كيف يعمل نظام تحديد المواقع العالمي GPS؟ وكيف يعرف موقعك بدقة شديدة؟
في حال عدنا بضعة عقود إلى الخلف، كانت الطريقة الوحيدة للتوجيه في الأماكن التي لا تعرف جغرافيتها جيداً هي الخرائط الورقية، وبالطبع كان هناك مشكلة مستمرة بمعرفة مكانك على الخريطة ومطابقة اتجاهات الخريطة مع اتجاهك في الواقع. لكن وخلال العقدين الأخيرين فقط باتت الخرائط الورقية أمراً من الماضي بعد انتشار الخرائط الرقمية والاختراع الأهم المتعلق بها: أنظمة تحديد المواقع مثل GPS ومن ثم الأنظمة الأخرى مثل GLONASS وسواها.
اليوم لم يعد هناك حاجة لخرائط ورقية أو عناء في الواقع، بل يكفي هاتف ذكي لمعرفة مكانك بدقة شديدة تصل إلى بضعة سنتيمترات حتى في معظم الحالات. لكن هنا يأتي السؤال المهم: كيف تعمل أنظمة تحديد المواقع أصلاً؟ وكيف يمكنك أن تعرف مكانك في أي لحظة وبدقة عالية ومع استهلاك منخفض للطاقة كذلك حتى دون اتصال بالإنترنت أو أي نوع من الشبكات؟
في هذا الموضوع سنشرح الطريقة التي يعمل بها نظام تحديد المواقع العالمي GPS وأنظمة تحديد المواقع التالية التي باتت متاحة بعده، كما سنتناول سبب تطويره أصلاً ولماذا هو متاح للجميع مجاناً اليوم ويمكن استخدامه من الجميع دون أية مشاكل ودون الحاجة لتطويره بشكل كبير حتى للتعامل مع العدد المتزايد من الأجهزة التي تحتاج تحديد المواقع.
كيف يعمل نظام تحديد المواقع العالمي GPS؟
بشكل أساسي، يتكون نظام تحديد المواقع العالمي من تشكيلة من الأقمار الصناعية (تتضمن 31 قمراً صناعياً في الوقت الحالي) تدور حول الأرض على بعد حوالي 20 ألف كيلومتر من الأرض ضمن المدار الأرضي المتوسط. حيث تعمل جميع هذه الأقمار الصناعية بشكل متشابه في الواقع: تطلق إشارة موجهة نحو الأرض تتضمن توقيت إطلاق إشارتها ومكانها بالنسبة للأرض عندما قامت بإطلاق الإشارة فقط.
على الأرض لا تقوم الهواتف الذكية أو السيارات التي تدعم نظام تحديد المواقع بأي عمليات إرسال في الواقع، بل أنها تكتفي بالتقاط الإشارات القادمة من الأقمار الصناعية في المدار وتحليلها لاستخدامها معاً في تحديد مكان الجهاز بدقة عالية.
عادة ما يكون هناك 6 أقمار صناعية ضمن خط نظر مباشر من أي مكان تكون فيه على الأرض، لكن هذا الأمر يتغير في حال كنت ضمن كتلة بناء كبيرة مثلاً أو ضمن وادٍ ضيق مثلاً. لكن على العموم يحتاج تحديد الموقع بدقة إلى أربعة أقمار صناعية فقط، لذا تعد تقنية GPS وغيرها قادرة على تحديد الموقع في أي مكان تقريباً حتى ولو كنت في عرض المحيط وعلى بعد آلاف الكيلومترات من أقرب وجود بشري.
الفكرة الأساسية خلف نظام تحديد المواقع العالمي قائمة على المزامنة في الواقع، حيث على جميع الأقمار الصناعية أن تستخدم ساعات نووية عالية الدقة لتبقى متزامنة تماماً طوال الوقت، وعندما يقوم القمر الصناعي بإرسال إشارته التي تتضمن مكانه ووقت إرسال الإشارة يمكن للمستقبل الأرضي أن يعرف المسافة التي يبعدها عن القمر الصناعي، حيث أن المسافة هي ناتج ضرب زمن التأخير بين الإرسال والاستقبال مضروباً بقيمة سرعة الضوء (حيث تنتشر الأمواج الكهرومغناطيسية بسرعة الضوء).
بالاعتماد على قمر صناعي واحد فقط يمكن للمستقبل الأرضي أن يحدد مكانه بأنه على سطح كرة مركزها القمر الصناعي ونصف قطرها هو المسافة بينهما، لذا يحتاج الأمر لأقمار صناعية أخرى. وبإضافة إشارة قمر صناعي ثانٍ يحدد المكان على أنه نقطة من دائرة فحسب، وبإضافة قمر صناعي ثالث يصبح هناك نقطتان محتملتان فقط لموقع المستخدم. وأخيراً تفيد إشارة القمر الصناعي الرابع بتحديد مكان المستخدم بشكل دقيق جداً وفي نقطة واحدة فقط.
اقرأ أيضاً: هل من الممكن لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أن يتجسس على موقعك حقاً؟
في الحالة المثالية لن يكون هناك أي خطأ محتمل في موقع المستقبل بالطبع، لكن نتيجة العديد من الأمور المختلفة مثل التقريب في العمليات الرياضية أو حتى الحواجز بين المرسل والمستقبل وبالطبع قدرة المعالجة الموجودة لدى المستقبل عادة ما يكون هناك خطأ صغير في تحديد الموقع، وحالياً تقدر دقة نظام GPS بأنها تستطيع تحديد الموقع ضمن مدى دائرة نصف قطرها 30 سنتيمتراً فقط.
من يمتلك نظام تحديد المواقع العالمي؟
تم تطوير النظام أصلاً من قبل الحكومة الأمريكية حيث بدأ العمل عليه منذ سبعينيات القرن الماضي وكان من المفترض أن يبقى مخصصاً للاستخدامات العسكرية والحكومية فقط. لكن وبعد حادثة إسقاط طائرة ضلت طريقها في عام 1983 بدأ النقاش حول الفائدة الممكنة لاستخدام نظام تحديد المواقع بشكل مدني، وفي الفترة الأولى تم إطلاق الإشارة المدنية لتكون مشوشة قليلاً بحيث تسمح بالتوجيه للأجسام الكبيرة دون دقة عالية حقاً، وهذا ما أضيف منتصف التسعينيات عندما أزيل التشويش وباتت الإشارة المتاحة للجميع عالية الدقة.
حالياً تتوافر تقنية تحديد المواقع عبر GPS للجميع مجاناً ودون الحاجة لإذن بل فقط شريحة وهوائي استقبال صغير، وهذا الأمر ممكن لأن النظام لا يحتاج للتكبير حقاً للتعامل مع المزيد من المستخدمين، حيث أن كونه لا يستقبل أو يعالج أية إشارات من المستخدمين يعني أنه صالح للاستخدام من قبل مئات الملايين من المستخدمين دون مشاكل، ومهما ازداد عدد المستخدمين لا زيادة في العبء على النظام في الواقع، تماماً كما البث الإذاعي، فالتكلفة نفسها سواء استمع شخص واحد أو بضعة ملايين إلى البث.
اقرأ أيضاً: معهد MIT يجرب قوارب ذاتية القيادة قادرة على حمل شخصين
هذا الواقع يعني أن نظام GPS لا يقوم بالتجسس على المستخدمين وموقعهم لأنه ببساطة غير قادر على ذلك، ومع أن هذا لا يعني أن خدمات مثل تطبيقات الخرائط والتوجيه من الممكن أن تقوم بذلك، فهو كافٍ ليطمئن الكثير من المستخدمين إلى أن نظام تحديد المواقع نفسه غير مسؤول عن معرفة أي طرف ثالث بمكانهم.