزة قد انتشر في عدة مناطق كحل اتصال منخفض التقنية لتجنب التجسس.
مع هيمنة أخبار انفجار أجهزة البيجر على الأخبار منذ يوم أمس، بات هناك سؤال ملح يحتاج الإجابة عنه: ما هي أجهزة البيجر، كيف يمكن أن تنفجر أصلاً، ولماذا حصل ذلك يوم أمس بهذا الشكل المتزامن.
تعد أجهزة البيجر وسيلة اتصال منخفضة التقنية ونادرة الاستخدام للغاية اليوم. حيث كانت هذه الأجهزة شائعة في التسعينيات، وعادة ما تستخدم أمواج FM الراديوية لتوزيع الرسائل إلى الأجهزة المطلوبة. وبينما تتوافر أجهزة بيجر تتضمن مرسلات أيضاً، فالمعتاد هو أن أجهزة البيجر هي أجهزة استقبال فحسب، حيث تصلها تنبيهات تتراوح من مجرد أصوات فقط، وحتى رسائل نصية ورقمية.
بسبب طبيعتها، كانت هذه الأجهزة مستخدمة خلال التسعينيات على نطاق واسع في مجال الطوارئ، حيث كان الأطباء والممرضون يحملونها معهم لتنبيههم في حال احتياجهم بشكل طارئ في المستشفيات. لكن ومع مطلع الألفية وانتشار الهواتف الذكية سرعان ما بدأت أجهزة البيجر بالاختفاء تدريجياً وانحسر سوقها إلى مجالات محدودة للغاية.
كما مختلف الأجهزة الإلكترونية المستخدمة في الفترة الحالية، تستخدم أجهزة البيجر بطاريات الليثيوم داخلها كمصدر للطاقة. لذا ولدى البحث في أسباب وطريقة انفجارها الممكنة، سرعان ما ربط العديد من الأشخاص السبب بهذه البطاريات. حيث هناك آلاف الحالات الموثقة لانفجار الهواتف الذكية، والحواسيب المحمولة، والدراجات الكهربائية، وسواها في الماضي.
بالنظر أقرب إلى ما حصل وما هو متوافر من أدلة، لا يزال الجزم في الأمر غير ممكن حالياً. حيث يحتاج اكتشاف ملابسات هذه الأمور تحقيقات مطولة، لكن وفي الوقت الحالي، هناك نظريتان أساسيتان تشرحان الأمر، مع كون كل منهم يتمتع بميزات تقربه من الإمكانية، لكنه يواجه بعض التحديات التي تحتاج التفسير.
النظرية الأولى: التحديث المعيب
تتركز النظرية الأولى على امتلاك أجهزة البيجر لبطاريات الليثيوم، وأن هذه البطاريات هي سبب الانفجار. حيث اقترح البعض تعرض هذه الأجهزة للاختراق عن بعد وكونها قد استقبلت تحديث نظام أو تعليمات معينة تسببت بخلل في عملها وبالأخص في البطارية، وهو ما يسبب ارتفاع حرارة البطارية وانفجارها التالي.
من حيث المبدأ، تعد هذه النظرية هي الخيار الأبسط من حيث التنفيذ، لكن ذلك لا يعني أنها الأرجح بالضرورة، حيث تعاني من عدة ثغرات. المشكلة الأولى هنا هي أن أجهزة البيجر لا تتلقى التحديثات عن بعد، فهي مجهزة لتتلقى الرسائل فقط، وفكرة إرسال برمجيات خبيثة إليها بهذا الشكل تبدو بعيدة عن الإمكان. لكن وحتى في حال صحة ذلك، تظهر المشكلة الأخرى في طبيعة انفجار بطاريات الليثيوم، حيث تسخن هذه البطاريات وتطلق الدخان في البداية، قبل أن يظهر منها لهب قوي صعب الإخماد، وبعدها يمكن أن تنفجر لكن بشكل محدود نسبياً.
في الفيدوهات المتداولة لانفجار الأجهزة، لا تظهر الأدخنة أو ألسنة اللهب بأي شكل، كما أن الحجم الصغير لبطاريات أجهزة البيجر يعني أنها غير كافية للتسبب بهذا النوع من الضرر.
النظرية الثانية: التلاعب المسبق
على عكس النظرية الأولى تركز هذه النظرية على سلسلة التوريد بداية من المصنع وحتى توصيل الأجهزة إلى مستخدميها النهائيين. لكن العيب الأساسي لهذه النظرية هو أنها تحتاج للكثير من التخطيط والموارد، ولا يمكن تنفيذها عن بعد في الواقع، بل تحتاج للتعامل المباشر لكل جهاز.
وفق هذه النظرية، فقد تعرضت أجهزة البيجر المنفجرة لتلاعب مسبق بحيث تم زرع كميات صغيرة من المتفجرات، مثل المتفجرات البلاستيكية شديدة الانفجار، ضمن الأجهزة، أو ربما استبدلت بطارياتها بأخرى معيبة، أو تمت إعادة برمجتها بحيث تسبب فرط جهد على البطارية لدى تلقيها أوامر معينة ربما.
بينما تتطلب هذه النظرية المزيد من الجهد والوصول المادي إلى الأجهزة في مرحلة ما، فهي تمتلك العديد من المؤشرات لصالحها حالياً. حيث أظهرت الصور الأولية أن الأجهزة المنفجرة من صنع شركة شركة Gold Apollo التايوانية، ويبدو أنها وصلت جميعها في شحنة واحدة معاً مما يزيد إمكانية تعرضها للعبث. وبالنظر إلى أن الأشكال الظاهرة في الفيديوهات تشير إلى أن الانفجار مجرد من اللهب، فهذه النظيرة الوحيدة التي تفسر ذلك.
هل عليك القلق من الأمر؟
في الوقت الحالي لا يزال كل شيء مبهماً ريثما يتم التحقق من الطريقة الحقيقية لانفجار أجهزة البيجر. لكن وفي حال صحت النظرية الأولى، وكان الأمر ناتجاً عن اختراق عن بعد، فهو يفتح الباب أمام الكثير من أنواع الهجمات الأخرى التي يمكن أن تستهدف الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة وسواها من الأجهزة ذات البطاريات.
لحسن الحظ، لا يرجح الخبراء أن الأمر يمكن أن يكون مقلقاً للعامة، حيث أن الهواتف والحواسيب الحديثة مزودة بأنظمة مصممة خصيصاً لمنع ارتفاع درجة حرارتها بشكل يؤذي البطارية. وكما يعلم أي شخص جرب ترك هاتفه في سيارة حارة، فالهواتف الحديثة توقف نفسها عن العمل تلقائياً عند درجة حرارة معينة بغرض منع انفجار البطارية، مما يعني أن أي هجوم من هذا النوع يمتلك احتمالات منخفضة جداً للنجاح.
في حال صحت النظرية الثانية، وهي ما يرجحه الخبراء حالياً، فالهجوم موجه بشدة ومخصص، وتحتاج محاكاته إلى جمع معلومات استخباراتية واعتراض شحنات وتنفيذ هجمة عالية التقنية على المستهدفين. بالطبع لا ينفي ذلك احتمال الخطر، لكنه يعني أن الأشخاص العاديين الذين لا يشغلون مناصب حساسة أو يعدون طرفاً فاعلاً في صراعات كبرى لن يتعرضوا لهذا النوع من الهجمات بشكل حقيقي.
يذكر أن أجهزة البيجر كانت قد لاقت عودة محدودة لشعبيتها مؤخراً كونها حل اتصال منخفض التقنية. حيث انتشر استخدامها في مناطق متعددة كحل منخفض التقنية ومقاوم للتجسس. فهي لا تتضمن أي ميكروفونات أو كاميرات، كما لا يمكن تحديد موقعها لأنها أجهزة استقبال فقط ولا تقوم بإرسال أي شيء للشبكة. وبالنظر إلى أنها تستخدم أمواج الراديو في نطاق FM، فمن الممكن تشغيل شبكات كبرى لها بشكل سهل وغير مكلف أو معقد تقنياً.
بالمقابل، تعاني شبكات البيجر من مشكلة أمنية أساسية ناتجة عن نفس سبب تفضيلها مؤخراً: نتيجة عدم القدرة على تحديد مكان البيجر، يجب بث جميع الرسائل الواردة عبر كامل الشبكة لضمان وصولها، مما يعني احتمال اعتراض أكبر للرسائل، وما ينتج عن ذلك من فك تشفيرها.