باحث ذكاء اصطناعي يؤسس شركة تهدف لاستبدال جميع الوظائف البشرية وأتمتة الاقتصاد بالكامل

⬤ أعلنت شركة Mechanize الناشئة عن خطة لأتمتة الاقتصاد بالكامل، وأثارت جدلاً واسعاً بشأن مصير الوظائف البشرية.

⬤ يواجه مشروع الشركة انتقادات حادة بسبب المخاوف الأخلاقية وتضارب المصالح، وسط دعم استثماري قوي من القطاع.

⬤ رغم التحديات التقنية الجسيمة، تسعى الشركة لبناء بنية تحتية لعالم لا يعتمد على اليد العاملة البشرية، ممهدة لثورة تاريخية.

من قلب وادي السيليكون، أعلنت شركة Mechanize الناشئة الجديدة انطلاقها يوم الخميس بمهمة أثارت على الفور موجة من الجدل: «الأتمتة الكاملة لجميع الوظائف» و«أتمتة الاقتصاد برمته.» وقد تأسست على يدي الباحث البارز في الذكاء الاصطناعي تماي بيسيروغلو، وهو أيضاً مؤسس منظمة Epoch غير الربحية والمتخصصة في أبحاث الذكاء الاصطناعي.

الهدف المعلن من Mechanize لا يقبل التأويل؛ تطوير قواعد البيانات، ونظم التقييم، والبيئات الرقمية اللازمة لتمكين وكلاء الذكاء الاصطناعي من أداء جميع المهام التي يضطلع بها البشر. ورغم تأكيد المؤسس أن «التركيز الحالي منصب على الأعمال المكتبية،» فإن رؤيته بعيدة المدى تستهدف جميع الوظائف البشرية دون استثناء. وقد قدر حجم السوق المستهدف اعتماداً على مجموع الأجور العالمية بنحو 60 تريليون دولار سنوياً، منها ما يقارب 18 تريليوناً في الولايات المتحدة وحدها.

سرعان ما تصاعدت ردود الفعل حيال ذلك، وعبر كثيرون عن قلقهم إزاء التداعيات الأخلاقية والاقتصادية لإزاحة مليارات من العاملين حول العالم. كما أُثيرت تساؤلات حول تضارب المصالح المحتمل نتيجة قيادة بيسيروغلو لكل من الشركة الناشئة الربحية Mechanize والمنظمة البحثية Epoch التي لطالما حظيت باحترام كبير في تقييم تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد.

بطبيعة الحال، ليست هذه المرة الأولى التي تُثار فيها الشبهات حول Epoch؛ ففي ديسمبر الماضي، كشفت تقارير عن دعم OpenAI لإنشاء مقياس تقويمي من Epoch استخدم لاحقاً للترويج لأحد نماذجها الجديدة، وهو ما أثار مطالبات بزيادة الشفافية واضطر Epoch لإصدار بيان توضيح رسمي. ومع إعلان إطلاق Mechanize، عادت المخاوف ذاتها إلى الواجهة مجدداً. لكن رغم هذا الجدل، حظيت Mechanize بدعم استثماري كبير من شخصيات مرموقة في القطاع.

هل تعيد الآلة كتابة التاريخ الاقتصادي؟

مواضيع مشابهة

حتى مع الانتقادات، يرى بيسيروغلو أن الأتمتة الشاملة قد تفتح الباب أمام عصر من الازدهار غير المسبوق. ويستند في ذلك إلى أبحاثه التي تشير إلى إمكانية تحقيق «نمو اقتصادي انفجاري» ينجم عنه وفرة هائلة في الموارد وارتفاع غير مسبوق في مستويات المعيشة، بالإضافة إلى ابتكار سلع وخدمات غير مسبوقة.

تماي بيسيروغلو

تتقاطع هذه الرؤية مع نظريات اقتصادية معاصرة حول ما يُعرف باقتصاد ما بعد الندرة، حيث تصبح أغلب السلع والخدمات زهيدة التكلفة أو مجانية بفعل انخفاض الحاجة إلى العمالة البشرية، وهو ما سبق وتنبأ به الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز منذ القرن الماضي، حين توقع أن يؤدي التقدم التقني إلى تقليص ساعات العمل جذرياً.

مع ذلك، تعود الهواجس المرتبطة بمشروع Mechanize إلى جذور تاريخية ممتدة. إذ تعود المخاوف من استبدال الإنسان بالآلة إلى القرن السادس عشر، حينما ورد أن الملكة إليزابيث الأولى رفضت منح براءة اختراع لآلة حياكة أوتوماتيكية خوفاً على وظائف الناس. ورغم أن الثورات الصناعية والتقنية السابقة أفضت إلى نشوء وظائف جديدة، كما جاء في المقال الشهير من MIT بعنوان «لماذا لا تزال هناك وظائف؟»، إلا أن حجم التغيير الذي يعد به الذكاء الاصطناعي قد يكون أوسع من أي سابقة تاريخية. وتشير أبحاث McKinsey إلى أن الأتمتة قد تؤدي إلى فقدان ما بين 400 و800 مليون وظيفة عالمياً بحلول عام 2030.

معضلات اقتصادية وتحديات تقنية

أشار منتقدو المشروع إلى مفارقة جوهرية في فكرة «الوفرة عبر الأتمتة؛» فإذا ما خسر الناس وظائفهم، فكيف سيتسنى لهم شراء السلع والخدمات التي تنتجها أنظمة الذكاء الاصطناعي؟ ورد بيسيروغلو بأن الأجور قد ترتفع في الأدوار «المكملة» التي لا يسع الآلات أداؤها، لكنه أقر بأن تحقيق الأتمتة الكاملة قد يستلزم تحولاً في مصادر الدخل، من الأجور إلى «الإيجارات، والأرباح، والمساعدات الحكومية»، ما يعني إعادة هيكلة جذرية لطرق توزيع الثروة في المجتمعات.

يتقاطع هذا التصور مع واقع سوق العمل الحالي، حيث يستفيد أصحاب المهارات العليا والدنيا من الأتمتة، بينما تتراجع الوظائف ذات المهارات المتوسطة. وتشير تقديرات McKinsey أيضاً إلى أن ما يصل إلى 12 مليون عامل في أوروبا والولايات المتحدة قد يضطرون إلى تغيير مجالات عملهم، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أتمتة ما يصل إلى 70% من وقت العمل الحالي في بعض المهام. ومع ذلك، فإن الأتمتة لا تلغي الحاجة إلى الإبداع وحل المشكلات المتقدمة.

من الناحية التقنية، يعترف بيسيروغلو بوجود عوائق كبيرة أمام تحقيق الرؤية. فعلى الرغم من مرور عام على تصاعد الحديث عن وكلاء الذكاء الاصطناعي، لا تزال هذه النماذج «غير موثوقة،» وتعاني من ضعف في الاحتفاظ بالمعلومات وعدم القدرة على تنفيذ المهام المستقلة أو الخطط طويلة الأمد دون أخطاء جسيمة. كما أن Mechanize تدخل إلى سوق مزدحم، حيث تتسابق شركات عملاقة مثل Salesforce، Microsoft، وOpenAI، إلى جانب عشرات الشركات الناشئة، لتطوير كفاءة الوكلاء وتحديث بياناتهم وأساليب تدريبهم ونماذجهم الاقتصادية.

لكن، رغم التحديات الفنية والنقاشات المحتدمة، تمضي Mechanize قدماً في رؤيتها الجذرية، وقد بدأت بالفعل في التوظيف لبناء البنية التحتية لعالم قد يخلو من العمالة البشرية. ويبدو أن الجدل الذي أثارته هذه الشركة الناشئة لن ينتهي قريباً.

شارك المحتوى |
close icon