ماذا سيحصل إن تم اختراق الشريحة الدماغية؟ أول الحاصلين على شريحة Neuralink يجيب
ضمن لقاء حواري ضمن بودكاست جو روغان الشهير، ظهر نولاند آربو، المضيف البشري الأول لشريحة الدماغ من شركة Neuralink، والتي تعود ملكيتها للملياردير الأمريكي، إليون ماسك، للحديث حول تجربته مع الغرسة الدماغية، وتفاصيل العمل في هذا المجال، وكواليس تعامله مع فريق الشركة حتى الآن.
خلال الحوار، طُرحت فكرة إمكانية تعرض شريحة الدماغ للاختراق، ليؤكد المريض الذي يعاني من الشلل هذا الأمر، مشيراً إلى أن ذلك هو أحد أكثر التساؤلات التي تخطر على بال كل من يلتقيه. أثار هذا الأمر دهشة كثير من المتابعين، فهو يعني الانتقال لمستوى مغاير تماماً من التهديدات، ويطرح تحديات أخلاقية مستفحلة.
ما هي شريحة Neuralink
على المستوى الأساسي، هي عبارة عن واجهة تخاطب بين الدماغ والحاسب (BCI)، تتكون من نظام حاسوبي مصغر مخصص، يجري غرسها بواسطة روبوتات دقيقة خاصة، وترتبط فعلياً بخلايا محددة من الدماغ من خلال أقطاب كهربائية مخصصة (1024 منها في حالة آربو)، وهي قادرة على التقاط إشارات الدماغ وإعادة تكوينها وإرسالها كذلك.
يمثل الطراز الذي غُرس في دماغ آربو مرحلة معينة من مراحل تطور النماذج الاختبارية للشريحة، ويتخذ شكلاً اسطوانياً، بمساحة عملة نقدية معدنية صغيرة، وسماكة أكبر من سنتيمتر واحد بقليل، وفقاً لما ذكره المريض نفسه، والذي أشار أيضاً إلى أن الجراحين استغنوا عن جزء من عظم الجمجمة لإفساح المجال لغرسة الشريحة.
تتخاطب الشريحة مع واجهة التحكم الخارجية ـ مثل تطبيق على الهاتف الذكي ـ عن طريق اتصال لاسلكي، ما يعني أنها معرضة فعلياً لوسط اتصال خارجي يمكن ـ نظرياً على الأقل ـ محاولة اختراقه من قبل جهات غير مصرح لها إذا ما امتلكت الأدوات والمعرفة اللازمة لذلك.
قابلية الاختراق
إذن، هل يمكن اختراق شريحة Neuralink الدماغية فعلياً؟ حول هذا السؤال، يجيب آربو بالقول: «نعم»، على أن تلك هي الإجابة المقتضبة. لا يظهر هنا أن المريض يعني أن هذا الأمر قد حدث فعلياً، أو أن أحداً من القيمين على المشروع أخبره بإمكانية ذلك صراحة. ومن جهة أخرى، لا يعني هذا أنه على خطأ، بل يبدو وأنه استند في قوله ذلك إلى واقع أن ما في دماغه عبارة عن جهاز إلكتروني، لذا فهو عرضة للاختراق حكماً، بطريقة أو بأخرى. حاله حال أي جهاز تقني آخر.
لكن من المنصف القول إن السؤال الأهم هنا هو ماذا يحدث إن جرى اختراق شريحة الدماغ فعلياً؟ مجدداً، يجيب آربو بشيء من عدم الاكتراث، بقوله إن الأمر ليس بالجلل على حد تعبيره؛ فهو يرى أنه في حال تمكن أحدهم من فعل ذلك، فقد يطلع على بعض الإشارات من دماغه والبيانات التي تجمعها الشريحة، ولربما يستطيع مثلاً العبث بتحركات فأرة الحاسوب أو لوحة المفاتيح خاصته، وفقط عندما يستخدمها. ورغم أن مثل هذه الأشياء لوحدها تُعتبر حادثاُ خطيراً إذا ما وُظّفت بطرق خبيثة، فإن آربو نفسه ذكر مجموعة من القصص والأمثلة حول الإمكانيات والقدرات التي يمكن لشرائح Nerulink أن تقدمها في المستقبل، وهي ما يجعل من مجرد التفكير في أن أحدهم قد نجح في اختراقها أمر يبعث على الرهبة.
خنازير تمشي وقرود تبصر
تعود التجارب الفعلية الأولى لشريحة Neuralink على الخنازير إلى بضعة أعوام خلت، ووقد ظهرت باكورة النتائج الابتدائية إلى العلن حينما استعرض إيلون ماسك كيف تمكن فريقه من التقاط إشارات الإحساس من أنف حيوان بدقة متناهية، وبعد ذلك بعامَين، حيث جرى عرض تجربة نجح فيها فريق Neuralink في إعادة تمثيل حقيقية لحركة رجل الحيوان، عن طريق زرع شرائح ومستقبلات خاصة في الدماغ والنخاع الشوكي، تم من خلالها إعادة بناء تنبيهات أوامر الحركة للعضلات الطرفية، وأيضاً إشارات الإحساس إلى الدماغ.
في تجارب أخرى أُجريت على قرود، نجح فريق Neuralink في ترجمة إشارات الدماغ المرتبطة بسلسلة من الأفعال، ورأينا كيف تمكن الحيوان من التعامل مع لعبة رقمية على شاشة عرض أمامه بإتقان عالٍ، فقط عبر التفكير بالحركات في دماغه، وهو ما يجري تطبيقه على المتطوع البشري في الوقت الراهن. لكن النقلة النوعية الكبرى كانت عندما تمكن الباحثون والعلماء من إعادة تشكيل جزئية لحاسة البصر، عن طريق حقن أو توليد الإشارات البصرية في الدماغ مباشرة على شكل شحنات كهربائية، متجاوزين العين كلياً.
إذن، تخيل نفسك بعد عشر سنوات مثلاً، وفي دماغك شريحة أو أكثر من شرائح Neuralink الأكثر تطوراً، سواء لتعينك على تعويض نقص عصبي أما، أو حتى لتزيد من قدراتك كي تغدو بشرياً خارقاً، وتمكن أحدهم من اختراق تلك الشرائح! إنه لأمر مرعب أن يكون بمتناول يديه ما تراه، وما تفكر بفعله، وما تحس به، وعلاوة على ذلك، أن يكون قادراً على جعلك ترى ما يريد وتتحرك كيفما يشاء أيضاً. لعلنا هنا أمام أخطر درجات الاختراق وأكثرها تأثيراً في تاريخ البشرية.
إذا ما نظرنا إلى الأمر من زاوية مجردة، فهو أشبه بعملية اختراق لحاسوب تقليدي؛ وكما هو الحال عند اختراق نظامه ونجاح المخترق في التحكم بالمحتوى الظاهر على الشاشة، وملفات الذاكرة، ومكبرات الصوت وما إلى ذلك، يمكن لمن يخترق شرائح الدماغ أن يضع موطئ قدم له هنالك، فيسيطر على أجزاء منه. قد يحصل ذلك دون أن يشعر الضحية بأي شيء، وتتسرب البيانات الصادرة والواردة إلى الشريحة دون أي إشارة على ذلك.
في العادة، عندما تلاحظ أن حاسوبك بدأ بإظهار سلوكيات غير مفهومة، مثل ظهور برامج أو أيقونات جديدة على الشاشة، أو امتلاء الذاكرة بملفات غير مألوفة، أو إصدار أصوات غريبة عشوائية، فتلك ـ وفقاً للخبراء ـ دلائل حتمية على اختراق فيروسي جسيم. ولك أن تخيل مستقبلاً تنتقل فيه تلك العوارض إلى أدمغتنا، وتكون دلائل اختراقها من قبيل رؤيتنا لأشياء عشوائية، أو تحركنا بخطوات عبثية، أو نطقنا لكلام غريب. أو أن تكون كل أفكارنا، وأحاسيسنا، وما نبصره، وما نسمعه مسربة في أحد منتديات الاختراق. ذلك هو التجسيد الفعلي لكوابيس الواقع.
بعيداً عن التهيؤات والأحكام المسبقة، كيف يمكن اختراق شرائح الدماغ فعلياً؟ بالنظر لكونها عبارة عن نظام حاسوبي مصغّر، فهي عرضة للاختراق عن طريق وسط الاتصال الذي يربطها بواجهة التحكم. أي عبر اختراق شبكة الاتصال اللاسلكي الذي يجري من خلاله التحكم بها، سواء عبر تطبيق على الهاتف المحمول، أو عبر نظام مركزي شامل تابع للشركة المصنعة.
في حواره مع جو روغان، تحدث آربو حول كيفية إصلاح Neuralink الخلل الذي أصاب جزءاً من الشريحة المغروسة في دماغه، بعد انفصال مجموعة من الخيوط المتصلة فيه، واستبعاد خيار التدخل الجراحي لإرجاعها. لقد جرى الأمر عن طريق تحديث برمجي تمكن من خلاله الفريق من استعادة معظم وظائف الشريحة، لا بل إن آربو لمس بعض التحسين عن السابق حتى. تعطي واقعة كهذه فكرة واضحة عن التأثير الذي يمكن إحداثه بمجرد امتلاك صلاحيات الاتصال والبرمجة لمثل هذه الشرائح.
الاختراق الذاتي
بمعزل عن كل الكلام السابق حول فرص المخترقين في الوصول إلى شريحة الدماغ، ومكاسبهم وغاياتهم من وراء ذلك، يتجلى نمط آخر من إساءة الاستخدام لا يقل أهمية عن ذاك الأول، ولعله أدعى للشعور بالخطر والخوف منه، ألا وهو إقدام الشخص ذي الشريحة في دماغه على العبث بوظائفها، في محاولة منه ربما لفتح آفاق جديدة لتفكيره، أو حتى لزيادة نشاط مراكز المكافئة في الدماغ، بشكل يحاكي تماماً تأثير مواد الإدمان.
كلمة أخيرة
يمكننا التهويل، والتحذير، والادعاء كثيراً وكثيراً حول خطورة فكرة اختراق شريحة الدماغ من أساسها. لكن مثل هذه الهواجس ليست وليدة اليوم، إنما ترجع لسنوات خلت، منذ بداية التفكير الجدي في تفاعل الدماغ مع الحاسوب بشكل مباشر، وقبل ظهور Nerulink ومثيلاتها على الساحة حتى. فهل يجب أن يرتدع أصحاب هذه المشاريع ويقلعوا عمّا هم في خضمه الآن؟ يمكننا القول إن ذلك لن يحدث إطلاقاُ، وهو حال كل التقنيات الثورية. فإن لم تكن Nerulink هي من يطور شرائح الدماغ هذه، فعلى الأرجح ستكون شركة أخرى مماثلة، أو قد يفعل أحدهم الأمر ذاته في روسيا، أو الصين، أو ألمانيا.
من منظور آخر، ها نحن اليوم جميعاً نضع القسم الأكبر من ذكرياتنا، وتفاصيل حياتنا، ومعاملاتنا المالية، وتواصلنا مع الآخرين، وكلّ شيء ضمن هاتف ذكي صغير، قابل للاختراق هو الآخر، وبسهولة أقل نسبياً من شريحة Nerulink على الأرجح. فإلى مدى يخاطر البشر حقاً إذا ما تبنوا شرائح الدماغ في مستقبل ما!؟