نتيجة الرسوم الجمركية: عمالقة صناعة الحواسيب يخططون لإنشاء مصانع لهم في السعودية

⬤ تسعى شركات التقنية الكبرى مثل Lenovo وHP وDell لإنشاء مصانع في السعودية لتقليل الاعتماد على الصين.
⬤ تدفع الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة الشركات إلى البحث عن بدائل، وتبرز السعودية كخيار استراتيجي.
⬤ نجاح السعودية كمركز للإلكترونيات مرهون بتطوير بيئة لوجستية متكاملة وجذب شركات التصنيع الأصلية.
تشهد سلاسل الإمداد العالمية في قطاع الإلكترونيات مرحلة جديدة من إعادة التشكيل، مدفوعة بمتغيرات جيوسياسية متسارعة، إذ بدأت كبرى شركات تصنيع الحواسيب الشخصية، وعلى رأسها Lenovo، وHP، وDell، في استكشاف المملكة العربية السعودية كمركز محتمل لإطلاق منشآت إنتاجية جديدة.
يأتي هذا التحول المحتمل في ظل استمرار آثار الرسوم الجمركية «المتبادلة» التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخراً، والتي هدفت ظاهرياً إلى دعم الصناعة الأمريكية، لكنها تسببت فعلياً في زعزعة سلاسل التوريد المعتمدة على الصين وجنوب شرق آسيا، ما دفع العديد من الشركات إلى البحث عن بدائل استراتيجية.
في الوقت الذي تواجه فيه بعض دول جنوب شرق آسيا رسوماً جمركية أمريكية تصل إلى 30%، تبدو السعودية خياراً أكثر جذباً، حيث الرسوم الجمركية فيها نحو 10% فقط. وقد أدت هذه الفجوة، إلى جانب حالة الغموض التي طغت على مشهد الرسوم مؤخراً وتسببت بتوقف مؤقت في شحنات الحواسيب المحمولة إلى الولايات المتحدة، إلى تعزيز جاذبية السوق السعودية لدى الشركات العالمية.
ضمن جهودها الطموحة لفك الارتباط باعتمادها التاريخي على النفط، تسعى المملكة إلى استقطاب عمالقة التكنولوجيا العالميين، بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، والذي يشكل محوراً رئيسياً في استراتيجية السعودية للتنويع الصناعي، مستغلاً التقلبات في التجارة العالمية لاقتناص الفرص.
تصدرت شركة Lenovo تلك الموجة الجديدة من التحول، بعد أن أعلنت في يناير 2025 عن استثمار بقيمة ملياري دولار، عبر شراكة استراتيجية مع شركة آلات، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة. وتشمل الصفقة تأسيس المقر الإقليمي للشركة في الرياض، إضافة إلى إنشاء منشأة إنتاج حديثة وصديقة للبيئة، من المرتقب أن تبدأ الإنتاج في عام 2026 بطاقة سنوية تبلغ عدة ملايين من الحواسيب والخوادم، في إطار مساعي Lenovo للوصول بشكل أوسع إلى أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا.
بعد هذه الخطوة الرائدة من Lenovo، بدأت كل من HP وDell في دراسة خيار الإنتاج في السعودية بجدية. ووفقاً لمصادر مطلعة، فقد أرسلت الشركتان فرقاً استطلاعية إلى المملكة، بعد تلقي دعوات رسمية من جهات سعودية. وتقوم هذه الفرق حالياً بتقييم المواقع المحتملة، لا سيما في محيط العاصمة الرياض، ودراسة جدوى إنشاء مصانع محلية، رغم أن وتيرة تقدمهما لا تزال أبطأ من Lenovo.
لا تقتصر الجهود السعودية على الشركات الكبرى، بل امتدت لتشمل أبرز شركات التصنيع الأصلية (ODMs) مثل Foxconn وQuanta وWistron وCompal وInventec، وهي الشركات التي تتولى عادة التصميم والإنتاج لصالح العلامات التجارية. وتعرض المملكة حزمة من المحفزات المغرية، تتضمن دعماً مالياً، وإمكانية الوصول التفضيلي إلى العقود الحكومية محلياً وفي إفريقيا، إلى جانب دعم لوجستي شامل من صندوق الاستثمارات العامة. بل إن بعض المصادر تحدثت عن عروض استثنائية قد تشمل إنشاء المصانع دون تكلفة على المستثمر.
غير أن شركات التصنيع الأصلية تبدو أكثر حذراً. ففي حين ينجذب الموردون إلى السوق السعودية بحثاً عن انخفاض الرسوم والوصول للأسواق، تضع تلك الشركات في حسبانها ثلاثة شروط أساسية لتوسيع عملياتها؛ توفر اليد العاملة الماهرة، وتكامل سلاسل الإمداد، والبنية التحتية اللوجستية الفعالة. ومع امتلاك هذه الشركات بالفعل لمراكز إنتاج متعددة في دول مثل فيتنام وتايلاند، وسعيها نحو التوسع في المكسيك بموجب اتفاقية USMCA، فإن إضافة منشأة جديدة في منطقة ناشئة كمنطقة الشرق الأوسط يتطلب تقييماً دقيقاً نظراً للتحديات التشغيلية والتكاليف المترتبة.
عموماً، يبقى نجاح السعودية في التحول إلى مركز عالمي لصناعة الإلكترونيات رهناً بقدرتها على سد الفجوة بين تطلعات العلامات التجارية الكبرى وحسابات شركات التصنيع الأصلية. فمدى التزام الشركات مثل Lenovo وHP وDell بالمضي قدماً، مقروناً بسرعة تطوير البيئة الصناعية واللوجستية المطلوبة، سيكون العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان هذا التحول الجريء سيُترجم إلى واقع ملموس في خارطة صناعة التقنية العالمية.